من المهم جدا قبل منح الحريات لمجموعة بشرية معينة التأكد من أنها تتمتع بالوعي اللازم لفهم معنى الحرية، والوعي بمعنى الديمقراطية.
إذا طرحنا سؤالا: الديمقراطيات العائمة أم الحريات الشخصية؟
سيكون جواب أي إنسان عاقل متحضر حتما: الحريات الشخصية.
وما قصدته من "ديمقراطيات" عائمة، هي الأساليب التي يتبعها منذ سنوات النظام الإيراني وحليفه التركي.
ديمقراطية هي عبارة عن اتباع أسلوب "انتخابي نزيه"، يوهم الشعب أنه هو من اختار حكومته ونظام حياته، وبعد الدخول في شرك الإيديولوجيات الفكرية والدينية يفقد كل حرياته الشخصية، وهذا ما نراه جليا في هاذين البلدين.
وجود حكومة منتخبة مع فقدان الأمن والعدل قضائيا واجتماعيا، وارتفاع الأسعار وتضخم العملة والفوضى، أم وجود حكومة متمكنة من زمام الأمور وإدارة البلاد وتحقيق الأمن والعدل والحريات الشخصية؟
كشفت الأحداث الجديدة المتسارعة في أوطاننا أن شعوبنا لم تصل بعد إلى مرحلة التفرقة بين حرية التعبير والفوضى الفكرية.
وحرية القول والتطاول على أصحاب القرار، والحرية الشخصية بما في ذلك الدينية وتجاوز مساحات التدخل في الآخرين، والأهم من هذا عدم التمييز بين الإشاعات التي تسعى لغسل العقول وتغيير المواقف والحقيقة.
والسؤال هنا.. ما الأهم بالنسبة للأفراد: وجود حكومة منتخبة مع فقدان الأمن والعدل قضائيا واجتماعيا وارتفاع الأسعار وتضخم العملة والفوضى أم وجود حكومة متمكنة من زمام الأمور وإدارة البلاد وتحقيق الأمن والعدل والحريات الشخصية؟
وهنا لا أبرر القمع السياسي، لكن أسعى وراء حقيقة (الحالات) إن صحت التسمية للأوطان التي قامت فيها الشعوب بحثا عن الحريات وأسقطت حكوماتها لتخسر كل شيء.
توصلت المجتمعات الإنسانية والدول الحديثة إلى "الديمقراطية" كنظام مميز وعادل لضمان حرية الشعوب والأشخاص، واختيار الأنظمة التي تريدها هذه المجموعات البشرية لتسيير شؤونها الحياتية، والتي تبدأ من السياسة التي تعمل على توفير العدالة الاجتماعية، والحريات الشخصية، وحماية أمن المواطنين والوطن، وضمان حريات التعبير لدعم بقية الحريات.
ولكن السؤال الكبير هنا هو: رغم انفتاح العالم وما تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي من دور في تقريب الشعوب، هل يصلح النظام الدولي الجديد والذي يعتمد على الديمقراطية وإعطاء الشعوب حرياتها الكاملة في كل المناطق جغرافيا، ومع مختلف الشعوب على اختلاف ثقافاتها؟ الجواب وعبر السنوات الأخيرة ثبت وبالتأكيد أنه لا.
"الديمقراطية" لا تصلح للشعوب غير المؤهلة لها، ومن المهم جدا قبل منح الحريات لمجموعة بشرية معينة التأكد من أنها تتمتع بالوعي اللازم لفهم معنى الحرية، والوعي بمعنى الديمقراطية.
وهذا للأسف لم يتوفر بعد داخل بلداننا، وهنا أقصد خاصة الدول التي أطيح فيها بحكومات وأنظمة بحثا عن "الحريات"، ففقد النظام وضاعت أساليب التعامل، وقمعت الحريات تحت مسميات الإيديولوجيات الدينية والطائفية والعرقية.
وخير أمثلة على ذلك ما نراه اليوم خاصة في العراق وسوريا وليبيا، حيث أسقطت "ثورات الربيع" الأنظمة "الديكتاتورية" فيها لتصل إلى مراحل متقدمة من الاقتتال والفوضى على كل المستويات، ودمار شامل في البنية التحتية والتركيبة الإنسانية عموما.
وإذا نظرنا إلى المشهد من زاوية سياسية فسنجد أن ما خلفه إسقاط هذه الأنظمة هو حالة من التخبط بين السياسيين غير المؤهلين للأخذ بزمام الأمور، والشعوب المحتارة التي لم تجد البدائل التي تريد، وهنا استغل الإخونجية هذه الفراغات ليخرجوا من جحورهم التي كانوا يختبؤون فيها ويرتزقون من الشرق إلى الغرب، ويأخذون الأموال من كل صوب فقط لضمان مصالحهم الشخصية، والشعوب التي تعيش وَهْم تحقيق الحريات مع من يلبسون العباءات والعمائم ويحكمون باسم الله، إضافة إلى غياب الأمن والأمان كليا، وتراجع الاقتصاد وتضخم العملة في بلدان مثل تونس وانهيار العملات كليا في ليبيا والعراق، وتدهور مستويات التعليم والفوضى الإعلامية التي سقط ضحية لها شعوب يبحثون عن اتباع أي أمل ولو كانت حباله قصيرة.
كان العراق بلدا متحدا يعيش فيه الأقليات بسلام وكرامة قبل إسقاط صدام، وكانت ليبيا بلدا موحدا ينعم شعبه بالرخاء والوحدة رغم اختلاف القبائل وتنوع الثقافات، كما كانت سوريا ورغم كل الطوائف والديانات والملل شعبا موحدا مشعا ثقافيا وعلميا، ولكن لا أبحث في كلامي عن تبرير لـ"الديكتاتوريات" أو "الاستبداد" لكن أحاول أن أصل إلى الحقيقة.
هل فهم القادة السياسيون وقتها أن شعوب هذه الدول لم تكن مؤهلة لـ"الديمقراطية" بمفهومها الغربي؟
هل فهموا أن إدارة الدول كانت تحتاج إلى أساليبهم على اختلافها، لضمان الأمن والخبز والتعليم والصحة لدول نامية ما زالت تبحث عن طريقها؟
وهل كانوا على يقين بأنهم إذا تركوا المجال لبعض الفراغات فإن المتربصين بالأوطان العربية ذوي الإيديولوجيات الدينية سيقفزون داخل هذه المنافذ ويشقون وحدة الشعوب؟
الواقع أثبت أن كل هذه الاحتمالات التي هي بعض من الحقيقة صحيحة جدا، وهذا ما نراه اليوم من اختراق الإيرانيين والأتراك مع حليفهما القطري الجديد المؤقت والذي سيتم سحقه فور انتهاء أمواله.
ما أوصلوا العراق وسوريا وليبيا له، وما يحاولون تحقيقه في اليمن اليوم خير دليل على ذلك.
ولن يعود الأمن إلى هذه الأوطان التي دمرت دون وصول حكام بشخصيات قوية تعيد الأمور إلى زمامها، وتكبح التكالب القبلي والفوضى الإعلامية، وتأتي باستراتيجيات لتعيد ترتيب أوراق أوطان غرقت كتبها في مستنقعات الدم والمكائد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة