أصل الخلاف بين روسيا، وبين الغرب ممثلا في دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا، هو اتساع رقعة الدول المنضوية تحت حلف الأطلسي "الناتو".
فموسكو لديها هواجس كبيرة وكثيرة حيال هذا التجمع العسكري، الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية.
والحشود العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا اليوم جزءٌ من حرب جديدة قديمة بين هذه الدول مع روسيا، ولعل كييف وقعت في منتصف هذا النزاع، ليحرص رئيسها، فولوديمير زيلينسكي، على تذكير الجميع بأن بلده اليوم يدفع ثمناً باهظاً لتلك المشكلات المتراكمة، بل ويذهب بعيداً في اتصاله الأخير مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ويدعوه رسمياً لزيارة أوكرانيا في أسرع وقت.
لم يترك صناع القرار الروسي مناسبة إلا وأكدوا فيها ضرورة تعهد حلف شمال الأطلسي بعدم السعي لضم أوكرانيا أو أي دولة أوروبية أخرى على حدود روسيا لهذا الحلف العسكري، الذي قال الرئيس بوتين علناً بأن عقيدة جنوده العسكرية تقوم على أساس واحد: "روسيا هي العدو الدائم".
ويُحجم أعضاء حلف شمال الأطلسي في المقابل عن تقديم أي التزام يتعلق بمسائل الانضمام له، فتلك مواقف سيادية تخص الدول الراغبة في ذلك، بحسب أمين عام حلف الناتو، النرويجي ينس ستولتنبرغ، وليس من المقبول الرضوخ لهذا الطلب الروسي "التعجيزي"، حسب قوله.
لكن المواقف المتعلقة بما يجري في أوكرانيا داخل القارة العجوز، جعلت من الصعب التنبؤ بمستقبل هذه الأزمة وما ستؤول إليه، سيما وأن واشنطن ولندن لديهما مواقف سياسية وإعلامية متقدمة حتى اللحظة، بل وربما متباينة نوعاً ما مع كل من فرنسا وألمانيا.
فأمريكا وبريطانيا ترسلان الأسلحة شبه النوعية إلى أوكرانيا منذ بداية العام، وقامتا بكثير من التحركات العسكرية الرامية لإرسال جنود أمريكان وبريطانيين تحت مظلة الناتو، إلى كل من بولندا وإستونيا، وبدرجة أقل إلى رومانيا وبلغاريا.
بينما تمتنع برلين وباريس عن الخوض في المسائل الخاصة بالدعم العسكري لأوكرانيا، وتتمسكان بالحوار والتفاوض مع روسيا حتى الساعة، ولهذا الغرض ذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الكرملين للقاء نظيره الروسي، بوتين، قبل أيام، وعلى خطاه يسير المستشار الألماني الجديد، أولاف شولتس، الذي يعتزم زيارة روسيا لبحث الوضع الحالي على الحدود الأوكرانية.
والسؤال المطروح هنا وبقوة: هل اللغة السياسية التي يتبناها الغرب الآن حيال روسيا متفق عليها، أم أنها نتاج خلاف في وجهات النظر؟
فالمصالح الاقتصادية مع روسيا بالنسبة للألمان والفرنسيين تتجاوز ذلك، إذا ما وضعنا على طاولة تقصي الحقائق قصة الغاز الروسي، الذي تحتاج إليه الدول الأوروبية كل يوم، وهناك من رسم خارطة النزاع الغربي المحتمل مع روسيا عبر التفكير في حرب عالمية ثالثة، ربما تحصل إذا ما غزت القوات الروسية أوكرانيا.
بالتأكيد سيتأثر العالم العربي بشكل غير مباشر نتيجة هذا الصراع الكبير، كما سيتأثر العالم كله، لكن الدول العربية غالبا ستكون على مسافة واحدة من الجميع عبر اتخاذ مواقف سياسية متوازنة، لا تميل إلى طرف دون آخر، وربما تتدخل بعضها لتدعو الجميع لتحكيم منطق الحوار دون وضع الأيدي على الزناد، فالهروب إلى منطق الحروب أمرٌ مخيف للغاية ولا يحمل لشعوب كل الأطراف أي فائدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة