مع توجه الإمارات لتطوير التشريعات والقوانين لتعزيز البيئة الاقتصادية والبنية الاستثمارية، ودعم استقرار المجتمع وحفظ حقوق الأفراد والمؤسسات، يكون سؤال: لماذا الآن؟
ما دلالات ما يتم على أرض الواقع من تغييرات حقيقية في المجال التشريعي توفر المتطلبات الضرورية للمواطن، ولكل مقيم على أرض الدولة؟
إن ما صدر من تشريعات متعددة في الإمارات منذ أيام ليس مجرد تغيير لأكثر من 40 قانونا، وإنما نقلة نوعية وحقيقية في مختلف القطاعات الرسمية، وفي مجالات متعددة وفي التوقيت نفسه، والتي تؤكد، مع الوصول إلى العام الخمسين، إدراك قيادة دولة الإمارات ضرورة الانتقال إلى مرحلة أخرى من العمل التشريعي، ما يتطلب تطويرا شاملا وكاملا، وليس جزئيا، في البنية التشريعية الحاكمة، التي ترتبط بالأساس بالملفات والأولويات الاستثمارية، والتجارية والصناعية، وقوانين الشركات التجارية، وتنظيم وحماية الملكية الصناعية، والعلامات التجارية، والسجل التجاري، والمعاملات الإلكترونية، وقانون دخول الإمارات والإقامة فيها.
الإمارات من أولى الدول التي طبقت التجارة الإلكترونية من أوسع أبوابها، وتطويع تشريعاتها دائماً بما يمكنها من تغطية الأنشطة المستحدثة، وسد أي فجوات قد تنشأ عنها، ومن بين التعديلات التشريعية الأخيرة تقديم تأشيرات إقامة طويلة المدى لجذب الموهوبين، وتشجيع مزيد من الشركات على فتح مقار لها داخل الدولة.
الرسالة هنا أن ما صدر مؤخرا من تشريعات يشير إلى التغيير الجذري في البنية التشريعية الحاكمة، ليس في الكم فقط، ولكن في النوع والتخصص، حيث تمكنت دولة الإمارات على مدار السنوات الماضية من رفع تصنيفها على مؤشر سهولة ممارسة الأعمال عالميا، وذلك بفضل الجهود التي بذلتها للتقليل من الإجراءات الروتينية، والعمل على رقمنة العمليات، وهذه الخطوة يسَّرت الكثير من الأمور على الأفراد والشركات.
اللافت أن التشريعات الجديدة في مضمونها أقرّت وجود تنسيق أكبر بين القوانين، في إطار متواصل طوال السنوات الخمسين المقبلة، لترسيخ مكانة دولة الإمارات على قائمة أسعد دول العالم، من خلال ضمان سيادة القانون، وقيم العدل والإنصاف.
ولعل صدور هذه التشريعات في هذا التوقيت جاء بعد جهد كبير وعمل متكامل وتواصل الخبراء والمتخصصين، وحوارات شملت العديد من المؤسسات والشركات، أي إن التشريعات صدرت بعد استيفاء كثير من الضوابط والمعايير المتفق عليها، والاستجابة للمتطلبات التي طرحها الخبراء من جانب، وممثلي الشركات والقطاعات المختلفة من جانب آخر، حيث كان الهدف الرئيسي الموضوع سلفا ضرورة التماهي مع أحدث الأساليب المستخدمة في مجال التكنولوجيا، وتشجيع أنماط الرقمنة، وتطوير أجواء الملكية الفكرية، لتشجيع مناخ الحرية والإبداع والابتكار، والعمل على تطوير بيئة التشريع للقطاعات الاقتصادية والمالية.
قانون الشركات التجارية شهد أيضا مراجعة جذرية تم الإعلان عنها في أغسطس 2020، حيث سُمح بموجبه بالتملك الأجنبي الحُر بنسبة 100%، باستثناء أنشطة اقتصادية محدودة ذات أثر استراتيجي، كما أولت التعديلات اهتماما كبيرا بمواجهة جرائم الاختلاس والإضرار بالمال العام، بألا تنقضي بمضي المدة، مع تشديد عقوبة مَن يشكّل تهديداً للأمن العام أو لسلامة الأشخاص أو الأموال، كما شدد القانون على تجريم الأفعال أو الجرائم التي تتم باستخدام تقنية المعلومات.
اللافت أن هذا التطور غير المسبوق تم في قطاعات متعددة ومجالات مختلفة، مما مثل طفرة لم تحدث من قبل، الأمر الذي يؤكد الإدراك والوعي الكامل بضرورة مواكبة نهضة وتطلعات الرأي العام واللحاق بركب التقدم، والعمل على المستقبل، وهو المسار الذي اتبعته دولة الإمارات وحققت فيه نجاحاتٍ كبيرة عبر استراتيجيات طويلة الأجل تؤمن باستشراف المستقبل، والاستعداد الجدّي له عبر تعزيز منظومة الاستقرار التشريعي وتحسين قدرة البنية التشريعية الراهنة على مواكبة التغيرات، والإسهام في دعم المسيرة التنموية، التي تشهدها الإمارات في مختلف القطاعات، انطلاقاً من الركيزة الحقيقية الراسخة لتحقيق التقدم والاستقرار، خاصة بتزامنها مع احتفال دولة الإمارات باليوبيل الذهبي لتأسيس اتحادها، وبما يضع الدولة على مسار تنموي طموح باعتبارها تشريعات حقيقية ومهمة ومطلوبة، ولمواكبة متطلبات المسيرة التنموية الداعمة والمستحقة لخطة الخمسين عاماً المقبلة، ما يشير إلى أن مخطط البناء المستقبلي ليس في منظومة التشريعات فقط، وإنما في مختلف القطاعات الأخرى، ما يضع دولة الإمارات في مراكز متقدمة في كثير من المؤشرات الإقليمية والعالمية.
لا شك أن التشريعات الجديدة سيكون لها دور محوري في تحقيق نقلة نوعية في منظومة التشريعات الاقتصادية والإدارية في الإمارات، تستند إلى أهداف ومبادئ الخمسين، حيث تم تطويرها وتحديثها بتوجيهات القيادة الرشيدة، وانسجاماً مع رؤيتها للمستقبل، وبما يراعي أفضل النماذج والدراسات المقارنة، وبالتعاون بين مختلف الجهات الحكومية المعنية، والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية والشركاء العالميين.
في كل الأحوال، ستكون التشريعات الجديدة دافعا للانطلاق بمسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة خلال المرحلة المقبلة، القائمة على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا والمواهب، وتعزيز ممكنات التنويع الاقتصادي ومرونة وجاذبية بيئة الأعمال وتنافسيتها العالمية، وبما يدعم محددات مئوية الإمارات 2071.
هناك خطوات أخرى مكمّلة إلى جوار التشريعات الجديدة، التي صدرت، تستهدف دعم آليات جديدة لتسريع عملية التحول الرقمي، التي تشهدها دولة الإمارات في مختلف المجالات، ودمج التقنيات الرقمية لخدمة الإبداع الإنساني والمؤلفات الفكرية بمختلف أشكالها.
الواقع أن البنية التشريعية بقواعدها ومعاييرها الجديدة تمثل حجر الأساس في تطوير العمل الحكومي، ودعم مخططات الدولة في السنوات المقبلة، مع مواكبة التشريعات والقوانين مسيرة استشراف وصنع المستقبل، باعتبارها المرتكز الرئيسي لبناء دولة متطورة اقتصادياً واجتماعياً، وهو الأمر الذي تعمل في إطاره دولة الإمارات، وذلك من خلال قوانين وتشريعات عملية، في ظل حالة مرونة تشريعية، شكّلت إحدى الأولويات الاستراتيجية في دولة الإمارات لدورها المركزي في تعزيز الاستعداد للمستقبل الزاهر، ودعم تنافسية الدولة ومسعاها لجذب المستثمرين، والخبرات الدولية التي تتابعها الإمارات القديرة بكل ما تملكه من إمكانيات وقدرات متميزة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة