حراك الجزائر في شهره الخامس.. تباين الآراء حول الاستمرار
نظرة الجزائريين للمطالب المرفوعة في المظاهرات خلال أسابيعها الأخيرة وما تحقق منها متباينة، واختلفت الآراء حول استمرار الحراك أو توقفه.
تصاعدت في الآونة الأخيرة بالجزائر المطالب الداعية إلى "ضرورة وقف الحراك الشعبي" أو إعادة النظر في مطالبه، والذي دخل شهره الخامس، مبررين مواقفهم بأنه انحاز عن طريق مطالبه الأصلية، رغم تراجع زخمه في الأسابيع الأخيرة مقارنة ببداياته.
وتحتدم النقاشات بين الجزائريين حول ما حققه الحراك الشعبي من مطالب، بين من يعتقد بأنها غير كافية أو مشكك فيها، وبين من يرى أن التسريع في تحقيقها مؤشر على نقطة اللارجوع نحو التغيير الجذري الذي طالب به المتظاهرون منذ 22 فبراير/شباط الماضي.
- إخوان الجزائر.. نفعية انتهازية تخون الحراك الشعبي
- 100 يوم على استقالة بوتفليقة.. تفاؤل حذر وأزمة ممتدة
وبحسب ما رصدته "العين الإخبارية" من نقاشات الجزائريين سواء في شوارع بعض المحافظات أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، فقد تباينت نظرتهم للمطالب المرفوعة في المظاهرات بأسابيعها الأخيرة، وما تحقق منها.
البعض يدافع عن ضرورة استمرار الحراك باعتباره "قوة رفض وضغط" بإمكانه مواجهة ما يسمونه "مخططات القوى المضادة لإرادة الانتقال الديمقراطي المنشود"، وأن يبقى محافظاً على زخمه إلى غاية انتخاب رئيس جديد للبلاد بطريقة شفافة يعبر عن الإرادة الشعبية.
فيما يعبر آخرون عن "سخطهم" مما يقولون إنه "خروج الحراك عن غايته الأساسية في التغيير" الذي خرج من أجله ملايين الجزائريين، وتحول بحسبهم إلى "وسيلة لتنفيذ أجندات مرتبطة بالصراع على السلطة" من قبل "أجهزة الدولة العميقة الداخلية والخارجية" كما تسمى في الجزائر، من خلال مطالب تبرز في كل مرة، "لا علاقة لها برغبة الجزائريين في التغيير"، كما يرون ذلك.
وتداول جزائريون عبر مواقع التواصل صوراً وفيديوهات لمطالب "فئوية وجهوية" رُفعت في مظاهرات الأسابيع الأخيرة، متعلقة بمطالب اجتماعية بالسكن والعمل، إضافة إلى شعارات أخرى متباينة عن هوية الجزائر، بين مدافع عن البعدين العربي والإسلامي لبلاده، وأخرى تنتقد ما تسميه "محاولة طمس الهوية الأمازيغية" للجزائريين.
نعمة قد تتحول إلى نقمة
جمال سيد علي سائق سيارة أجرة في محافظة "بومرداس" الواقعة شرق العاصمة الجزائرية بنحو 72 كيلومتراً، كان واحداً من أولئك "المنتقدين" لبعض المطالب المرفوعة في المظاهرات، والمقتنعين بأن الحراك الشعبي "حقق أهدافه"، وبأن "استمراه بنسق المطالب نفسه في هذه الظروف قد يتحول من نعمة إلى نقمة على مستقبل بلاده".
"جمال" الذي لم يترك هذه المهنة منذ 30 عاماً، يعتقد بأنه "أكثر فهماً للواقع السياسي لبلاده من كثير من السياسيين"، كما عبّر عن ذلك لـ"العين الإخبارية"، ومع ذلك امتزج كلامه بين التشاؤم والتفاؤل.
يقول سائق سيارة الأجرة: "إنه كان من أوائل الجزائريين الذين خرجوا في المظاهرات ضد نظام بوتفليقة بعد سنوات طويلة من الفساد وتحطيم الأجيال" على حد وصفه، وبقي مُصراً على مطالبه لأكثر من شهرين كبقية الملايين من الجزائريين.
وبلهجة حادة يعترف "جمال سيد علي" بأنه كان يتحاشى الحديث في السياسة "قدر المستطاع" مع زبائنه رغم "الهيجان الذي كان بداخلي مما كنا نراه ونسمعه من تسلط العصابة دون أن نتمكن من فعل أي شيء" كما قال.
ويتابع قائلاً: "الحمد لله نجحنا في إلغاء مهزلة العهدة الخامسة، وإجبار بوتفليقة على الاستقالة، لكن لم أكن أتوقع يوماً أن تتجه الأمور إلى حد سجن شخصيات كنا نعتبرها هي الآمر والناهي والقانون الذي تسير عليه الجزائر وقدرنا الدائم".
وهنا يتساءل ويجيب في الوقت ذاته: "أليس ذلك نعمة؟ لقد حققنا أكثر مما خرجنا من أجله، من كان يتوقع أن يُسجن السعيد بوتفليقة أو توفيق أو أويحيى أو حداد والبقية؟".
وبلهجة متشائمة، عبّر سائق سيارة الأجرة عن مخاوفه من بعض الشعارات المرفوعة في المظاهرات التي يرى بأنها "تخدم جهات معينة ومعروفة لدى غالبية الجزائريين"، معتقدا أن من يرفعها "أشخاص لم يعانوا من النظام السابق، بل كانوا مستفيدين منه ومن الشخصيات المسجونة والمحسوبة عليه، ولم أعد مقتنعاً ولا متحمساً للمظاهرات، لأن تلك الشعارات وما تخفيها لا تمثلني ولا تعبر عن همومي كمواطن جزائري".
اختراق الحراك
أما وجهة نظر الدكتور عبد الرحمن بن شريط أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة الجزائر لواقع الحراك الشعبي في الجزائر، فقد لخصها في أن "الشيء إذا زاد عن حده انقلب عن ضده"، مشيراً إلى أنه لم يكن يتوقع أن تنطبق هذه القاعدة على حراك الجزائريين.
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية" قال المحلل السياسي "إن الجزائريين عند خروجهم شهر فبراير/شباط الماضي لم يتوقعوا أن يستمر ذلك لـ 21 جمعة أخرى، لم يكن ذلك متوقعاً محلياً أو حتى عالمياً، حتى يرفع نفس المطالب التي تم تلبية جزء كبير منها وحتى أكثر من طموحات المواطن البسيط".
وأوضح بأنه "بمجرد تلبية بعض المطالب واتخاذ بعض الإجراءات، لاحظنا أن الحراك انقسم على نفسه، مما يدل على أنه خرج من العفوية إلى نوع من التوجيه الإرادي من قبل فئات معينة، وكأنها لم تكن تريد لهذا الحراك أن يكون مجرد حراك مطلبي في حدود معينة، كانت تريد أن يصل إلى أهدافها هي، وليس أهداف من خرج في المظاهرات".
وفي هذه الحالة –يضيف الدكتور بن شريط– "بدأ الحراك يعرف بعض الضبابية، خاصة على مستوى الشعارات، وتدريجياً بدء يصنع مطالب أخرى، ويمكننا أن نعتبر أنه خرج عن مساره الأساسي وأصبح نوعاً ما يخدم مصالح ضيقة جداً، وخرجنا من مشكل العصابة لندخل في مشكلة استرجاع الوحدة الوطنية والهوية مع ظهور العلم الجهوي والثقافي في مقابل العلم الوطني، وأعتقد بأننا أصبحنا في وضع أخطر مما كنا عليه في وقت بوتفليقة، وظهر نوع من التخوين المتبادل الذي يستهدف تشويه تاريخ بأكمله".
وختم الأكاديمي الجزائري كلامه بالقول: "إن من المساوئ التي كشف عنها الحراك الشعبي في أسابيعه الأخيرة رغم كل إيجابياته، هو أن الجزائريين ليسوا على قلب واحد، لأن بعضهم يفكرون خارج الثقافة العربية الإسلامية للجزائر وخارج المنظومة الثقافية والاجتماعية والتاريخية للجزائريين".
فتنة مفتعلة
بيد أن الباحث والمحلل السياسي الدكتور أرزقي فراد لا يتوافق مع الآراء الداعية إلى وقف الحراك، وينتقد المشككين في استمراره للضغط على السلطة الجزائرية لتلبية مطالبه، رغم أنه عبّر عن تشاؤمه بمستقل ما يفضل تسميته بـ"الثورة السلمية"، كما قال في تصريح لـ"العين الإخبارية".
ويعتبر الأكاديمي الجزائري البارز، أن الجزائر "تعيش فتنة مفتعلة"، ويرى أن مسألة أو "القضية الأمازيغية" كما وصفها هي "قضية ديمقراطية بامتياز"، وألقى بالمسؤولية على انحراف مسار الحراك الشعبي إلى "استفزاز السلطة الفعلية في الجزائر للمتظاهرين" على حد تعبيره.
وقال إن "المؤشرات الحالية توحي بأن السلطات الجزائرية ليست لديها النية المخلصة من أجل مرافقة هذه الثورة وتوفير شروط نجاحها".
واعتبر في المقابل أن "الفترة الحالية التي تتسم بدعوات الحوار، كان يفترض بالسلطات أن تلجأ إلى إجراءات تهدئة، لكن ما نراه في الواقع هي إجراءات تدفع إلى مزيد من التوتر"، مشيراً في سياق كلامه إلى اعتقال عدد من النشطاء والمعارضين البارزين، إضافة إلى غلق العاصمة أمام المتظاهرين".