الصحة الرقمية.. من دفعة للضرورة إلى انطلاقة الرفاهية
بينما تسببت جائحة كوفيد 19 في تعطل سلاسل الإمداد عالميا، وأحدثت حالة من الجمود الاقتصادي، فإنها في رأي خبراء، قد ساعدت من ناحية أخرى، في منح دفعة كبيرة لسوق الصحة الرقمية.
ويتضمن هذا السوق قطاعات الرعاية الصحية عن بعد، والصحة المحمولة، وحلول الإدارة الصحية والعلاجات الرقمية، واستحوذ قطاع الرعاية الصحية عن بعد، على الحصة الأكبر من السوق العالمية للصحة الرقمية في عام 2022، مدفوعا بالحاجة التي خلقتها جائحة كوفيد-19، كما يقول شريف أبوالمجد، الباحث المتخصص في الوبائيات بجامعة الزقازيق (شمال شرق القاهرة) لـ"العين الإخبارية".
وتشير "خدمات الرعاية الصحية عن بعد"، إلى استخدام تكنولوجيا الاتصالات، مثل مؤتمرات الفيديو وتطبيقات الهاتف المحمول وأجهزة المراقبة عن بعد، لتقديم خدمات الرعاية الصحية عن بعد، فهي تسمح للمرضى بالتشاور مع مقدمي الرعاية الصحية، وتلقي المشورة الطبية، ومراقبة صحتهم، وحتى تلقى العلاج دون الحاجة إلى زيارات شخصية لعيادة الطبيب أو المستشفى.
وبينما قُدر حجم سوق الصحة الرقمية العالمية بـ 217 مليار دولار أمريكي في عام 2022 ، وفق تقرير نشرته "سي بي إنسايت"، وهي شركة توفر معلومات عن الشركات الخاصة وأنشطة المستثمرين، فإن خدمات الرعاية عن بعد، جاءت في المرتبة الأولى من حجم هذا السوق، وفق نفس التقرير، وهو توجه منطقي أوجدته جائحة "كوفيد 19".
ويقول أبوالمجد، إن الضرورة التي أوجدتها الجائحة ساعدت على زيادة الاهتمام بالخدمات الصحية عن بعد لعدة أسباب، وهي:
أولا: تدابير التباعد الاجتماعي، التي تم اتخاذها للحد من انتشار الفيروس، حيث نفذت الحكومات والسلطات الصحية تلك التدابير التي شملت عمليات الإغلاق والقيود على السفر غير الضروري، وظهرت في هذا الإطار، الرعاية الصحية عن بعد كبديل آمن للزيارات الشخصية.
ثانيا: الضغوط الهائلة على أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى اكتظاظ المستشفيات وإرهاق مقدمي الرعاية الصحية، ومن ثم ظهرت الحاجة إلى الرعاية الصحية عن بعد لتخفيف بعض من هذه الضغوط عبر تمكين مقدمي الرعاية الصحية من تقييم حالة المرضى عن بعد، ومراقبة حالتهم في المنزل، وإدارة المشكلات الطبية غير العاجلة دون مطالبتهم بزيارة مرافق الرعاية الصحية.
ثالثا: قامت العديد من الحكومات وشركات التأمين، استجابة للوباء، بتوسيع التغطية وسداد تكاليف خدمات الرعاية الصحية عن بعد، وأدى ذلك إلى إزالة الحواجز التي كانت تحول دون تبني هذا التوجه، وشجع مقدمي الرعاية الصحية على تقديم الرعاية الصحية عن بعد كخيار قابل للتطبيق لتقديم الرعاية.
رابعا: سلط الوباء الضوء على راحة المرضى وإمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية عن بعد، لا سيما أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية أو المحرومة، والأفراد الذين يعانون من مشاكل في التنقل، وأولئك الذين قد يجدون صعوبة في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية التقليدية.
من الانفتاح إلى شد الحزام
ومع انحسار الوباء، شهد عام 2023 انخفاضا في استثمارات الصحة الرقمية، حيث انتقل من الأيام الرائعة للتمويل المحطم للأرقام القياسية إلى الواقع القاسي المتمثل في شد الأحزمة والدمج، وفقا لتقرير شركة ""سي بي إنسايت".
ووفق تقرير الشركة، انخفض التمويل العالمي للصحة الرقمية إلى 13.2 مليار دولار فقط في عام 2023، بما يمثل عودة إلى مستويات ما قبل الوباء، غير أن بدايات عام 2024، حملت أخبارا سارة بحصول هذا القطاع على انطلاقة جديدة، أخذت هذه المره طابع الرفاهية.
ويشهد هذا السوق حاليا توسعا في الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا القابلة للارتداء ذات البعد الترفيهي، حيث تكتسب أجهزة مثل الساعات الذكية وأجهزة تتبع اللياقة البدنية قوة جذب لقدرتها على مراقبة المقاييس الصحية الحيوية في الوقت الفعلي، مما يوفر للمستخدمين ومتخصصي الرعاية الصحية بيانات مهمة لإدارة الصحة بشكل أكثر فعالية.
وتعكس أرقام قدمها موقع "ستاتيستا" الشهير هذا التوجه، حيث من المتوقع امتلاك قطاع اللياقة البدنية والرفاهية الرقمية أكبر حصة في السوق، حيث تبلغ قيمة إيراداته الإجمالية المتوقعة في عام 2024 حوالي 93.56 مليار دولار أمريكي، وذلك من إجمالي سوق الصحة الرقمية في جميع أنحاء العالم الذي من المتوقع أن يحقق إيرادات تبلغ 193.70 مليار دولار أمريكي في نفس العام.
وبينما احتلت أمريكا الشمالية إبان جائحة كوفيد 19، مكانة مهيمنة في سوق الصحة الرقمية، بقيمة سوقية تبلغ حوالي 93.4 مليار دولار أمريكي في عام 2022، فإنه من المتوقع أن تشهد منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخاصة دول مثل الهند والصين، نموا كبيرا في سوق الصحة الرقمية في 2024، حيث تتوقع أرقام موقع "ستاتيستا" تحقيق الصين في عام 2024 أعلى إيرادات في سوق الصحة الرقمية، بقيمة 53,070.00 مليون دولار أمريكي.
ويقول مصطفى العطار مدير برنامج الذكاء الاصطناعي بجامعة النيل الأهلية بمصر، إن من أسباب نمو السوق بشكل عام في 2024، يعود إلى التطور الكبير الذي حدث في مجال الذكاء الإصطناعي التوليدي، حيث أصبح مثيرا لاهتمام المستثمرين مع توسع مقدمو الخدمة في نطاق اعتمادهم لحلول الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تساعد في التوثيق السريري وتفسير التصوير الطبي، وهو ما أدى إلى تحويل المستثمرين لبعض اهتمامهم نحو الشركات التي تبيع منتجات الذكاء الاصطناعي التي تعمل على تحسين تنسيق الرعاية.
أما عن توقعات تحقيق الصين في عام 2024 لأعلى إيرادات في السوق، فيعود ذلك إلى ثلاثة أسباب يذكرها العطار، وهي:
أولا: سوق الرعاية الصحية سريع النمو، حيث تمتلك الصين واحدة من أكبر وأسرع أسواق الرعاية الصحية نموا على مستوى العالم، مدفوعة بعوامل مثل شيخوخة السكان، وارتفاع الأمراض المزمنة، وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية، والمبادرات الحكومية لتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية وجودتها.
ثانيا: الدعم والسياسات الحكومية، حيث تعمل الحكومة الصينية بنشاط على تعزيز الاعتماد على تقنيات الصحة الرقمية كجزء من جهودها الأوسع لإصلاح الرعاية الصحية.
ثالثا: التقدم التكنولوجي والابتكار، حيث تعد الصين موطنا لشركات التكنولوجيا والشركات الناشئة والمؤسسات البحثية التي تقود الابتكار في مجال الصحة الرقمية.
الأمن السيبراني.. أبرز التحديات
وبينما تنعقد النسخة الأولى من "أسبوع أبوظبي العالمي للرعاية الصحية" التي تنظمها دائرة الصحة - أبوظبي، تحت شعار "التحول النوعي في مستقبل الرعاية الصحية العالمية" والتي تستمر حتى 15 مايو في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، فإن التحديات التي توجه هذا السوق المتنامي ستكون حاضرة على أجندة المناقشات.
ويقول العطار، إن أبرز التحديات التي تواجه هذا السوق، هو ما يعرف بـ"الأمن السيبراني"، وهو مصطلح يشير إلى ممارسة حماية أنظمة الكمبيوتر والشبكات والبيانات والأجهزة من الوصول غير المصرح به والهجمات الإلكترونية وانتهاكات البيانات والتهديدات الأمنية الأخرى.
وتقوم خدمات الصحة الرقمية بجمع وتخزين ونقل كميات هائلة من معلومات المرضى الحساسة، بما في ذلك السجلات الصحية الشخصية والتاريخ الطبي ونتائج الاختبارات التشخيصية وخطط العلاج، وهذه البيانات ذات قيمة كبيرة لمجرمي الإنترنت ويمكن استغلالها لأغراض ضارة مختلفة، وهذا يتطلب إجراءات خاصة للتعامل مع تحديات الأمن السيبراني، كما يوضح العطار.
ويضيف العطار أن ذلك يشمل " إجراء تقييمات منتظمة للمخاطر وعمليات فحص نقاط الضعف، وتوفير التدريب على الأمن السيبراني، والاستفادة من التقنيات المتقدمة مثل التشفير وأنظمة كشف التسلل".