ظلال نتائج COP28 في «دافوس».. إشادة وتحذير من التراجع
الابتعاد عن الوقود الأحفوري أولوية قصوى
لم يخل منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في سويسرا الذي عُقد من 15 إلى 19 يناير/كانون الثاني الجاري من إشادة بما تم التوصل إليه في مؤتمر الأطراف للمناخ COP28، والتحذير من التراجع عما تم التوصل إليه من نتائج مهمة.
ومن أبرز نتائج COP28 الذي استضافته دولة الإمارات في الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني العام الماض حتى 12 ديسمبر/كانون الثاني من نفس العام ذكر الوقود الأحفوري "صراحة" لأول مرة في مؤتمرات الأطراف للمناخ وهو ما وجد وجدت صدى عالمياً واسعاً وترحيباً كبيراً.
وللمرة الأولى منذ نحو 3 عقود من هذه المحادثات، ذكر "اتفاق الإمارات" التاريخي أن الوقود الأحفوري - الفحم والنفط والغاز الطبيعي - سبب لتغير المناخ.
ونصّ الاتفاق في بند غير مسبوق على مستوى مؤتمرات المناخ إن العالم بحاجة، على ضرورة "الابتعاد" عن الوقود الأحفوري.
وخلال أكبر منتدى سياسي اقتصادي سنوي عالمي في منتجع دافوس بسويسرا أشاد نائب الرئيس الأمريكي الأسبق وأحد قادة المناخ في العالم "آل جور" بما تم التوصل إليه بشأن الوقود الأحفوري في COP28، محذراً في الوقت نفسه من أي تراجع عن هذا الإنجاز الكبير الذي يخدم قضية المناخ في العالم.
ولا يزال "اتفاق الإمارات" الذي مثل ثمرة جهود الدولة المضيفة لـCOP28 يجد تفاعلاً عالمياً وكان حاضراً بقوة خلال واحد من أهم التجمعات للقادة السياسيين وكبار المديرين التنفيذيين والمشاهير.
نقطة تحول عالمية
أشار نائب الرئيس الأمريكي السابق آل جور وهو حاليا رئيس مجلس إدارة شركة "Generation Investment Management LLP"، خلال مقابلة تلفزيونية على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي "WEF" في دافوس إلى "الاتفاق التاريخي" الذي تم التوصل إليه في قمة المناخ COP28 للانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
وأعاد التذكير بأنه في مؤتمر الأمم المتحدة في دبي، وافقت 197 دولة على تسريع إزالة الوقود الأحفوري الوقود من أنظمة الطاقة الخاصة بهم هذا العقد والقضاء عليه بحلول منتصف القرن.
وتمت الإشادة بهذا التعهد باعتباره نقطة تحول في دبلوماسية المناخ العالمية لأنه تناول بشكل مباشر مصدر الانحباس الحراري العالمي، المتمثل في الوقود الأحفوري؛ الذي يولد الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي عند حرقه.
وقال آل جور: "كانت خطوة إلى الأمام حتى مع إعلان عام 2023 باعتباره العام الأكثر سخونة على الإطلاق، وتسببت الظواهر الجوية القاسية في إحداث دمار في جميع أنحاء العالم".
وتابع آل جور: "لقد استغرق الأمر 28 عامًا من مؤتمرات الأطراف قبل أن نتمكن حتى من استخدام عبارة الوقود الأحفوري".
التحذير من التراجع
بعد مؤتمر COP28 الذي قدّم لأول مرة لغة حول الوقود الأحفوري في اتفاقه النهائي التاريخي المعروف بـ"اتفاق الإمارات"، سينتقل مؤتمر الأمم المتحدة المقبل للمناخ إلى المسرح العالمي في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في باكو، أذربيجان.
وسيشهد ذلك انتقال القمة إلى أوروبا الشرقية لأول مرة منذ عقد من الزمان (وارسو، بولندا في عام 2013).
أذربيجان هي منتج للنفط والغاز وعضو في تحالف "أوبك+"، وتخطط لتنويع مصادر الطاقة لتشمل المزيد من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
ويمثل COP29 الفرصة الرئيسية الأخيرة لإعادة العالم إلى المسار الصحيح ومساءلة الدول عن تحقيق أهدافها البيئية.
وللمرة الأولى، جلب مؤتمر COP28 القطاع الخاص إلى طاولة المفاوضات، معترفاً بأن القطاع يلعب دوراً محورياً في مواجهة التحديات البيئية العالمية.
ومن المأمول أن يستمر هذا الإدماج إلى الأمام، لضمان استمرار وجهات النظر والموارد المتنوعة كجزء من حل يعمل للجميع.
وعلى غرار جميع مؤتمرات الأطراف، ستجمع النسخة الـ29 ممثلين عن البلدان الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
ومن بين مئات الآلاف من الحضور رؤساء دول ومسؤولون حكوميون وقادة صناعة وأكاديميون وممثلون عن منظمات المجتمع المدني وقادة الأعمال.
وستكون هناك دائما مفاوضات رسمية، بالإضافة إلى حلقات نقاش وأحداث تحدث وأحداث ثقافية على مدار أسبوعين من المؤتمر.
في المقابل اعتبر آل جور الذي ينظر إليه كأحد أقطاب العمل المناخي في العالم أن "أزمة المناخ هي أزمة وقود أحفوري، ومع ذلك فقد استغرق الأمر وقتًا طويلاً للتغلب على هذه المقاومة وحتى تسمية هذه المشكلة"، وهو ما يُحسب بطبيعة الحال لجهود دولة الإمارات للتوصل لهذا الاتفاق.
وحذر من التراجع عما تم التوصل إليه بشأن الوقود الأحفوري في COP28، داعياً إلى "إصلاح العملية الدبلوماسية التي تقوم عليها قمم المناخ السنوية المعروفة باسم مؤتمر الأطراف".
البناء على COP28
بشأن أذربيجان التي ستستضيف مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "COP29" هذا العام برئاسة مختار باباييف، وزير البيئة والموارد الطبيعية في جمهورية أذربيجان منذ أبريل/ نيسان 2018، والمدير التنفيذي السابق لشركة النفط الحكومية "سوكار"، قال آل جور: "إن النسبة المئوية لعائدات النفط والغاز القادمة إلى أذربيجان، كبيرة وهذا لا يعني ذلك أنهم أشخاص سيئون أو أن لديهم نوايا سيئة، بل أن لديهم تضاربًا هيكليًا في المصالح".
واستطاع COP28 الوفاء بتعهداته بخروج المؤتمر بشكل إيجابي وتحقيق تحرك وإنجاز ملموس في قضية المناخ وبعد استضافة نحو 70 ألف مشارك من قادة الدول، وممثلين عن القطاعين العام والخاص؛ شهدت فعاليات المؤتمر نتائج غير مسبوقة.
ويدعو قادة العمل المناخي في العالم للبناء على ما تم التوصل إليه في "اتفاق الإمارات" وما تم التوصل إليه من اتفاقات وتعهدات مالية استثنائية في نوعها، والتمسك بالإنجاز والخطوة غير المسبوقة بالنص صراحة على "الابتعاد" عن الوقود الأحفوري.
ولعبت دولة الإمارات في استضافتها مؤتمر المناخ في دورته الحالية دوراً بارزاً في حشد الجهود، والتوصل إلى توافق عالمي بين نحو 198 دولة مشاركة في رسم خارطة طريق وخطة عمل تسهم في تمكين العمل المناخي العالمي باتفاق عادل ومنصف، بما يسهم في الحد من تداعيات تغير المناخ وحفظ حقوق الأجيال القادمة بمستقبل آمن ومستدام.
استطاع مؤتمر المناخ COP28 "قمة الطموح" الذي حظي باهتمام خاص من جميع الدول باختلاف مستوياتها؛ رفع سقف الآمال، وشكل مرحلة جديدة من مساعي الدول للتوافق حول قرارات ونتائج ملزمة، تسهم في الحد من التداعيات والآثار المتوقعة للتغير المناخي.
وبخلاف إنجاز نص مادة الوقود الاحفوري في "اتفاق الإمارات" تنوعت منجزات المؤتمر وموضوعاته؛ حيث شملت تداعيات التغيرات المناخية التي شهدها العالم خلال 2023، والتوجه لدعم الطاقة النظيفة في العديد من دول العالم؛ لتقييم تقدمها في تحقيق أهداف اتفاق باريس المعنية بالحد من انبعاثات الاحتباس الحراري، والوصول إلى 1.5 درجة مئوية.
محصلة جهود إماراتية
الدعوة لعدم التراجع عما تم التوصل إليه في COP28 تنبع أيضا من الشمولية المناخية التي اتسمت بها هذه النسخة من مؤتمر الأطراف التي استضافت على سبيل المثال ولأول مرة على الإطلاق، يوماً للتجارة العالمية والأعمال التجارية والخيرية، كما تناولت موضوعات الصحة والبيئة، بهدف مناقشة مساهمتها في الانبعاثات الكربونية العالمية، وكيفية تعزيز دور التجارة في التحول إلى الطاقة النظيفة.
ونجحت الرئاسة الإماراتية للحدث المناخي الأبرز عالمياً، في التوصل إلى صيغة نهائية للبيان الختامي لمؤتمر الأطراف في دورته الثامنة والعشرين، حصلت على التوافق العالمي بموافقة ممثلي 197 دولة وهو اتفاق يدفع الدول للمرة الأولى إلى التحول بعيداً عن استخدام الوقود الأحفوري.
وتمت الموافقة على نص المسودة في نسختها الثالثة المعدلة، التي تضمنت إشارة إلى التحول عن الوقود الأحفوري بالكامل في العقد الحالي بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، والإسراع في التحول إلى الطاقة النظيفة، بهدف الوصول إلى صافي انبعاثات غازات الدفيئة الصفرية بحلول عام 2050.
وفي هذا الصدد، دعت وثيقة البيان الختامي الدول إلى اتخاذ إجراءات تشمل الحد من الانبعاثات؛ حيث أقرت الوثيقة الحاجة إلى تخفيضات عميقة وسريعة ومستدامة لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بما يتماشى مع هدف 1.5 درجة مئوية، من خلال بعض الإجراءات، مثل تسريع تقنيات الانبعاثات الصفرية والمنخفضة، واستخدام أنواع وقود خالية من الكربون ومنخفضة الكربون قبل عام 2050، واستخدام الهيدروجين المنخفض الكربون. وتسريع الجهود نحو التخفيض التدريجي لإنتاج واستخدام للفحم.
كما دعت الوثيقة البلدان إلى مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة معدلات كفاءة الطاقة بحلول عام 2030، وهو أمر وافقت عليه 130 دولة في مؤتمر الأطراف 28.
وفي هذا السياق يؤكد الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة رئيس مؤتمر الأطراف COP28، أن دولة الإمارات وبفضل دعم القيادة الرشيدة، نجحت في جمع العالم وتوحيد الجهود والوصول إلى توافق دولي.
وقال إن هذا التوافق وضعَ العالم على مسار العمل المناخي الصحيح، وأرسى معايير جديدة للعمل المناخي العالمي، وقدّم استجابة طموحة لنتائج الحصيلة العالمية لتقييم التقدم في اتفاق باريس تسهم في الحفاظ على إمكانية تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية.
وخلال استعراضه أهم نتائج المؤتمر بعد مرور شهر على ختام COP28، أكد الدكتور سلطان الجابر أن COP28 حقق تقدماً جذرياً في تاريخ مؤتمرات الأطراف من حيث النتائج التاريخية ووفر الفرص المتنوعة للمجتمع الدولي.
وأكد أن COP28 كان الدورة الأكثر احتواءً للجميع في مؤتمرات الأطراف حتى الآن؛ حيث مثَّلَ جميع الفئات والآراء في عملية صنع القرار، واتخذت رئاسة COP28 إجراءات جريئة وحاسمة لتحقيق إنجازات تتجاوز بنود النص التفاوضي وبما يسهم في تحقيق نقلة نوعية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي عالمياً، إضافة إلى تطوير آليات التمويل المناخي، وحماية البشر والطبيعة وتحسين الحياة وسُبل العيش.