احتجاجات لبنان.. وحدة تنزع عباءة الطائفية
صرخة غضب واحدة دوت من شمال لبنان إلى جنوبه، على مدار أكثر من 10 أيام، رفضا للفساد وتنديدا بالوضع المعيشي الصعب.
فرضت "اللامركزية" نفسها بقوة على مشهد المظاهرات اللبنانية في جميع المدن، لتنزع عباءة الطائفية والحزبية، في مشاهد ارتسمت بالعاصمة بيروت ومختلف مناطق البلاد.
صرخة غضب دوت من الشمال إلى الجنوب، على مدار أكثر من 10 أيام، رفضا للفساد وتنديدا بالوضع المعيشي الصعب، لتتم ترجمتها في مظاهرات بمناطق لطالما عرفت بحرمانها وفقرها وانتمائها إلى أحزاب طائفية وسياسية ظلت حتى وقت قريب فوق مستوى الانتقادات لاعتبارات واهية.
ها هي طرابلس، عاصمة الشمال، التي شهدت معارك على امتداد سنوات بين جبل محسن وباب التبانة، وأطلق عليها "قندهار الشام" لاحتضانها أكثر الشباب تطرفا، تتحول بين ليلة وضحاها لتصبح "عروس الثورة"، ويصدح صوت الموسيقى في أروقة "ساحة النور" التي يتسابق يوميا آلاف السكان عليها للتظاهر فيها.
ووقف أبناء باب التبانة وجبل محسن جنبا إلى جنب في ساحة واحدة، مطالبين بحقوقهم وإسقاط النظام، رافضين كل المسؤولين في منطقتهم الذين يعرفون بأنهم من أكبر أغنياء لبنان، لكنهم لم يقدموا لأبنائها شيئا وبقيت طرابلس تعرف بمدينة المحرومين.
وفي الجنوب، لم يختلف الوضع كثيرا؛ ففي صور والنبطية ومناطق أخرى، رفعت شعارات لأول مرة في تاريخها.
فهذه المدن التي لطالما تعرف بانتماء أبنائها في معظمهم إلى "حزب الله" و"حركة أمل" الشيعية، التحقت أيضا بالثورة، وسمع للمرة الأولى في ساحة النبطية شعار "ما بدنا جيش بلبنان إلا الجيش اللبناني".
وفي بعلبك جنوبا أيضا، انتفضت مدينة الشمس التي يصب معظم أصوات أبنائها في الانتخابات النيابية لصالح حزب الله وحركة أمل، وتظاهر أهلها للمطالبة بحقوقهم الأمنية والمعيشية، رافعين شعارات الساحات الأخرى، ليلاقوا جيرانهم في الهرمل وعرسال وبريتال، بصوت واحد وموحد.
صورة جامعة كرسّتها لا مركزية المظاهرات يصفها وزير الداخلية اللبناني الأسبق مروان شربل بأنها "ظاهرة أسقطت كل المخاوف التي كانت تراودنا من إمكانية العودة إلى الحرب الأهلية، وكرّست مفهوم الهوية الوطنية التي باتت الجامع المشترك لكل اللبنانيين بعيدا عن أي هوية طائفية".
شربل قال لـ"العين الإخبارية" أيضا إن "الاحتجاجات التي شملت كل المناطق أثبتت أن اللبنانيين كسروا حاجز الخوف وهي في الوقت نفسه أخافت المسؤولين من وحدة صوت الشعب، حيث لا يمكن بعد اليوم اللعب على الغرائز الطائفية أو الحزبية للوصول إلى الأطماع السياسية".
وعما إذا كانت هذه الظاهرة جعلت لبنان محصّنا ضد الطائفية وبالتالي خطر الحرب الأهلية، أضاف شربل: "يمكننا القول إننا وصلنا إلى أبعد من نصف الطريق، لكن لا يمكن الحسم بهذا الموضوع قبل تحقيق مطالب الثورة وانتهائها على خير".
وواصل حديثه قائلا: "لا نزال نخشى من أي تدخّل بقرار ما من قبل جهات معينة على غرار ما كان يحصل سابقا قد يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ويدخل لبنان مجددا في حرب أهلية".
ولفت وزير الداخلية اللبناني الأسبق إلى أنه آن الأوان كي تتلقف الدولة هذه اللحظة التاريخية للانتقال إلى "النظام المدني" بدلا من "الطائفي"، بعد سقوط كل الحجج التي كان يرفعها المسؤولون بقولهم يفترض إزالة الطائفية من النفوس قبل النصوص.
وأشار إلى أن "ما حصل اليوم يثبت أن الشعب اللبناني تجاوز هذا الامتحان"، مرجحا أن نتيجة الثورة لم تعد بعيدة بعد مرور 10 أيام على بدء الاحتجاجات، وأن يتم حسم الأمور خلال 48 ساعة.
وبالعودة إلى المناطق اللبنانية، اختارت بلدة الكورة الشمالية أن ترسل تحيتها إلى كل المواقع عبر علم لبناني زين بتوقيعات أبنائها، وبدأت المبادرة بمدينة طرابلس حيث أرسل أبناؤها توقيعات المعتصمين إلى ساحة الاعتصام في طرابلس دعما لها، على أن يتبع هذا التحرك إرسال أعلام موقعة من أهالي الكورة إلى جميع ساحات الاعتصامات.
وفي مسار الوحدة الوطنية نفسه، سيكون اللبنانيون، اليوم الأحد، على موعد مع حدث جامع أيضا يقرّب مسافات الساحات عبر سلسلة بشرية من الجنوب إلى الشمال تأكيدا منهم أن الشعب موّحد ومتحد.
وكانت الحملة قد انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "يد بيد من الجنوب للشمال"، و"السلسلة البشرية" ستقام من الجنوب إلى الشمال ابتداء من الساعة الواحدة بعد الظهر حتى الرابعة مساء بالتوقيت المحلي.
aXA6IDE4LjIyNC42My4xMjMg جزيرة ام اند امز