التنوع الثقافي.. وصية اليونسكو للتراث الإنساني المشترك
اللغة تقف على رأس مظاهر التنوع الثقافي، وهي الركن الأساسي الذي تقوم عليه أي هوية ثقافية محلية، حيث تفتخر كل أمّة بمزايا لغتها.
في 21 مايو/ أيار من كل عام يحتفل العالم بالتنوع الثقافي، بعد أن أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوما عالميا لتعزيز الدور الأساسى للحوار من أجل السلام والتنمية المستدامة.
ويقصد بالتنوع الثقافي وجود العديد من الثقافات في مؤسسة معينة أو في مجتمع معين أو في العالم بأسره، ومن أبرز الأمثلة عليه وجود تجانس بين الثقافات المحلية مع الثقافات الوافدة، ويشير هذا التجانس لقابلية التعايش المشترك تحت مفهوم التنوع وليس الصدام.
ويحترم التنوع الثقافي كل مظاهر الاختلاف في التقاليد واللباس واللغة، وتصور المتعايشين للأخلاق والعادات والتقاليد، وأشكال تفاعلهم مع البيئة المحيطة.
وتقف اللغة على رأس مظاهر التنوع الثقافي، وهي الركن الأساسي الذي تقوم عليه أي هوية ثقافية محلية، حيث تفتخر كل أمّة بمزايا لغتها، وهي راية هويتها، وكذلك يبرز الدين على رأس مظاهر التنوع إلى جانب العادات والتقاليد.
ومن إيجابيات التنوع الثقافي الاعتراف بشرعية جميع الثقافات الموجودة في المجتمع الواحد وإعطاء فرصة للعمل على تحقيق المساواة والحريات بين جميع الثقافات الموجودة عند سنِّ القوانين والتشريعات على سبيل المثال.
وهناك علاقة تلازم بين التنوع الثقافي والهوية الثقافية، حيث إن الهوية لا يمكن أن تكتمل إلا بوجود الثقافة، وتتميز الهوية الثقافية بأنها تمتلك القدرة على فهم التنوع الثقافي لجميع الشعوب.
ووفقا لموقع منظمة التربية والعلوم والثقافة "يونسكو" فاليوم العالمي للتنوع الثقافي يتيح لنا فرصة تعميق مفهومنا لقيم التنوع الثقافي ودعم أهدافها لاتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير التي اعتمدتها اليونسكو في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2005، وهذه الأهداف تتمثل في دعم نظم مستدامة لحوكمة الثقافة إلى جانب تحقيق تبادل متوازن من السلع والخدمات الثقافية وانتقال الفنانين والعاملين الآخرين في مجال الثقافة فضلا عن دمج الثقافة في برامج وسياسات التنمية المستدامة وأخيرا تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وشمل الإعلان العالمي بشأن التنوع الثقافي
مجموعة من المواد التي تؤكد من جديد أن الثقافة ينبغي أن يُنظر إليها بوصفها مجمل السمات المميزة، الروحية والمادية والفكرية والعاطفية، التي يتصف بها مجتمع أو مجموعة اجتماعية، وعلى أنها تشمل إلى جانب الفنون والآداب طرائق الحياة، وأساليب العيش معاً، ونظم القيم والتقاليد، والمعتقدات.
وأكد الإعلان أن الثقافة تحتل مكان الصدارة في المناقشات المعاصرة بشأن الهوية والتماسك الاجتماعي وتنمية اقتصاد قائم على المعرفة، مشيرا إلى أن احترام تنوع الثقافات، والتسامح، والحوار، والتعاون، في جوّ من الثقة والتفاهم، خير ضمان لتحقيق السلام والأمن الدوليين.
وشدد على أن عملية العولمة التي يسهلها التطور السريع لتكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة، وإن كانت تشكل خطراً على التنوع الثقافي، فهي تهيئ الظروف الملائمة لإقامة حوار متجدد فيما بين الثقافات والحضارات.
وطالبت اليونسكو بالنظر للتنوع الثقافي بوصفه تراثاً مشتركاً للإنسانية يمكن أن ننطلق منه نحو التعددية الثقافية التي لا يمكن فصلها عن الإطار الديمقراطي، تمهيدا للتبادل الثقافي ولازدهار القدرات الإبداعية التي تغذي الحياة السياسية.
وتنظر اليونسكو للتنوع الثقافي بوصفه عاملا محركا للتنمية لأنه يوسع نطاق الخيارات المتاحة لكل فرد، وبالتالي فهو أحد مصادر التنمية، لا بمعنى النمو الاقتصادي فحسب، وإنما من حيث هي أيضا وسيلة لبلوغ حياة فكرية وعاطفية وأخلاقية وروحية مرضية، وفي هذا الإطار ينظر لحقوق الإنسان بوصفها ضمانة للتنوع الثقافي.
ومن ناحية أخرى دعت اليونسكو للنظر للحقوق الثقافية بوصفها إطاراً ملائماً للتنوع الثقافي الذي يضمن أن يكون هذا الحق متاحا للجميع إلى جانب كفالة التداول الحر للأفكار بالكلمة والصورة، والحرص على تمكين كل الثقافات من التعبير عن نفسها والتعريف بنفسها، وينظر للتراث الثقافي هنا بوصفه مصدراً للإبداع.
وبنص الإعلان العالمي للتنوع الثقافي فإن السلع والخدمات الثقافية يجري تمييزها عن غيرها من السلع والخدمات لأنها الحاملة للهوية والقيم، ومن ثم تكفل السياسات الثقافية في كل بلد تهيئة الظروف لإنتاج ونشر سلع وخدمات ثقافية متنوعة، عن طريق صناعات ثقافية تملك الوسائل اللازمة لإثبات ذاتها على الصعيدين المحلي والعالمي، وأخيرا تعزيز القدرات على الإبداع والنشر على المستوى الدولي والسعي لإقامة شراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني.