المسيرات تدفع الجيش الأمريكي للتخلي عن مركباته الثقيلة

في خطوة تعكس إعادة تعريف لمتطلبات ساحات القتال الحديثة، شرع الجيش الأمريكي في إلغاء برامج أسلحة كانت تعد مستقبل القتال البري، لصالح أنظمة تتماشى مع دروس الحروب المعاصرة.
يأتي هذا التحول ضمن مبادرة شاملة لإعادة هيكلة الجيش بتكلفة تقدّر بـ36 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، وهي الأضخم منذ نهاية الحرب الباردة.
نهاية عصر المركبات الثقيلة
بدأت ملامح هذا التحول تتضح من خلال تصريحات كبار القادة العسكريين، مثل وزير الجيش دانيال دريسكول، الذي أشار إلى أن برنامج المركبات القتالية الروبوتية، الذي أُطلق عام 2019 بهدف دمج القدرات الذاتية والتحكم عن بُعد في أنظمة القوات البرية، واجه تحديات كبيرة.
كان البرنامج يطمح إلى إنتاج ثلاث فئات من المركبات: خفيفة، متوسطة، وثقيلة، إلا أن المتطلبات التقنية أدت إلى تطوير مركبات ضخمة وثقيلة ومرتفعة التكلفة، ما جعلها غير عملية في ظل التهديدات المتزايدة من الطائرات المسيّرة الصغيرة والرخيصة، كما ظهر جلياً في ساحات المعارك الحديثة مثل أوكرانيا.
ومع وصول البرنامج إلى مرحلة الشراء الفعلي، أصبح واضحاً أن هذه المركبات ستكون أهدافاً سهلة للطائرات المسيّرة الانتحارية، ما أفقد البرنامج جدواه ودفع إلى اتخاذ قرار صعب بإنهائه.
أما مركبة الهامفي، التي خدمت الجيش الأمريكي لأكثر من أربعة عقود، فقد اعتبرها القادة العسكريون غير مناسبة للمعارك الحديثة، خاصة مع الانتشار الواسع للطائرات المسيّرة في النزاعات الحالية.
وأوضح قادة الجيش أن احتمال نجاة مركبة بعجلات في بيئة قتالية تهيمن عليها الطائرات المسيّرة أصبح منخفضاً جداً، ما دفع الجيش إلى البحث عن بدائل أكثر ملاءمة.
كما ألغى الجيش أيضاً برنامج مركبات إم10 بوكر (M10 Booker) قبل دخوله مرحلة الإنتاج الكامل، رغم التكاليف الباهظة التي تجاوزت المليار دولار. وجاء هذا القرار ضمن مبادرة التحول الشامل للجيش، استجابةً للتغيرات في طبيعة الصراعات العالمية.
فلسفة جديدة: الخفة والسرعة فوق الحماية
في المقابل، برزت مركبة المشاة القتالية الخفيفة (ISV) كنموذج ناجح لتسليح الجيش الأمريكي. فقد دخلت الخدمة عام 2020، وجاء تطويرها نتيجة تفاعل مباشر مع الجنود، الذين أكدوا حاجتهم إلى مركبة تركز على السرعة والتنقل في جميع التضاريس أكثر من الحماية المدرعة.
وأشاد القادة العسكريون بسرعة تنفيذ المشروع وفاعلية المركبة في تلبية متطلبات الجنود في الميدان، خاصة وأن وزنها لا يتجاوز 2 طن، ويمكنها نقل 9 جنود كاملين التسليح بسرعة 120 كم/ساعة، مع إمكانية إسقاطها جويًا.
دوافع التحول: دروس أوكرانيا والتركيز على الصين
يعكس هذا التحول في التفكير عقلية جديدة تضع الفاعلية في ساحة المعركة في المقام الأول، مع التركيز على بناء قائمة متنوعة من الحلول الهجومية والدفاعية، بحيث يتم اختيار المنصة الأنسب لكل مهمة.
كما أن جزءاً كبيراً من هذا التوجه يرتبط بترشيد الإنفاق وتوجيه الميزانية نحو ما يخدم الجندي بشكل مباشر، بعيداً عن الاعتبارات التقليدية مثل مواقع الوظائف أو مصالح الشركات الخاصة.
كما يشكل مبدأ "الفتك" (Lethality) المعيار الأساسي الذي يوجه قرارات وزارة الدفاع الأمريكية، حيث يتم تقييم جميع البرامج والمشاريع بناءً على قدرتها على تعزيز فعالية الجيش في هزيمة العدو.
ويُعد هذا المفهوم اليوم المحدد الرئيسي لأولويات الجيش الأمريكي وسائر فروع القوات المسلحة، في ظل التحديات المتغيرة التي تفرضها ساحات القتال الحديثة.