عوّدنا التاريخ أنه لا يأبه للأحداث ما لم تكن ذات نتائج تغيّر وجه مرحلةٍ من مراحل العلاقات الدولية المرتبطة بالمصالح المشتركة والمتقاطعة.
لذلكَ تجدُ أنَّ حرباً صغيرةً في شمال الكرة الأرضية -على سبيل المثال- تنعكس سلباً على الأرض شمالاً وجنوباً، والعكس بالعكس، وبذات التأثير ينعكس السلم على العالم أجمع.
لذلكَ فإنّ السياسة الحقيقية هي تلك التي لا تؤمنُ بالأبواب المغلَقةِ، لا سيّما وأنّ العالم اليوم يعيش اضطراباتٍ خطيرةً على امتداد المعمورة، وهو ما يجعل السلام والأمن حاجةً بشريّةً مُلحّةً أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.
وهذا ما يجعل لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدولة الإمارات العربية المتحدة دلالاتٍ وأبعاداً مهمة في هذا المجال، وعلى أصعدةٍ عدة، أبرزها:
الصعيد السياسي: تؤكّدُ الزيارة أهميّةِ دولة الإمارات العربية المتحدة على الساحة السياسيّةِ الإقليميّةِ والدوليّةِ، لا سيّما وأنّ الإمارات تتبع سياسة قائمةٌ على المرونة والسعي الحثيث إلى التسامح الدولي وتشريع الأبواب لأيّ مناسبةٍ من شأنها بناء سياسةٍ إقليميةٍ فاعلةٍ تدفعُ بالأمن والسلام الإقليمي والدولي نحو شواطئ الاستقرار، وعملها الدؤوب على جَسر الهوة والحفاظ على قنوات التواصل الممهدة لأي تعاونٍ من شأنه العودة بالخير على الجميع، وبخاصة مع جيرانها، وكذلك بالنسبة للسياسة التركية التي باتت اليوم تقتربُ من السياسة الدولية والإقليميّة، وهي الشريك المهم إقليمياً وعالمياً، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وقوة فاعلة لا يُستهان بها.
الصعيد الاقتصادي: لا يخفى على أحدٍ أنّ عنوان العصر البشري الحالي هو الاقتصاد، فهو العماد الذي ترتهن له عناصر القوة بكل تجلياتها السياسية والعسكرية والعلمية، بل حتى الوجودية، وأقلّ متطلبات الاقتصاد الناجح تكمن في الاستقرار والسلام والعلاقات المفتوحة مع المحيط والعالم، وهذا ما يميّزُ دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تتمتع بعلاقاتٍ دوليّةٍ وإقليمية تجعلها في صداقةٍ وثيقةٍ وسلامٍ دائمٍ مع العالم أجمع، وهو ما تسير باتجاهه تركيا اليوم ممتلكةً مؤهلات ضخمة، والتي لا شريك لها أفضل من دولة الإمارات ذات اليد الممدودة لكلّ أمنٍ وسلامٍ واقتصادٍ يهدف لرفعة الإنسان وبناء الأوطان.
الصعيد الإقليمي: في ظل التوترات الدائرة على المستويات الإقليمية في العالم أجمع، سواء في المنطقة العربية أو الغربيّة، فالحصن الأمثل يكمن في تحصّنِ الإقليم الواحد بأعضائه من أجل تكوين رؤيةٍ موحّدةٍ تضمن سلامَ وأمنَ الإقليم، وتركيا بحكم موقعها الإقليمي على الساحات العربية والغربية، فإن تفاعلها مع عمقها الإقليمي العربي هو السبيل الأنجع لضمان استقرارها، وكذلك بالنسبة للدول العربية فإنّ حُسنَ العلاقات والجوار مع تركيا يضمن لها عمقاً استراتيجياً باتجاه الغرب سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
خلاصة القول إنّ تباين الرؤى لا يفسد للمصالح المشتركة قضية ولا يغير من الواقع كون تركيا دولةً إقليميّةً تجمعها مع محيطها العربي علاقات وصلات أكثر من أنْ تُحصى، فالجامع أكبر من أنْ يُرهن بأي تباين في الرأي، الأمر الذي يجعل من زيارة الرئيس التركي للإمارات حدثا تاريخيا يؤكّدُ حسن الجوار وضرورة التعاون يداً بيد وكتفاً بكتف لإعادة بناء إقليمٍ آمنٍ وهانئٍ يعود بالخير والأمان على الجميع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة