الاتجاه الصحيح تاريخيا أن نكتفي من التجربة الإخوانية، لأن نتائجها لم تقدم سوى المزيد من الأزمات للمنطقة.
في بدايات القرن العشرين تشكلت نواة الإسلام السياسي مرة أخرى في الشرق الأوسط، عبر إنشاء جماعة الإخوان المسلمين، ومع أن تسييس الإسلام ليس عملية مستحدثة مع نشوء هذه الجماعة، إلا أن الفارق الأكثر بروزا لهذه الجماعة أنها نشأت بعد الحرب العالمية الأولى، حيث ولد النظام العالمي الجديد الذي منح الغرب التفوق على العالم الشرقي، حيث شكل القرن العشرون قرن الحصاد بالنسبة للغرب، بعد قرون طويلة من التحول النهضوي والفكري والصناعي.
تسعة عقود من الزمان كان من الواجب أن تكون كفيلة بتحقيق النجاح لو كان الإسلام السياسي ممثلا بجماعة الإخوان المسملين، قادرا على تحقيق ولو جزء بسيط من النجاح، كل منتجات الإسلام السياسي في مجتمعاتنا العربية كارثية، واستمرارها لا يشكل الاتجاه الصحيح تاريخيا
لم تكن الشعوب العربية مستعدة لمجاراة النقلة العالمية، خاصة في التحولات الصناعية والحداثة التي طرأت على الحياة في الغرب، وخاصة أن نتائج الحرب العالمية الأولى في منطقة الشرق الأوسط قد تحولت إلى غنائم للاستعمار الغربي للمنطقة، من أجل ثروات طائلة حَوَتْها منطقة الشرق الأوسط.
في ظل الغياب والفراغ الفكري والسياسي في المنطقة نشأت في قاع المجتمع الإسلامي تنظيمات متعددة تبنت الكثير من الاتجاهات السياسية، وكان أبرزها وأخطرها وأكثرها توغلا في النسيج الاجتماعي "جماعة الإخوان المسلمين" التي نشأت في العقد الثالث من القرن العشرين.
قدمت هذه الجماعة نفسها عبر التاريخ على مستويين؛ الأول سياسي، والآخر اجتماعي، في البعد السياسي اعتبر مؤسس هذه الجماعة أنها بديل جاهز وسريع للإمبراطورية الإسلامية، وأن لديها القدرة على استحضار التاريخ ولعب دور إمبراطوري يجمع المسلمين في مغلف إسلامي واحد.
في البعد الاجتماعي ضخت الجماعة أفكارها من خلال إعادة تدوير الإسلام عبر فكرة الوعظ والإرشاد الديني، فكانت وما زالت تمارس إعادة تدوير المنتج ذاته ولكن مع تعدد الوسائل والأساليب.
خلال التسعين سنة الماضية ومنذ إنشاء جماعة الإخوان المسلمين، يمكننا اليوم طرح سؤال مهم: هل الاتجاه الصحيح تاريخيا أن نعارض الإسلام السياسي؟ الجواب بكل بساطة: إن تسعة عقود من الزمان كان من الواجب أن تكون كفيلة بتحقيق النجاح لو كان الإسلام السياسي، ممثلا بجماعة الإخوان المسلمين، قادرا على تحقيق ولو جزء بسيط من النجاح. كل منتجات الإسلام السياسي في مجتمعاتنا العربية كارثية واستمرارها لا يشكل الاتجاه الصحيح تاريخيا.
الاتجاه الصحيح تاريخيا أن نكتفي من التجربة الإخوانية، لأن نتائجها لم تقدم سوى المزيد من الأزمات للمنطقة، فلم تكن تجربة الإسلام السياسي ناضجة ولا حتى قادرة على النضج؛ لأن ميكانزمات العمل السياسي التي تم تقديمها عبر تجربة الإخوان لم تكن سوى مهارات سطحية للدعوة والإرشاد، وليس إدارة المجتمعات في إطار منظومة حياة سياسية واقتصادية واجتماعية مكتملة، الاتجاه الصحيح تاريخيا لابد وأن يعتمد تحرير المجتمعات عبر النقد المباشر لمعطيات الإسلام السياسي التي اجتاحت العالم العربي خلال العقود الماضية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة