عام 2009 شهد تحولا تمثل في تغير الإدارة الأمريكية ووصول الرئيس أوباما بفريقه النظري المؤمن بمثل هذه المشروعات
سيظل أسوأ مشروع سياسي عرفته المنطقة هو مشروع الشرق الأوسط الجديد، على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس عام 2006، وظهر بعد ذلك في دراسة نشرها رالف بيترز بعنوان: حدود الدم، في مجلة القوات المسلحة الأمريكية، وأصبحت الدراسة بعد ذلك جزءا من كتابه الشهير: لا تترك القتال أبدا.
قوى الفوضى الخلاقة وآلام الولادة الجديدة والتخلص من الحدود التي رسمها الأوروبيون الجشعون، وغيرها من التوصيفات المريعة التي اكتظت بها نظريات الشرق الأوسط الجديد.. الفوضى هي التي ستصنع التغيير.
بينما كانت العراق ولبنان وسوريا هي منطقة الإطلاق الأولى لخطوات مشروع الشرق الأوسط الجديد المدمر وما آل إليه من فشل ونتائج وخيمة، فإن الرياض وأبوظبي والقاهرة أيضا ستمثل منطلقا للشرق الأوسط الجديد الذي ينطلق من أن التغيير يتم بالبناء والأمن والتنمية والمستقبل لا بالطائفية والفوضى
هكذا قام المشروع منطلقا من أن تفتيت الكيانات الحالية وبعث الاثنيات والطائفيات في المنطقة سيفتح الطريق لإعادة رسمها من جديد.
ربما كانت تلك محاولة للعلاج.
في الواقع كانت المنطقة مهيأة لتجريب خطط كهذه، الأفق المسدود في كثير من البلدان وانتشار الفساد والتطرف واتساع الآثار المدمرة التي خلفها الاحتلال الأمريكي للعراق، والتمكن المليشاوي الإيراني، واتساع نشاط تنظيم القاعدة والتنظيمات الشيعية المتطرفة، كلها عوامل جعلت الصورة تبدو قاتمة في المجمل، عدا بعض النماذج المستقرة التي تمثلها بعض دول الخليج.
عام 2009 شهد تحولا تمثل في تغير الإدارة الأمريكية ووصول الرئيس أوباما بفريقه النظري المؤمن بمثل هذه المشروعات، وتولى البيت الأبيض ما بات يعرف لاحقا بـ"القيادة من الخلف"، وكانت أبرز وأشنع تجليات البداية تلك الفوضى التي عمت كثيرا من العواصم العربية.
اتسعت الفوضى وسالت الكثير من الدماء، لكن التاريخ والواقع أيضا أكدا أن الدمار لا يمكن أن يمثل منطلقا للتغيير ولا للتقسيم السلمي؛ لأن حالة الاحتراب التي اشتعلت في المنطقة لم تلبث أن استدعت مخزونها الثقافي الطائفي، ليمثل مبررها ودافعها القوي الذي تتكئ عليه وتحشد من خلاله، ترى كيف يمكن في ظل تلك التحولات الكبرى التي يعيشها العالم أن يتم التفكير في بناء كيانات على أساس مذهبي أو عرقي؟
الذي حدث أن حالة الانفجار الطائفي والعنيف في المنطقة كانت أكبر من أن تساعد على بناء منطلق لإعادة الولادة من جديد، واعتبار ذلك الدمار من آثار الولادة حسب تعبير كونداليزا رايس، وإنما كان أوسع من أن يتم الالتفاف عليه، أيضا لم تنتبه كل تلك النظريات إلى الأبعاد الأيديولوجية الثقافية في المنطقة، فتعاملت مع كل مشروع من زاوية فيزيائية محضة، لم تقم أية اعتبارات للأخطار المترتبة على تلك المغامرة، وحتى لو تم التقسيم وتم بناء كيانات جديدة فما سيحدث ببساطة هو إعادة إنتاج الحروب، من كونها بين جماعات لتصبح بسن دول، خاصة أن بناء الكيانات على أساس مذهبي طائفي يجعلها بطبيعتها كيانات توسعية شمولية لا وطنية.
انهارت تلك النظريات وتبددت تلك المشاريع وتورطت فيها كيانات في المنطقة، ظنت أنها مشاريع متحققة لا محالة، وعليها أن تكون جزءا من التنفيذ، وحين انهار المشروع لم تجد ما يخلصها من تبعات تلك الورطة.
ما لبثت دول الاستقرار في المنطقة أن انطلقت نحو نظرياتها الواقعية، لا يمكن إدارة المنطقة بنظريات غير واقعية وقادمة من خارج المنطقة، ثانيا -وهو الأهم- أن الأمن والتنمية وليست الفوضى هما اللذان يمكن أن يخلقا شرق أوسط جديدا وكبيرا أيضا.
وبينما كانت العراق ولبنان وسوريا هي منطقة الإطلاق الأولى لخطوات مشروع الشرق الأوسط الجديد المدمر وما آل إليه من فشل ونتائج وخيمة، فإن الرياض وأبوظبي والقاهرة أيضا ستمثل منطلقا للشرق الأوسط الجديد الذي ينطلق من أن التغيير يتم بالبناء والأمن والتنمية والمستقبل لا بالطائفية والفوضى.
نقلاً عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة