ثلاثة تطورات جرت خلال الأسبوع الجاري تشير إلى تغليب احتمالات ارتفاع أسعار النفط خلال الفترة القصيرة المقبلة
ثلاثة تطورات جرت خلال الأسبوع الجاري تشير إلى تغليب احتمالات ارتفاع أسعار النفط خلال الفترة القصيرة المقبلة، أول هذه التطورات قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) بالحفاظ على سعر الفائدة دون تغيير، بل الأكثر أهمية أن القرار جاء بموافقة أغلبية المجلس، وتوقع النظام ألا يتم إجراء أي زيادة لمعدلات الفائدة في العام الجاري، بعد أن توقع في اجتماعه السابق احتمال إجراء زيادتين خلال العام، وأشار الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه لا يرى وجود فرصة لزيادة معدلات الفائدة الأمريكية خلال العام المقبل، ويأتي قرار الاحتياطي الفيدرالي بعد أن رأى أن هناك علامات على ضعف النمو الاقتصادي.
التشديد على التمسك باتفاق خفض الإنتاج وتأكيد بعض البلدان المنتجة المهمة كالمملكة السعودية (أكبر مصدر عالمي) وروسيا (ثاني أكبر مصدر) على تحقيق المزيد من الخفض في الإنتاج خلال الفترة المقبلة سيدفع أيضا نحو تعزيز احتمالات ارتفاع أسعار النفط في المدى القصير
ويسهم قرار الاحتياطي الفيدرالي إيجابا في تغليب احتمالات ارتفاع أسعار النفط من عدة جوانب، فعدم رفع سعر الفائدة يعني إعطاء دفعة للنشاط الاقتصادي، ومن هنا فقد ترتفع معدلات النمو فوق المستويات التي تم توقعها سابقا في ظل افتراض لجوء الاحتياطي الفيدرالي إلى زيادة سعر الفائدة بنحو 0.5% على الأقل خلال العام الجاري، ومن الطبيعي أن تدفع معدلات النمو الاقتصادي الأعلى نحو زيادة الطلب على النفط، ومن المتوقع أيضا أن يعمل بقاء سعر الفائدة على حاله إلى عدم ارتفاع سعر صرف الدولار إزاء بقية العملات الدولية، ومن المعروف أن ارتفاع سعر صرف الدولار الذي يتم تسعير النفط به يدفع نحو رفع أسعار النفط مقوما بالعملات الأخرى، وهو ما كان من المتوقع أن يعمل على خفض الطلب على النفط، أما الآن فعدم ارتفاع سعر صرف الدولار إزاء بقية العملات، بل احتمال انخفاضه ستؤدي إلى زيادة الطلب على النفط فوق مستوى التوقعات السابقة التي كانت تفترض ارتفاع سعر الفائدة الأمريكية، وبما كان يترتب على ذلك من ارتفاع قيمة الدولار، وأخيرا فعدم رفع سعر الفائدة قد يدفع نحو المزيد من الاستقرار في بعض بلدان الاقتصادات الناشئة التي تعرضت لهزة قوية خلال النصف الثاني من العام الماضي، مع حدوث اضطرابات في أسواقها المالية وفي أسعار صرف عملاتها؛ إذ كان من شأن رفع سعر الفائدة الأمريكية زيادة جاذبية الدولار، ومن ثم العودة لموجة نزوح الاستثمارات غير المباشرة قصيرة الأجل الموظفة في أدوات الدين وفي بورصات هذه الدول، وهي الاستثمارات التي يطلق عليها "الأموال الساخنة"، وهو ما كان كفيلا بتعميق أزمة هذه البلدان المالية والاقتصادية، فرفع سعر الفائدة الأمريكي كان من المحتم أن يدفع هذه البلدان لرفع أسعار الفائدة فيها في محاولتها للحفاظ على تدفق الاستثمارات الأجنبية إليها، وهو ما كان سيضر بنمو هذه البلدان الاقتصادي، ومن ثم يخفض من طلبها على النفط، علاوة على أن رفع سعر الفائدة الأمريكي كان سيعني عودة هذه البلدان لتشهد المزيد من الانخفاض في أسعار صرف عملاتها مقابل الدولار، وهو ما كان سيؤدي إلى رفع أسعار النفط مقوما بعملات هذه البلدان، مما يدفع نحو خفض الطلب عليه.
التطور الثاني المهم هو ما تمخض عن اجتماع لجنة مراقبة الإنتاج المشتركة بين أوبك وحلفائها التي انعقدت في باكو عاصمة أذربيجان يومي الأحد والإثنين الماضيين؛ حيث شدد وزير الطاقة السعودي خالد الفالح على أن صادرات المملكة السعودية من النفط خلال شهري مارس وأبريل ستقل عن 7 ملايين برميل يوميا، وأن صادرات أبريل ستقل بنحو 100 ألف برميل يوميا عن صادرات مارس، ثم دعوة الوزير إلى ضرورة الاستمرار في مراقبة العرض والطلب خلال النصف الثاني من العام، مع تلميح الوزير إلى أنه ربما تكون هناك ضرورة لتمديد العمل باتفاق خفض مستوى الإنتاج حتى نهاية العام.
وربما تكون التوصية بإلغاء الاجتماع الذي كان مقررا عقده للجنة في أبريل المقبل من أهم نتائج اجتماع "باكو"، حيث تم الاكتفاء بالاجتماع المقرر له يونيو المقبل على هامش الاجتماع نصف السنوي العادي لمنظمة أوبك، ونظن أن الحكمة من هذا القرار تفادي اتخاذ أي قرار بشأن مستوى الإنتاج إلا بعد أن يتم معرفة ما ستفعله الولايات المتحدة تجاه عقوباتها المفروضة على النفط الإيراني، ويتجنب هذا القرار بذلك ما حدث خلال شهر يونيو الماضي من العودة لرفع مستوى الإنتاج تحسبا لفرض عقوبات أمريكية شاملة على صادرات النفط الإيراني بعد 4 نوفمبر 2018، وهو ما عمل على انخفاض سريع في أسعار برميل النفط بسبب منح الولايات المتحدة إعفاء للدول الثماني الأكثر استيرادا للنفط الإيراني، والسماح لها بالاستمرار في استيراده لمدة ستة أشهر أي حتى 4 مايو المقبل، وربما يكون وزير الطاقة الروسي هو أوضح من عبر عن ذلك، حيث أكد أن خفض الإنتاج سيستمر حتى يونيو، إلى حين يزداد وضوح الخطوات التالية التي ستتخذها واشنطن بشأن خفض صادرات نفط إيران وفنزويلا، وكان الوزير أشار إلى أنه من الصعب على موسكو والأوبك التخطيط لمستوى الإنتاج، لأنه لن يتم الحصول على كثير من المعلومات الإضافية بحلول موعد الاجتماع المقبل في أبريل، لأن واشنطن لن تكون أعلنت على الأقل موقفها بشأن العقوبات على صادرات النفط الإيراني.
إلغاء الاجتماع الذي كان مقررا في أبريل كان الهدف منه تجنب أي ضغوط من الولايات المتحدة لرفع مستوى إنتاج الأوبك وحلفائها كما حدث خلال العام الماضي قبل معرفة الاتجاهات الأمريكية بشأن العقوبات على إيران والتطورات التي سيشهدها إنتاج النفط في فنزويلا. وإلى جانب ذلك فإن التشديد على التمسك باتفاق خفض الإنتاج وتأكيد بعض البلدان المنتجة المهمة كالمملكة العربية السعودية (أكبر مصدر عالمي) وروسيا (ثاني أكبر مصدر) على تحقيق المزيد من الخفض في الإنتاج خلال الفترة المقبلة سيدفع أيضا نحو تعزيز احتمالات ارتفاع أسعار النفط في المدى القصير.
التطور الثالث المهم الذي حدث خلال الأسبوع الجاري هو إعلان إدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن انخفاض كبير في المخزون التجاري الأمريكي من النفط الخام، والذي بلغ 9.6 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 15 مارس الماضي، ويعد هذا أعلى انخفاض أسبوعي يتم تسجيله منذ شهر يونيو الماضي، والمهم في هذا التطور هو أنه دفع بالمخزون ليصبح أقل بمقدار 2% من متوسط هذا المخزون في مثل هذا الوقت من السنة خلال الخمسة أعوام الأخيرة، وهو المؤشر الرئيسي الذي تتعقبه خطة الأوبك وحلفائها، إلى جانب ذلك انخفضت أيضا المخزونات من الجازولين ونواتج التقطير، أي أن الانخفاض كان شاملا ولم يكن نتيجة إعادة هيكلة المخزون بين النفط الخام والمنتجات.
ومن المؤكد أن أسعار النفط خلال الفترة المتبقية من العام الجاري، وبالذات بعد شهر مايو المقبل، سيتحكم فيها بشكل أساسي ما يمكن أن ينجم من تحسن في جانب الطلب بسبب العوامل السابق الإشارة إليها، هذا طبعا إلى جانب التطورات التي ستلم بجانب العرض خاصة مستوى الإنتاج في كل من فنزويلا وإيران، وإلى حد أقل بلدان أخرى مثل ليبيا، وأيضا مدى الالتزام بخفض مستوى الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا المتضمن في اتفاق أوبك وحلفائها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة