السؤال هل الحكومة السورية جادة في تحركها باتجاه الجنوب أم أنّ الأمر لا يتعدى المناورة لكسب المزيد من النقاط؟
تبدو تصريحات الولايات المتحدة المنذرة دمشق من التحرك عسكرياً باتجاه الجنوب السوري درعا على وجه التحديد أكثر حدة من ذي قبل، حين صرحت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية أنّ النظام السوري سيتلقى رداً صارماً حال تقدم قواته إلى هذه المنطقة التي قالت إنّها تدخل ضمن مناطق خفض التصعيد.
في الواقع التحذير الأمريكي لم يأتِ لأنّ درعا ضمن المناطق المتفق عليها لتكون مناطق خالية من العمليات العسكرية بقدر قربها من إسرائيل، وأهمية ذلك من الناحية الأمنية وعدم اقتراب المليشيات المدعومة إيرانياً من هذه المنطقة، وبالتالي تصبح على تماس مباشر مع تل أبيب، وهذا ما لن تقبل به الأخيرة.
حقيقة التحركات السورية في الجنوب تشي بعدم التنسيق بين دمشق وموسكو إذ أنّ الأخيرة لا ترغب في إزعاج الأمريكيين وإسرائيل، لذلك يبدو أنّ الدافع في الأمر هما الحليفتان دمشق وطهران ردا على الضربات الإسرائيلية المتكررة في الآونة الأخيرة لمواقع المليشيات الإيرانية على الأرض السورية.
السؤال هل الحكومة السورية جادة في تحركها باتجاه الجنوب أم أنّ الأمر لا يتعدى المناورة لكسب المزيد من النقاط؟.
حقيقة التحركات السورية في الجنوب تشي بعدم التنسيق بين دمشق وموسكو إذ أنّ الأخيرة لا ترغب في إزعاج الأمريكيين وإسرائيل، لذلك يبدو أنّ الدافع في الأمر هما الحليفتان دمشق وطهران رداً على الضربات الإسرائيلية المتكررة في الآونة الأخيرة لمواقع المليشيات الإيرانية على الأرض السورية.
في استعراض بسيط نجد أنّ الجنوب السوري "درعا" وأجزاء بسيطة من القنيطرة تمثل ثقلاً سياسياً وعسكرياً للأطراف المتصارعة على الأرض.
لنبدأ أولا بدمشق إذ تشكل هذه المنطقة النقطة الأخيرة التي يمكن عقبها الإعلان عن انتهاء الحرب على من يسميهم النظام "إرهابيين" إذ للمدنية رمزية في الأحداث السورية عقب انطلاق الشرارة الأولى منها عام 2011 إلى باقي المدن والسيطرة عليها بشكل كامل يعطي مقاتلي النظام ثقة أعلى بقرب نصرهم عقب سيطرتهم على الغوطة الشرقية ومن قبل ذلك حلب وحمص.
أما المعارضة فقد خسرت أغلب أوراقها في معركتها مع النظام ولم يبقَ لديها المزيد لتفاوض عليه في الاستحقاقات المقبلة لذلك ستدافع بشراسة عن هذه المنطقة يسانده بذلك الدعم الأمريكي الذي يزداد قوة عندما يتعلق الأمر بتقدم المليشيات المدعومة من إيران إلى هذه المنطقة شديدة الحساسية بالنسبة لحليفة واشنطن إسرائيل.
بالنسبة لإيران فإنّها تعتبر الجنوب منطقة تماس مباشر مع إسرائيل، ولذلك تسعى طهران عبر مليشيا حزب الله لحجز مكان فيه للمناورة حال تعرض الأخيرة لاستفزازات إسرائيلية كالتي حدثت مؤخراً في مناطق نفوذها بدمشق وحماة وحلب.
في مقابل إيران تقف الولايات المتحدة المحذرة من أيّ تقدم عسكري باتجاه درعا لأهمية المنطقة وقربها من الحدود الأردنية ووجود بعض القوات الأمريكية هناك، يضاف إلى ذلك التخوف من انجرار فوضى الداخل السوري إلى إسرائيل التي تعتبر الجنوب خط الدفاع الأول عن كيانها.
تبقى روسيا وتركيا الطرفين المشاركين بشكل مباشر في الحرب الدائرة على الأرض السورية تتحفظان بوجهتي نظر بعيدتين عما تفكر به الأطراف الأخرى.
روسيا لا ترى أهمية كبيرة للمنطقة في حساباتها العسكرية، فهي لا تشكل نقطة خطر على قواتها المنتشرة في أكثر من بقعة على الأراضي السورية خصوصا أنّ ما تراه دمشق عدواً وهي إسرائيل تعتبره موسكو صديقاً وحليفاً يتم التنسيق معه في الكثير من الأمور الأمنية والتحركات العسكرية بين الجانبين وتصل في بعض الأحيان لإخبار الجانب الإسرائيلي نظيره الروسي بالطلعات الجوية التي يستهدف من خلالها المواقع الإيرانية في سوريا.
أما تركيا فهي تفكر بإدلب أكثر وما يؤرّقها هو الشمال وعدم السماح للأكراد بالتوسع وقطع الطريق على مشروعهم الانفصالي، وهذا ما تحقق لها في الآونة الأخيرة خاصة مع التنسيق الجديد بين واشنطن وأنقرة فيما يخصّ مدينة منبج المسيطر عليه من قبل الأكراد لصالح إرضاء الجانب التركي وعدم استمراره بعملياته العسكرية إلى هذه المدينة، لذلك درعا لم تدخل في حسابات الحكومة التركية سابقاً ولن تدخل في المستقبل.
إذاً وحسب شخصيات معارضة على اطلاع بملف المنطقة من طرفي الصراع "حكومة ومعارضة" نستطيع القول أن ثمة اتفاق يُعمل عليه ترعاه روسيا والولايات المتحدة وترضى عنه دمشق والمعارضة وتباركه أطراف لها مصلحة بعدم توتر الجنوب ودخوله في خضم معارك كالتي جرت في الغوطة يسمح الاتفاق بدخول مؤسسات الدولة إلى المناطق المسيطر عليها دون دخول العسكر والسماح بالتبادل التجاري ودخول المحروقات إلى هذه المنطقة وتوريد المنتجات الزراعية إلى العاصمة بشكل علني بعدما كانت سرية ويُطوى موضوع المنطقة، لتتوجه الأنظار إلى إدلب التي قد يتفق عليها جميع اللاعبين بسبب وجهة النظر الواحدة تجاه من يسيطر على المدينة وهي "جبهة النصرة" المصنفة إرهابية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة