الاحتجاجات التي يشهدها كل من العراق ولبنان فيها كلام كثير تريد أن تقوله ضد الحزبية الدينية والانتماءات العابرة للحدود
الاحتجاجات التي يشهدها كل من العراق ولبنان فيها كلام كثير تريد أن تقوله ضد الحزبية الدينية والانتماءات العابرة للحدود ويفترض أنها جرس إنذار تنبه بها ملالي جمهورية إيران الإسلامية إلى خطورة مسألة التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية واختطاف قرارها السياسي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
الذي يدور في هاتين الدولتين وغيرها من الدول العربية التي توجد بها من يوالي إيران طائفياً أو سياسياً هي نتيجة انكشاف وإدراك الرأي العام العربي لأكاذيب وأهداف إيران ومن يخدم سياساتها ضد المجتمع العربي عموماً، ويكفي أن نرى القلق والخوف البادي على وجوه أتباعها أو من يمثلونها لنتأكد من وصول الرسالة ولكن تبقى مسألة استيعابها في طهران هي المشكلة دائماً.
مع أنه يبدو للوهلة الأولى أن المحتجين أو المتظاهرين ساخطين على الطبقة السياسية، كلٌ في بلده بسبب، الفساد الإداري والمالي، إلا أن المعاناة السياسية والاجتماعية الناتجة من اختطاف القرار السياسي في الدولتين العراق ولبنان وغيرها من الدول العربية تؤكد أنها ضد التواجد الإيراني سواءً من خلال قادة الحرس الثوري مثل قاسم سليماني الذي يتردد على العراق وسوريا وكأنه يتجول في إحدى مدن إيران، أو من خلال أذرعها السياسية التي تدير البلاد بالتهديد والوعيد بالتخريب وتدمير مؤسسات الدولة الوطنية مثل حسن نصر الله في لبنان أو مليشيا الحوثي في اليمن، وبالتالي فالأمر في الاحتجاجات محسوم لمن يريد أن يستوعب ويفهم الرسالة ولا يقبل الجدل أو صد الأذان وممارسة المكابرة.
ما نتمناه أن تكون هذه آخر معارك النظام الإيراني الخاسرة مع جواره العربي وأن تكون المظاهرات فرصة لإعادة التفكير ليس فقط في مسألة احترام سيادة الدول ولكن أيضا كي ينتبه إلى شعبه وحقوقه في العيش الكريم بدلاً من المغامرات السياسية الفاشلة
إن الاحتجاجات ضد التدخل الإيراني وأتباعها ليست هي الأولى أو جديدة، لكنها بلا شك هي الأكثر "تجرؤاً" عليها والأكثر صراحة في توجيه الاتهام من خلال المساس والتطاول على المرجعيات السياسية باعتبارها ممثلي الأحزاب والمرجعيات الدينية ذلك لأنها تسببت في تقسيم الأوطان طائفياً من أجل خدمة أجندات إيران، باختصار أي أن الشعوب العربية سئمت إدارة بلدانهم من إيران وأنهم يطالبون بعودة مؤسسات دولهم للعمل من أجل الوطن وإلى عودتها "حضنها الطبيعي" لها وهو الصف العربي، لذا انصب تركيزهم على استعادة الوطن واستعادة هويتها الوطنية.
سيكون غريباً إن وقف قادة إيران هذه المرة –كعادتهم- متفرجين لأن الموضوع جاد وحقيقي حتى وإن خفت بعض الشيء ولكن ستعود خاصة وأن هناك تأييدا كبيرا من الرأي العام العربي والعالمي، وفيها -الاحتجاجات- مكاشفة بأن الأهداف السياسية المغلفة سواء بتحرير القدس واستعادة الحقوق العربية من إسرائيل أو محاربة الشيطان الأكبر لم تعد تنطلي عليهم فكلها أكاذيب لاستمرار النظام الإيراني.
المصيبة الحقيقية أن يعطي قادة إيران أنفسهم الحق في التدخل في شؤون الدول الأخرى وكأن هناك جهة أو قوى كلفتهم بتلك المهمة أو أنهم يصرون على تجاهل القوانين والأعراف الدولية، والمصيبة الأخرى أنهم ينسون أن دورهم الحقيقي يتمثل في العمل على تحقيق التنمية في بلادهم ورفاهية الشعب الإيراني الذي بلا شك كانت حياتهم ستصبح مختلفة لو أن سلوك هذا النظام اتسم بشيء من الحس الوطني والمسؤولية الدولية من خلال مشاركة جواره مسألة الحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليمي بدلاً من التركيز على الإنفاق على مشاريع تدمير الأوطان وتمزيق المجتمعات العربية.
ما نتمناه أن تكون هذه آخر معارك النظام الإيراني الخاسرة مع جواره العربي وأن تكون المظاهرات فرصة لإعادة التفكير ليس فقط في مسألة احترام سيادة الدول ولكن أيضاً كي ينتبه إلى شعبه وحقوقه في العيش الكريم بدلاً من المغامرات السياسية الفاشلة، فنظام الملالي في إيران يكاد يكون قد عاش فترته الرئاسية منذ وصوله إلى السلطة حتى اليوم في صراعات متصلة مع جواره العربي والعالم، فمن حربه مع نظام صدام حسين إلى المشاركة في إسقاطه بالتعاون مع الولايات المتحدة إلى التصادم مع المجتمع الدولي في شأن سعيه لامتلاك السلاح النووي والصواريخ الباليستية إلى العقوبات الاقتصادية وتهديد طرق الملاحة الدولية وصولاً إلى الاحتجاجات التي نشهدها اليوم في كل من العراق ولبنان وفي داخلها أيضاً.
لقد خدع نظام الملالي شعب إيران مرتين: الأولى عندما أوهمهم بأن ثورته من أجل تحسين المستوى المعيشي والاجتماعي له، والمرة الثانية، حين يصر على تجاهل رفض الشعوب العربية لمغامراته السياسية في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة