إيران تسعى جاهدة لتحويل حالة انعدام توازن القوة المطلقة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية إلى ميزة تكتيكية
ما الذي يجري بين واشنطن وطهران في الأسابيع الأخيرة لا سيما بعد الاعتداءات على معامل أرامكو النفطية في المملكة العربية السعودية، وقبلها عدة عمليات جوية وبحرية ضد أهداف أمريكية ودولية؟
إن شكل المعركة الأمريكية الإيرانية لم يعد مقصورا على النار والبارود ومشاهد الحرب الكلاسيكية.. أهلا بكم في عالم الحروب السيبرانية القادرة على تركيع ملالي طهران في الغد القريب.
يمكن القطع أول الأمر بأن إيران تسعى جاهدة لتحويل حالة انعدام توازن القوة المطلقة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية إلى ميزة تكتيكية، ذلك أنه على الرغم من التفوق الأمريكي الكاسح من حيث القوة العسكرية، إلا أنه على الطرف المقابل وفي البيت الأبيض يوجد رئيس لا يريد الدخول في حرب أو مواجهة عسكرية، وبخاصة أنه على عتبات الترشح لولاية رئاسية ثانية، وحال الفوز بها قد تكون هناك سيناريوهات أخرى.
على أن العم سام لا يخلو جرابه من أدوات قوة غير ظاهرة موصولة بأساليب الحروب الحديثة، تلك التي لا تتبدى للعيان، وإن كانت مفاعيلها لا تقل تأثيرا وخطرا، ومنها الحروب السيبرانية القادرة على تغيير شكل العالم دون إطلاق رصاصة واحدة .
مؤخرا حثت مؤسسة "راند" الذراع الفكرية لمجمع الصناعات العسكرية، مراكز القرار الأمريكي على تصعيد مرتبة " الحرب الإلكترونية في الفضاء الإلكتروني"، إلى نظرية و"مبدأ عسكري"، يستدعي موازنات وطواقم خاصة ومختصة.
المؤسسة عينها أشارت إلى أنه يتعين على "حلف الناتو الإبقاء على جهوزيته للتعامل مع التهديدات الإلكترونية التي مصدرها أي مكان في العالم، والعمل على تثقيف أعضاء الحلف حول شن عمليات في الفضاء الخارجي، والتخطيط العملياتي للحرب الإلكترونية، وبرامج التدريب، وإجراء تجارب لإنشاء ذاكرة عضلية ضرورية.
هل جرت في الأسابيع القليلة الفائتة تجربة أمريكية سيبرانية حقيقية ضد إيران وقواتها المسلحة، ردا على التهور الاستراتيجي الإيراني في الفترات الأخيرة؟ وإذا كان الأمر قد مضى بالفعل على هذا النحو، فهل وقفت إيران مكتوفة الأيدي أم أنها حاولت الانتقام وربما تخطط لعمليات مقبلة تجاه واشنطن وحلفائها في الإقليم والعالم؟
حين صدم العالم برد فعل الرئيس ترامب وإلغائه في اللحظات الأخيرة -على حد قوله- عملية عسكرية ضد الإيرانيين، لتأكده من سقوط ضحايا مدنيين، كان الرجل يعمل في هدوء لإصابة طهران بقوة وعمق على صعيد آخر، وهو صعيد الحرب الخفية التي لا تظهر نتائجها في الحال، وربما يقتضي الأمر الانتظار لشهور .
والشاهد أن أكثر من مسؤول أمريكي رفيع المستوى قد أشار إلى أن الانتقام الأمريكي قد جرت به المقادير من خلال عملية إلكترونية سرية استهدفت إيران في أواخر سبتمبر الماضي، أثرت على جهوزية أسلحة ومعدات إيرانية، رغم أنه من الواضح أنها كانت عملية محدودة، رفضت وزارة الدفاع الأمريكية التعليق عليها، وقالت إليسا سميث المتحدثة باسم الوزارة: "نحن لا نناقش العمليات الإلكترونية أو المخابراتية أو التخطيط، وذلك لاعتبارات تتعلق بسياسة الوزارة وأمن العمليات.
الضربة الأمريكية السيبرانية الأخيرة، تعيد التذكير بعمليات مشابهة استخدمت فيها أمريكا الفيروس الشهير المعروف باسم "ستاكسنت" ضد منشآت نووية إيرانية قبل عدة سنوات، وتحديدا عام 2010، ويبدو أن الأمريكيين قد أصابوا قواعد المعلومات الإيرانية الخاصة بالحرس الثوري الإيراني على نحو خاص، بعد الاعتداءات الأخيرة، ما جعل من أجهزتهم الكمبيوترية عاطلة عن العمل، ومشلولة إلى أبعد حد ومد، وقلص قدرة إيران على إحداث هجمات سيبرانية مضادة سرية تجاه الجانب الأمريكي .
القصة المتقدمة أكدتها النيويورك تايمز منذ أيام، وعن مصدر استخباراتي سابق يدعى " نورمان راؤول " والذي أشار إلى أن العملية السيبرانية الأمريكية تحمل رسالة للملالي وأذرعتهم من الحرس الثوري فحواها: "يجب عليك أن تنقل أمرا واحدا لعدوك بفاعلية، وهو أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها قدرات متعددة لن يتمكن العدو من الوصول إليها أبدا، لذلك من الأفضل لجميع الأطراف أن يتوقفوا عن أعمالهم العدوانية ".
ولعل تقرير الـ"نيويورك تايمز" يعيدنا إلى تصريحات سابقة لاثنين من أهم العقول الأمريكية في التاريخ المعاصر: " هنري كيسنجر " مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية في زمن ريتشارد نيكسون، وزيجينو بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، وكلاهما قد أشار في أكثر من موقع وموضع إلى امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية أنواعا وأشكالا من الأسلحة التي لم تخطر على قلب أو فكر بشر، الأمر الذي فتح الباب واسعا لفكرة تروج في الداخل الأمريكي عن تعاون أمريكي مع كائنات فضائية قائمة في المنطقة 51 في صحراء نيفادا، تلك الممنوع على المدنيين الاقتراب منها لمسافات بعيدة والتي حاول الأمريكيون منذ شهرين الوصول إليها وتم منعهم .
مهما يكن من أمر، فإنه من الواضح جدا وبحسب وسائل الإعلام الأمريكية أن إيران تضررت بشكل كبير وخطير، وأنها لا تزال حتى الساعة تحاول إصلاح أنظمتها المهمة، ولم تستعد المعطيات التي فقدت في الهجوم الأمريكي عليها، والسؤال المثير: هل قامت إيران بالرد على تلك الهجمات أم ليس بعد؟
بالرجوع إلى تصريحات "إيمي زيجارت"، الأكاديمية الأمريكية التي تعمل مديرة مشاركة لمركز الأمن والتعاون الدولي بجامعة ستانفورد الأمريكية نجد إقرارا منها بأن "الولايات المتحدة الأمريكية هي الفاعل الأقوى والأضعف، في آن معا، على مسرح حرب إلكترونية سيبرانية، وتحذر من أي هجمات من أعداء يمكنها أن تشل السيارات التي يقودها الأمريكيون والطائرات التي يركبونها، هجمات تهدد بقطع الطاقة أو المياه عن المدن في جميع أنحاء البلاد لأيام أو أسابيع أو أكثر، ويمكن أن تصيب الجيش الأمريكي بالعجز أو تحويل أسلحة الأمريكيين ضدهم ".
هنا يمكن للباحث المحقق والمدقق الإشارة إلى أن إيران لا يمكن بحال من الأحوال أن تصل إلى مثل هذا المستوى المدمر من الهجوم، وإن كانت دول أخرى مثل روسيا أو الصين تستطيع فعل ذلك، إلا أن هذا لا يمنع من القول إن إيران حاولت بالفعل إعاقة سير الحياة الأمريكية من خلال هجوم سيبراني ولو كان ضعيفا نسبيا الأسبوع الماضي.. ما الذي جرى؟
باختصار غير مخل، حاول الهاكرز الإيرانيون استهداف أمريكيين برسائل سياسية مثيرة للانقسام في محاولة للتأثير على معطيات ومجريات الانتخابات الرئاسية المقبلة 2020، والجميع يعلم أن الإيرانيين يراهنون على الوقت وعلى خسارة دونالد ترامب لمعركة الولاية الثانية ومجيء رئيس ديمقراطي متماهٍ مع طهران كما كان باراك أوباما .
والخلاصة.. يمكن القول إننا أمام فصل جديد من فصول المواجهة السيبرانية الأمريكية الإيرانية، وقد نشهد تصاعدا مثيرا في الأحداث في قابل الأيام، ما يعني أن شكل المعركة الأمريكية الإيرانية لم يعد مقصورا على النار والبارود ومشاهد الحرب الكلاسيكية.. أهلا بكم في عالم الحروب السيبرانية القادرة على تركيع ملالي طهران في الغد القريب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة