أشكال الفكر المتطرف تختلف مضامينها وفقا للأساس الذي تستند إليه ولكنها تتفق في مجموعة من السمات التي تكسبها صفة التطرف.
تتنوع أنماط الفكر السياسي والاجتماعي المتطرف, والأساس الذي تستند إليه ما بين ديني ومذهبي وقومي ووطني واثني. ورغم هذا التنوع, فإنها تتفق جميعًا في منهج مُتقارب للتفكير وتشترك في سمات مُعينة.
فأشكال الفكر المُتطرف تختلفُ مضامينها وفقًا للأساس الذي تستند إليه ولكنها تتفق في مجموعة من السمات التي تكسبها صفة التطرف. فالانتماءات والولاءات الدينية أو القومية أو الوطنية لا غُبار عليها من حيثُ المبدأ وهي لا تقودُ بالضرورة إلى خلافات أو صراعات مع الآخرين تشقُ وحدة المجتمع وتُضعفُ تماسكه. ولكنها تُصبح كذلك عندما تخترقها وتتغلغل فيها مجموعة من الأفكار التي تضفي عليها طابع التعصب المقيت والحض على كراهية الغير.
في الواقع, توجد درجات من الاعتقاد في الفكر المتطرف فقد توجد إحدى هذه السمات في تفكير أحد الأفراد أو إحدى الجماعات, وقد تجتمع أكثر من سمة لديهم, وتتوقف درجة تطرفهم على عدد هذه السمات ومدى تغلغلها في تفكيرهم، ويصبح هؤلاء الأشخاص هُم المادة الخام للتطرف العنيف والإرهاب
من المهم إذن تفكيك الفكر المتطرف وتحديد هذه السمات والكشف عنها في الخطابات الإعلامية والثقافية والفكرية السائدة في المُجتمعات العربية وخصوصًا في الكُتب المدرسية المفروضة على الطلاب. وذلك لأن تغلغلها في عقول جمهرة الناس وخصوصًا الشباب يجعلهم أكثر تهيؤًا وقبولًا لفكر التطرف وسلوكه. وأُشير في هذا الصدد إلى أربع سِمات أساسية تَم استخلاصها من دراسة أفكار كثير من التنظيمات المتطرفة وقياداتها الفكرية والحركية والتي انتمت إلى مختلف الأديان: الإسلام والمسيحية واليهودية, والأيديولوجيات الوضعية الأخرى.
أول هذه السمات التبسيط والاختزالية. فالفكر المتطرف له طابعُ اختزالي وهو يُرجع كُل الظواهر الاجتماعية إلى سبب أو عامل واحد. وعلى سبيل المثال فالبعض يرجع كل المشاكل والعلل الاجتماعية إلى ضعف الإيمان وأننا "نسينا الله فنسيَنا الله", والبعض الآخر يرجعها إلى مؤامرة خارجية من تدبير الاستعمار أو الصهيونية أو الماسونية, والبعض الثالث يعتبرها نتيجة المؤامرات التي تحيكها إحدى الأقليات في المُجتمع. ويكون من شأن ذلك, استبعاد التحليل العلمي, وتفسير الظواهر بناء على مجموعة من العوامل المؤثرة عليها, والاعتماد على سبب واحد أو عامل واحد يتم به تفسير كل شيء.
وثانيها الإطلاق وعدم النسبية, فالعامل الواحد الذي يتم الاستناد إليه هو عامل مطلق يتجاوز حدود الزمان والمكان فهو صالح لكل المجتمعات في كل العصور, ولا يعترف بنسبية أو باختلاف الظروف من زمن لآخر وفي نفس الفترة الزمنية من مجتمع لآخر. فهو فكر لا تاريخي يستند إلى تفسير حرفي وجامد. وفي حالة تعدد التفسيرات والتأويلات للنصوص يأخذُ الفكر المُتطرف بأكثرها غلوًا وتشددًا ولا يعترف بتغير السياق التاريخي الذي يعيش فيه الناس. ويترتب على ذلك أن صاحب هذا الفكر يعتقد أنه قادر على الإجابة الصحيحة عن كل سؤال وعلى تقديم الحلول الناجحة لكل مشكلة أو معضلة.
يرتبطُ بالإطلاق سمة أُخرى خطيرة وهي النظر إلى الأمور وتقييمها بمنطق الثنائيات فكُل شيء في الحياة إما أبيض أو أسود, إما صحيح أو خاطئ, إما حلال أو حرام وحسب هذا التفكير تختفي الظلال ولا توجد مساحة للألوان الرمادية. لذلك, فإن الفكر المُتطرف يُسارع برفضِ المُجتمع القائم بمؤسساته وأنظمته وقيمه ويعمل على إضعافه وتحطيمه حتى يتسنى إقامة البناء الجديد المزعوم. وفي السياق العربي الإسلامي, كان الخوارج أول من تبنى هذا الفكر, ثُم اتخذ هذا الأمر صور "العزلة عن المُجتمع", و"المفاصلة الشعورية", "والهجرة". وبلغ الأمر إلى تكفير الحاكم, وتكفير المُجتمع. وعندما يحدثُ ذلك فإن استخدام العُنف يُصبحُ ليس فقط أمرًا مُبررًا ومشروعًا بَل واجبُ ينبغي القيام به عند هؤلاء المتطرفين.
وثالثها أن هذا الفكر يعتقد امتلاكه الحقيقة الصحيحة والوحيدة في الأمور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فالتفسير الذي يتبناه هو التفسير الوحيد الصحيح الذي لا يعتريه تطور أو تغيير. ويزداد هذا الاعتقاد في حالة الفكر المتطرف الذي ينتسب لمرجعيات وعقائد دينية والذي يقوم بتوظيف هذه المرجعيات وتلك العقائد لصالح الأهداف السياسية والاجتماعية التي يتبناها. فيتم استخدامه -أي الفكر المتطرف- لغرس اليقين بين الأتباع والجزم بصحة أهدافهم. فيصورون أنفسهم لهم وكأنهم "كلمة الله على الأرض وإرادته", ويقوم القادة بتشجيع الأتباع على القيام بعمليات انتحارية مبررين ذلك العمل بأنه استشهاد في سبيل الله.
ورابعها, سمة النفور من الآخرين المُخالفين والاستعلاء إذ يترتب على الاعتقاد بامتلاك هذه الحقيقة المطلقة والوحيدة شعور أنصار الفكر المتطرف بالسمو الأخلاقي والاستعلاء على الآخرين فما داموا يمتلكون -دون غيرهم- هذه الحقيقة, فلا بد أن يكون ما يعتقده الآخرون خطأ وخطيئة. ومن الأمثلة الدالة على ذلك مفاهيم "شعب الله المختار, والفرقة الناجية, وأستاذية العالم, وسمو العرق الآري, والمسؤولية الأخلاقية للرجل الأبيض".
واتصالًا بذلك, فإن التعامل مع الآخرين المخالفين لهم في الرأي, يُصبح أمرًا محفوفًا بالالتباس والغموض. ويكون منهج العلاقة بينهم هو الاقتناع والإرشاد والوعظ وليس الحوار وتبادل الآراء. وذلك لأنه عندما يعتقد الإنسان أنه محق يقينًا وأن الآخر مخطئ لزومًا فإنه لا مجال لتبادل الآراء وتصبح مهمة الطرف الأول هي نُصح وهداية الآخرين إلى ما يعتقدون أنه الأفكار الصحيحة. وعندما لا يُجدي الإقناع فإن لغة المتطرف تصبح أكثر حدة وغلظة مستخدمة أساليب التهديد و"العنف اللفظي" والقسر وصولًا فيما بعد إلى "العنف المادي".
وينطبق ذلك أيضًا على العلاقة بين الجماعات المُتطرفة عندما تختلف فيما بينها فتقوم كُل منها بالمُزايدة على الأخرى في شعاراتها ومطالبها وتقوم بتبادل الاتهامات حول من يمثل الرأي الصحيح ولا تتردد في القتال لتصفية بعضها البعض كما حدث في أكثر من مناسبة, على سبيل المثال, في سوريا. وعندما يحدثُ ذلك تسقط كُل المقامات والحُرمات.
الفكر المتطرف في صورته الخالصة هو فكر تبسيطي واختزالي, ومطلق ولا تاريخي وغير نسبي, ولديه اعتقاد بامتلاكه الحقيقة الصحيحة الوحيدة, وأنه استعلائي وصراعي في مواجهة الآخرين. وفي الواقع, توجد درجات من الاعتقاد في الفكر المتطرف فقد توجد إحدى هذه السمات في تفكير أحد الأفراد أو إحدى الجماعات, وقد تجتمع أكثر من سمة لديهم, وتتوقف درجة تطرفهم على عدد هذه السمات ومدى تغلغلها في تفكيرهم. ويصبح هؤلاء الأشخاص هُم المادة الخام للتطرف العنيف والإرهاب لذلك فمن الضروري في بلادنا العربية إعمال البحث والنقد في كل مصادر الثقافة والمعرفة وحصار تلك المواد التي تبث السمات التي أشرت إليها في عقول الناس ونفوسهم.
فهذه السمات التي تبدو ذات طابع فِكري تتحولُ إلى واقع مُخيف عندما تنتقل إلى مجال الحركة والممارسة, وعندما يستخدمها ويستغلها قادة حركيون يخاطبون العواطف ويدغدغون المشاعر ويغلبون ممارسات الطاعة والانقياد والانصياع للأوامر دون مناقشة أو تفكير. يحدثُ ذلك في إطار تنظيمات ومليشيات مُسلحة قائمة تحملُ أسماءً بريئة مثل "أنصار الله" و"أنصار التوحيد" و"أنصار بيت المقدس", و"جند الأقصى", و"لواء الحق" وتُمارسُ العنف والإرهاب بدعوى "الدفاع عن الدين".
المعركة ضد عُنف الإرهاب في ميدان القتال تبدأ بمُكافحة الأفكار المتطرفة في حياتنا اليومية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة