حرب دبلوماسية بين روسيا والغرب.. وموسكو تتوعد بـ"رد مدمر"
أعلنت فرنسا وألمانيا، الإثنين، عن عمليات طرد جماعي لدبلوماسيين روس من بلديهما، فيما حذرت موسكو من رد "بنفس القوة".
وقالت ألمانيا إنها قررت طرد "عدد كبير" من الدبلوماسيين الروس المعتمدين في برلين على خلفية الحرب في أوكرانيا، بحسب وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك. وبحسب "فرانس برس" يبلغ عددهم 40.
وشددت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، على أن هؤلاء الموظفين في السفارة الروسية يشكلون "تهديدا للذين يبحثون عن حماية عندنا".
وأضافت في بيان مقتضب: "لن نسمح بذلك بعد الآن".
من جانبها، كتبت السفارة الروسية في برلين على تلغرام أن "التقليص غير المبرر للطواقم الدبلوماسية في البعثات الروسية في ألمانيا، سيضيق المساحة التي تسمح بالحفاظ على الحوار بين بلدينا ما سيؤدي إلى مزيد من التدهور في العلاقات الروسية-الألمانية".
من جانبه، قال وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو اليوم الثلاثاء إن إيطاليا طردت 30 دبلوماسيا روسيا بسبب مخاوف أمنية.
بدورها، ستطرد فرنسا 35 دبلوماسيا روسيا "تتعارض نشاطاتهم مع مصالحها" كما أفاد الإثنين مصدر في وزارة الخارجية الفرنسية.
وأوضح بيان صادر عن الوزارة "تأتي هذه الخطوة في سياق نهج أوروبي. مسؤوليتنا الأولى تبقى ضمان سلامة الفرنسيين والأوروبيين".
كما كشف وزير الخارجية الدنماركي جيبي كوفود، الثلاثاء، أن بلاده قررت طرد 15 دبلوماسيا روسيا بعد تقارير عن العثور على مقابر جماعية وقتل مدنيين في بلدة بوتشا الأوكرانية.
رد مدمر
في المقابل، قال الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن بالبلاد دميتري ميدفيديف في وقت متأخر من يوم الإثنين إن روسيا سيكون لها رد بنفس القوة على طرد دبلوماسييها من عدد من الدول الغربية.
وأضاف ميدفيديف في تدوينة على قناته على تيليجرام: "الكل يعرف الرد: سيكون بنفس القوة ومدمرا للعلاقات الثنائية.. من عساهم معاقبين؟ أولا وقبل كل شيء.. أنفسهم".
وتابع: "إذا استمر هذا، فسيكون من المناسب - كما كتبت في 26 فبراير - إغلاق الباب بقوة أمام السفارات الغربية".
الحفاظ على الأدلة
من جانبها، أعلنت ليتوانيا، الإثنين، طرد السفير الروسي في فيلنيوس على خلفية الحرب في أوكرانيا وما وصفتها بـ"الفظائع" التي تتهم كييف وحلفاؤها الغربيون الجنود الروس بارتكابها.
وأعربت دول غربية عدّة والأمم المتحدة عن إدانتها للمشاهد الواردة من بوتشا التي زارها الرئيس الأوكراني الإثنين والواقعة في ضواحي كييف بعد انسحاب القوات الروسية منها والتي أظهرت جثثا عدة لمدنيين في الطرق أو في مقابر جماعية.
ونددت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه بالمشاهد "المروعة" واعتبرت أن المعلومات الواردة "تثير تساؤلات خطرة ومقلقة حول احتمال وقوع جرائم حرب وانتهاكات خطرة للقانون الإنساني الدولي" داعية إلى "الحفاظ على كل الأدلة"، رغم نفي موسكو لكافة الاتهامات.
والإثنين، دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى "محاكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب" بعد اكتشاف الكثير من الجثث بملابس مدنية في بوتشا قرب كييف، وقال للصحفيين إنه يريد فرض "عقوبات إضافية" على روسيا.
في هذا السياق، أعلن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان، الإثنين، أن الولايات المتحدة وحلفاءها سيعلنون "هذا الأسبوع" عقوبات اقتصادية جديدة ضد روسيا.
كذلك، أعلنت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد، الإثنين، أن بلادها ستسعى إلى تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان ردا خصوصا "على الصور الواردة من بوتشا".
وبحث الاتحاد الأوروبي، الإثنين، فرض عقوبات إضافية على روسيا، وهو ما تطالب به خصوصا فرنسا وألمانيا.
عمليات حظر ملزمة
ودعت رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا الإثنين زعماء الدول الـ27 إلى فرض "حظر ملزم" على واردات الطاقة الروسية، متّهمة روسيا بارتكاب "جرائم حرب" في أوكرانيا.
وأعلن الاتحاد الأوروبي تشكيل "فريق تحقيق مشترك مع أوكرانيا لجمع الأدلة والتحقيق في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسان".
ويسعى الاتحاد الأوروبي خصوصا إلى توحيد الجهود مع المحكمة الجنائية الدولية التي تنظر منذ الثالث من مارس/آذار في شبهات بشان ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، رغم تأكيد موسكو أنها لا تستهدف المدنيين.
وأوضحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "يجب ألا يفلت مرتكبو هذه الجرائم الفظيعة من العقاب".
والإثنين، زار زيلينسكي بوتشا حيث ندّد بـ"جرائم حرب" وقعت و"سيتم الاعتراف بأنها إبادة جماعية"، وهو ما كان قد أشار إليه في وقت سابق رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ونظيره البولندي ماتيوش مورافيتسكي.
رصاصة في الرأس
وفي بوتشا، قال زيلينسكي مرتديا سترة واقية من الرصاص ومحاطا بعسكريين: "في كل يوم عندما يدخل مقاتلونا الأراضي ويستعيدونها تشهدون ما يحصل".
من جهتها، شدّدت ليوديملا دينيسوفا المفوّضة حقوق الإنسان في البرلمان الأوكراني على أن الجنود الأوكرانيين الذين وقعوا في قبضة الجيش الروسي وأفرج عنهم أخيراً تحدّثوا عن "معاملة غير إنسانية" تعرّضوا لها في الأسر.
ونفت روسيا على لسان الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف بشكل "قاطع" كل الاتهامات الموجهة إليها بارتكاب "إبادة جماعية" في أوكرانيا.
وكانت القوات الروسية سيطرت على بوتشا وإيربين المجاورة والمحاذية لكييف من جهة الشمال الغربي بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي.
وفي الأسابيع التي تلت ذلك شهدت المدينتان معارك عنيفة تسببت بدمار كبير وبتهجير غالبية السكان.
وقال مكتب المدعية العامة الأوكرانية، الإثنين، إنه عثر على جثث خمسة رجال مقيدي اليدين في الأطباق السفلية لمركز طبي للأطفال في بوتشا. وبحسب هذا المصدر فإن "مدنيين" تعرضوا "للضرب" قبل أن يقتلهم "جنود روس".
كذلك، قتل 10 مدنيين وأصيب 46 على الأقل في عمليات قصف استهدفت ميكولاييف الواقعة في جنوب أوكرانيا، على ما أعلن الإثنين رئيس بلدية المدينة أولكسندر سينكيفيتش.
من جانبه، دعا رئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو، الإثنين، سكان العاصمة الأوكرانية الذين فروا من الصراع في المدينة إلى عدم العودة "قبل أسبوع آخر على الأقل".
وأعلنت القوات الأوكرانية أنها استعادت بوتشا وإيربين في الأيام الأخيرة بعدما أعلن الروس تخفيف الخناق عن كييف وشمال أوكرانيا لتركيز الجهود العسكرية في شرق البلاد.
ولفت مستشار الأمن القومي الأمريكي الإثنين إلى أن روسيا "تقوم بإعادة تموضع لقواتها بهدف تركيز هجومها على شرق أوكرانيا ومناطق في جنوبها".
وبحسب المدعية العامة في أوكرانيا إيرينا فينيدكتوفا تم العثور على جثث 410 مدنيين في بوتشا وأنحاء أخرى من منطقة كييف التي استعادتها مؤخرا أوكرانيا من القوات الروسية.
وقال أناتولي فيدوروك، رئيس بلدية بوتشا، في تصريح لوكالة فرانس برس، إن "كل هؤلاء الأشخاص أعدِموا، قتِلوا برصاصة في مؤخر الرأس" محمّلا المسؤولية للقوات الروسية. وأشار إلى دفن "280 شخصا" في"مقابر جماعية".
ورد الناطق باسم الكرملين بالقول "استنادا إلى ما رأيناه، لا يمكننا أن نثق بمقاطع الفيديو هذه"، مؤكدا على ضرورة "التشكيك بجدية في هذه المعلومات".
وقال بيسكوف إن خبراء وزارة الدفاع الروسية عثروا على مؤشرات تظهر "فبركة مقاطع فيديو" و"أنباء كاذبة" في المشاهد التي عرضتها السلطات الأوكرانية كأدلة على وقوع مجازر تتهم روسيا بارتكابها في المناطق التي تم تحريرها حول العاصمة كييف.
وأعلنت موسكو، الإثنين، أنها ستجري تحقيقا في "استفزازات حاقدة" ترمي برأيها إلى "ضرب مصداقية" القوات الروسية في أوكرانيا. كذلك أعلنت روسيا أنها طلبت عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي الإثنين لمناقشة "الاستفزازات" التي تقول إن أوكرانيا ارتكبتها في بوتشا.
ويبدو أن الجيش الروسي بصدد الانسحاب عمليا من محيط كييف ومن الشمال الأوكراني للتركيز على جنوب البلاد وشرقها.
والأحد، قصفت روسيا مدن أوتشاكيف وميكولاييف حيث قتل ثمانية أشخاص وأصيب 34 آخرون، وفق ما أعلنت النيابة العامة الأوكرانية.
وبحسب خبراء عسكريين غربيين تسعى روسيا إلى بسط سيطرتها على منطقة تمتد من القرم إلى جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين المواليتين لموسكو في منطقة دونباس.
لكن مدينة ماريوبول (جنوب شرق) التي تتعرض لقصف عنيف منذ أكثر من شهر، تقف عائقا أمام تحقيق هذا الهدف.
وأعلن رئيس بلديتها فاديم بويتشينكو أن المدينة التي كان عدد سكانها نحو نصف مليون نسمة قبل الحرب "دمرت بنسبة 90 %" فيما "40 % من بنيتها التحتية غير قابلة للإصلاح".
في شرق البلاد وفي الجزء الخاضع لسيطرة كييف في منطقة دونباس الأوضاع "متوترة"، وتشدد السلطات المحلية على أن الجيش مستعد لمواجهة القوات الروسية وعلى أن السكان عليهم المغادرة بأسرع وقت.
والإثنين، حذّر حاكم منطقة لوغانسك سيرغي غايداي من أن القوات الروسية تخطّط لهجوم "ضخم" على المنطقة.
وأعلن الصليب الأحمر، الإثنين، أن فريقا تابعا له كان يساعد في إجلاء المدنيين المحاصرين من مدينة ماريوبول الساحلية جنوب أوكرانيا قد تعرض للاحتجاز على يد "الشرطة" في منطقة تسيطر عليها القوات الروسية.
غاز ومحادثات
ويسعى الغربيون إلى فرض عقوبات جديدة على موسكو تضاف إلى سلسلة التدابير العقابية التي تم إقرارها اعتبارا من 24 فبراير/شباط، مستهدفة بشكل واسع النطاق الشركات والمصارف وكبار المسؤولين والأثرياء النافذين وفارضة حظرا على تصدير السلع إلى روسيا.
ويتطلب إقرار عقوبات جديدة ضد روسيا على مستوى الاتحاد الأوروبي، إجماع الدول الأعضاء.
وتطال الضغوط أيضا الموارد النفطية التي تعد موردا ماليا مهما لروسيا.
لكن ألمانيا اعتبرت الإثنين على لسان وزير ماليتها كريستيان ليندنر أنها لا يمكنها الاستغناء عن إمدادات الغاز الروسي "في الوقت الراهن" وإن العقوبات المفروضة على موسكو في هذا القطاع ستضر الاتحاد الأوروبي أكثر من روسيا.
وبعيد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حظرت الولايات المتحدة استيراد النفط والغاز الروسيين، إلا أن الاتحاد الأوروبي الذي بلغت في العام 2021 نسبة اعتماده على الإمدادات الروسية 40 بالمئة، لم يتخّذ خطوة كهذه.
وأسفرت الحرب في أوكرانيا التي بدأت في 24 فبراير، عن مقتل آلاف الأشخاص وأجبرت نحو 4,2 ملايين أوكراني على الفرار، 90 في المئة منهم نساء وأطفال.