السودان.. تراجع الجنيه أمام الدولار يثير قلق الخرطوم
الحكومة السودانية التزمت الصمت تجاه تدني سعر صرف الجنيه، ولم تتخذ أي تدابير رسمية لإنقاذ العملة الوطنية من الانهيار.
حالة من القلق الرسمي والشعبي بدأت بالسودان تجاه التراجع المريع في قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية خلال الفترة القليلة الماضية.
وبخلاف التوقع والتفاؤل الحكومي برفع العقوبات الأمريكية عن البلاد، ظلت العملة الوطنية في حالة تدهور منقطع النظير، لتصل قيمة الدولار الأمريكي 28 جنيها كأول مرة في تاريخه.
وسجل الدولار تراجعا محدودا عقب رفع الحظر في أكتوبر الماضي وصل إلى 17 جنيها قبل أن يقفز، مجددا إلى 20 و24 جنيها على التوالي أواخر الشهر الماضي، ليتخطى حاجز 28 جنيهاً، اليوم الجمعة.
وحدث ذلك رغم انخفاض عجز الميزان التجاري خلال النصف الأول من العام الجاري إلى 677.9 مليون دولار مقارنة بـ2.100 مليون دولار نتيجة لارتفاع قيمة الصادرات بمعدل 43.5%، وتشمل الذهب بمعدل 94.2% والصادرات الأخرى بمعدل 25.1% وانخفاض الواردات بنسبة 21.4%.
ويعزي خبراء اقتصاديون تحدثوا لبوابة "العين الإخبارية" هذا التدهور إلى فشل القطاع الاقتصادي بالسودان في إجادة التعامل مع مرحلة ما بعد العقوبات الأمريكية، إلى جانب زيادة الطلب على النقد الأجنبي نسبة لدخول شركات استثمارية كبرى لم يتمكن السوق من استيعابها، قبل أن ينصحوا الحكومة باستجلاب قروض ميسرة لاستيراد السلع الاستراتيجية بما يؤدي إلى استعادة التوازن في سوق النقد.
وعلى النقيض، قابلت الحكومة السودانية تدني سعر صرف الجنيه -الذي أتى بعد شهر من قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب برفع الحظر الاقتصادي- بحالة من الصمت المريب الذي أثار حفيظة المهتمين، حيث لم تتخذ أية تدابير رسمية لإنقاذ العملة الوطنية من الانهيار.
الأمر الذي فتح بابا من التكهانات بنية القطاع الاقتصادي في الدولة إلى تعويم الجنيه كواحد من الحلول الآنية لمعالجة التدهور.
ولكن وزير المالية السوداني، محمد عثمان الركابي، الذي بدأ متحفظا في الإجابة عن تساؤلات الصحفيين مطلع الأسبوع الماضي، نفى بشدة وجود اتجاه حكومي لتعويم الجنيه على النحو الذي تناقله نشطاء على مواقع التواصل، معلنا عن تدابير مرتقبة تتضمن حزمة إجراءات اقتصادية لاستعادة الجنيه عافيته.
ترقب برلماني
لا تبدو حالة البرلمان السوداني أكثر اختلافا من ناحية التفاعل مع أزمة تدهور سعر الصرف عن الجهاز التنفيذي، فهو لا يزال يقف عند دور المراقب لما يقوم به الثاني من إجراءات على الرغم من اعترافه بخطورة القضية.
ورأى نائب رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان الأمين حسين، أنه ما كان ينبغي التعويل على رفع العقوبات الاقتصادية وتصويره كمنقذ للأزمة في وقت يمثل جزءاً يسيرا من الحل يتطلب إلحاقه بقرارات جريئة لزيادة الإنتاج وترشيد الإنفاق الحكومي.
وقال حسين إن لجنته لم تقم بأية تحركات في هذه الأزمة، وإنها في انتظار ما يتخذه القطاع الاقتصادي والمصرفي من تدابير "لأن الأمر بالأساس شأن تنفيذي".
أمر متوقع
واعتبر الخبير د. محمد الناير أن ما يحدث من تراجع لقيمة الجنيه كان متوقعا ونبه له من قبل. وفي تقديره فإن الحكومة تتحمل المسؤولية كاملة إزاء انفلات الدولار نسبة لتجاهلها مسألة تعديل السياسات الاقتصادية لتتماشى مع قرار رفع الحظر الأمريكي.
وأشار الناير في حديثه إلى أن الحكومة لو كانت عدلت سياسات شراء الذهب ووضعت سياسات تحفيزية لجذب مدخرات المغتربين ورشدت الإنفاق العام، لوفرت 9 مليارات دولار على الأقل، وهي كفيلة بإحداث استقرار سعر صرف الدولار وجعله في حدود 17 جنيها.
وأكد أن الدولار سيشهد مزيدا من الارتفاع حال استمرت الحكومة على السياسات النقدية الحالية، مشيراً إلى أن الحل الدائم للقضية يكمن في زيادة اﻹنتاج والإنتاجية.
ويتفق الخبير الاقتصادي سالم الصافي حجير، مع الناير في مزيد من التدهور الذي ستشهده قيمة الجنيه السوداني، لكنه يقطع بعدم وجود حيلة لدى الحكومة لاستعادة السيطرة على سوق النقد الأجنبي.
وبرأيه، فإن الدولار في السودان تحول من عملة إلى سلعة تباع وتشترى وتخضع لفرضية العرض والطلب "فكلما زاد الضغط عليه ارتفع سعره مقابل الجنيه"، وأصبح بذلك متأثرا بالأرباح والمضاربات دون القيمة الحقيقية.
واعتبر أن الحل الوحيد لهذا "التسليع" الدولاري يكمن في زيادة العرض من قبل بنك السودان المركزي، لمواجهة الطلب المتزايد، مشدداُ على أن القضية لا يمكن معالجتها بإجراءات أمنية وقانونية، محذراً في الوقت نفسه من اللجوء إلى استجلاب قروض ميسرة لحل أزمة النقد الأجنبي.