أحزاب المنشقين.. تركيا على أبواب خريف سياسي ساخن
قيادات ورموز مؤسسة اختارت القفز من سفينة متهاوية يقودها أردوغان، والتوجه لتأسيس أحزاب جديدة تمهد لتقديم نفسها بديلاً عن حزب يترنح
خريف سياسي ساخن يلوح في أفق الأجواء التركية هذه الأيام، مع هبوب رياح انشقاقات مدمرة تُنذر بتفكك حزب العدالة والتنمية الحاكم وانفراط عقده.
قيادات ورموز مؤسسة اختارت القفز من سفينة متهاوية يقودها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتوجه لتأسيس أحزاب جديدة تمهد لتقديم نفسها بديلاً عن حزب يترنح، أملاً بربيع حقيقي يبدو أنه لن يحل بالبلاد إلا عقب خريف طاحن يدك النظام الحالي.
رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، ووزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان والرئيس السابق عبدالله جول.. رموز تعد من القيادات المؤسسة لحزب العدالة والتنمية ومن رفاق درب أردوغان، لكنهم اختاروا الانسحاب في واحدة من أكثر الضربات إيلاماً للرئيس التركي بعد الهزيمة المذلة لحزبه في كبرى بلديات البلاد في مارس/آذار الماضي.
أصابته انشقاقات رفاق دربه بصدمة سرعان ما تركت المجال لبركان من الغضب جعل بدوره مراقبين يجزمون بقرب فصل المنشقين عن الحزب، لكن لا أحد توقع أن يبلغ منسوب الارتياب عند أردوغان حد التوجه نحو التخلص من بعض القيادات الأخرى للحزب، فقط لمجرد الشك في قربهم من المنسحبين.
فصل المنشقين
كما كان متوقعاً خاصة عقب عدم دعوة أي من داود أوغلو وباباجان إلى احتفالات الذكرى السنوية الـ18 لتأسيس العدالة والتنمية المقامة مؤخراً، بدأ الحزب إجراءاته لفصل رئيس الوزراء الأسبق وثلاثة من القيادات؛ على خلفية مساعيهم لتأسيس حزب جديد يخشى أردوغان أن يكتب شهادة وفاة حكمه.
إعلام محلي ذكر أن الإعلان عن القرار المرتقب جاء خلال اجتماع عقدته، الإثنين، اللجنة العليا للإدارة واستصدار القرار بالحزب بزعامة أردوغان، واستمر لأكثر من 4 ساعات.
وذكر الموقع الإلكتروني لصحيفة "خبر ترك" أن اللجنة المذكورة أرسلت طلباً للجنة الانضباط في الحزب تطالبها بفصل كل من داود أوغلو وأيهان سفر أوستون، نائب الحزب السابق عن مدينة سكاريا.
كما شمل القرار سلجوق أوزداغ، النائب البرلماني السابق عن ولاية مانيسا، الذي شغل لفترة نائب الرئيس العام لحزب العدالة والتنمية، وأحد الأسماء المقربة من داود أوغلو، فضلاً عن عبدالله باشجي، نائب سابق بالعدالة والتنمية عن مدينة إسطنبول.
خطوة كشفت حالة التخبط والرعب المطبقة على أردوغان وحاشيته في وقت تشير فيه جميع التوقعات إلى أن استبعاد القيادات المذكورة من الحزب سيحشد الرأي العام ضد أردوغان، ما يعني أن الأخير يقدم من حيث لا يدري قواعده الانتخابية على طبق من ذهب لمنافسيه، خاصة في ظل موجة الاستياء المتنامية في البلاد تنديداً بسياسة الاستنزاف التي يعتمدها أردوغان داخلياً وخارجياً.
المقربون من المنشقين.. بمرمى أردوغان أيضاً
حالة الرعب لم تدفع أردوغان إلى التحضير لفصل المنشقين عن الحزب فقط، وإنما تحولت إلى حالة ارتياب يبدو أنها ستدفعه للتخلص من أي قيادي أو عضو بالحزب فقط لمجرد الشك في قربه من المنشقين.
المثير للسخرية هو أن من يحاربهم أردوغان اليوم هم أنفسهم رفاق الأمس، ما منح انطباعاً سيئاً لرجل بات رمزاً لنكران الجميل، والانقلاب على الأصدقاء، خاصة أن خطوة استبعاد المقربين من المنشقين ترتبط في مجملها بداود أوغلو وباباجان على وجه الخصوص.
داود أوغلو وباباجان من أبرز زعامات البلاد بالسنوات الماضية، كما كانت جميع قيادات الدولة في خانة المقربين تقريباً من الرجلين، ما يعني أن حركة التغييرات المزمع أن يطلقها أردوغان مدفوع بتلك الشكوك، قد تنتهي بتفكيك الحزب ووضع نهاية تراجيدية لحكمه.
صحيفة "ميللي جازيتي" قالت في تقرير نشرته مؤخراً: "إن أردوغان يخطط لاستبعاد المقربين من داود أوغلو وباباجان، وذلك في إطار تغييرات ينوي إجراءها في بنية الحزب قبل مؤتمره المقبل".
توقعات أيدها أردوغان نفسه بقوله في اجتماع الذكرى السنوية لتأسيس العدالة والتنمية عقد في 14 أغسطس/آب الماضي: "هدفنا من عملية التغيير هو تقوية كوادرنا، واختيار قادة لديهم رأي".
وأكد مساعيه خلال اجتماع لجنة الإدارة المركزية للحزب بالقول: "سنبحث عن أشخاص يقومون بأفضل الأعمال. أمامنا وقت طويل"، ما يعني أن الرجل يخطط بالفعل للإعلان عن التغييرات الجديدة بالمؤتمر الاعتيادي السابع للحزب.
واللافت أن أردوغان سبق أن أعلن عقد المؤتمر العام لحزبه مبكراً في خريف العام الجاري، أي قبل نحو عام ونصف العام من موعده المقرر في أغسطس/آب 2021، وهذا ما رجحت المعارضة أن تكون محاولة لإعادة ترتيب الصفوف استعداداً لانتخابات مبكرة.
محو تاريخ وحملات تشويه
متعمداً، تجاهل أردوغان دعوة باباجان وداود أوغلو إلى احتفالات ذكرى التأسيس السنوي للحزب، ولم يكتفِ بذلك وإنما حذف صور رفاق دربه خاصة جول وداود أوغلو من رسائل الاحتفال على الحسابات الرسمية للحزب، كما حذفت صورهما من مقاطع فيديو توثيقية لمسيرة الحزب.
ماهر أونال، رئيس قسم الإعلام والترويج بحزب العدالة والتنمية عزا عدم دعوة داود أوغلو وباباجان لحضور ذكرى التأسيس السنوي، بالقول: "لا يمكن أن نتوقع دعوة أشخاص لا يرون أنفسهم جزءاً من هذه العائلة".
فيما علَّق داود أوغلو على هذا التجاهل قائلاً: "عندما تبدأ أي حركة في إزالة تاريخها، فهذا يعني أنها تصفي نفسها"، وفق جريدة "يني شفق" التركية.
من جانبها، نقلت صحيفة "تي آر 724" المحلية عن مصادر مطلعة بالعدالة والتنمية قولها: "إن أردوغان أصدر تعليمات إلى فروع الحزب في المدن يحذرهم من الاقتراب من داود أوغلو وباباجان".
وأضافت الصحيفة أن الرئيس التركي قال بالحرف الواحد: "ابتعدوا عمن يلقون السلام عليهما"، مطالباً باستبعاد جميع الأسماء المقربة منهما من الحزب.
وتابع "سنجد من يقوم بهذا العمل على أفضل وجه".
وخلال اجتماع حزبي بمناسبة عيد الأضحى الماضي، لم يفوت أردوغان فرصة التعليق على تحركات رفاقه السابقين، قائلاً: "قد يكون بيننا من انضموا إلى حملات مشبوهة مثل الانقسامات، وما إلى ذلك، لكن لا تنسوا أن الأعياد هي أيام الانتصارات".
فتح النار على أردوغان
لم يتأخر داود أوغلو في فتح النار على أردوغان، لتتواتر انتقاداته للأخير وسياساته طوال الفترة الماضية، أخطرها كان تهديده بأنه يملك أسراراً إذا خرجت للعلن، فستجبر أردوغان وحزبه على الخجل.
ومؤخراً، قال داود أوغلو أمام حشد جماهيري في مدينة صقاريا، بمنطقة مرمرة: "كثيرون سيخجلون من النظر في وجوه الناس، إذا فتحت دفاتر مكافحة الإرهاب، وستسودّ وجوه كثيرة".
وأضاف "قريباً سيعلم الجميع أن الفترة من 7 يونيو/حزيران إلى 1 نوفمبر /تشرين الثاني 2015، تعد أخطر وأصعب الفترات السياسية في تاريخ تركيا".
تصريحات زلزلت الأرض تحت أقدام أردوغان، وبلغته رسالة مفادها أن الدفاتر القديمة يمكن أن تفتح في أي لحظة ما لن يكلفه عرشه فقط، وإنما قد يكلفه محاكمة علنية مهينة أمام الأتراك والقضاء، وهذا ما يحشر الرئيس التركي في زاوية ضيقة، وبين خيارين شائكين:
إما القبول بقواعد اللعبة السياسية الجديدة المتوقعة عقب ولادة أحزاب المنشقين، مع كل ما يعنيه ذلك من احتمال تفتت حزبه وانهيار عرشه بدخول تركيا مرحلة تغيير جذرية، وإما الاستمرار في محاربة المنشقين بكل ما يحمل ذلك من مخاطر كشفت أسرار جرائم الماضي.
ففي الحالتين، يبدو أن خريف أردوغان على الأبواب، وهو الذي أراد يوماً "ربيعاً" عربياً مزيفاً أغرق بواسطة أكذوبته مناطق وبلداناً في أتون الصراعات. فإذا به يداهمه الخريف في عقر داره، في حمم تتقاذفها ارتدادات الزلازل التي دك بها أمن الشعوب واستقرارها.
aXA6IDMuMTQ0LjEyMi4yMCA= جزيرة ام اند امز