لم يكن من الممكن هدم تنظيم وفكر الإخوان من الخارج بسرعة مثلما تم هدمه من داخله بسبب الصراعات على المال والقيادة.
إن الحالة، التي يعيشها تنظيم الإخوان الآن هي نتاجٌ لاستراتيجيات المواجهة، التي تعدّت عقدًا من الزمان.. صحيح نجح التنظيم في الصمود ببعض الدول -عربيا وأوروبيا- على مدار أكثر من تسعة عقود، ولكنه سقط مع أول اختبار لقياداته من الداخل، على أمل استكمال ملاحقته فكريا وعقائديا، مثلما اكتشفته الشعوب بسرعة.
لقد مرّ تنظيم الإخوان الإرهابي بخلافات وانقسامات قضت على ما تبقى منه.. صحيح هذه الخلافات وقعت بين قادة التنظيم المتصارعين على أجنحته وأمواله، ولكنها كانت ترجمة لسياسات المواجهة منذ تم الإعلان عن تشكيل اللجنة الإدارية العليا للتنظيم برئاسة عضو مكتب الإرشاد، محمد كمال، في فبراير 2014، فسرعان ما أصدر أعضاء مكتب الإرشاد قرارًا بحل اللجنة في مايو 2015، فمثّلت هذه الخطوة بداية الصدام الحقيقية داخل التنظيم.
"الإخوان" عبارة عن أجناس متنافرة يجمعها تنظيم واحد، ولكن اعتمد مؤسس التنظيم، حسن البنا، في بنائه على جمع كل من يحركه الهوى نحو بناء وهم "الخلافة" المتخيَّل عند "الإسلامويين"، فجمع أطيافا مبعثرة متنافرة وأعطى لكل منهم ما يريد حتى ينتمي لتنظيمه الهجين، فجاء الإخوان خليط أجناس على المستوى الفكري والعقائدي والأهداف.
ولعل كل مسار داخل الإخوان يمثل تنظيمًا يُعبر عن فكرة تكاد تتناقض مع بقية المسارات، لذا اختلفوا وتناحروا فيما بينهم، حتى ظهرت ثلاث جبهات رئيسية داخل التنظيم، منها جبهة إبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولي، ومحمود حسين، أمين عام التنظيم، ويُضاف لهذا وذاك جبهة "الكماليين"، وهؤلاء ينتسبون لعضو مكتب الإرشاد، محمد كمال، مسؤول حركة "حسم" الإرهابية.
خلاف الإخوان في بدايته كان محصورًا بين إبراهيم منير ومعه محمود حسين، ومحمود عزت، وكان الأخير قائمًا بأعمال مرشد الإخوان، حيث قاموا بفصل اللجنة الإدارية العليا، التي تم اختيارها بانتخابات داخل التنظيم كي تقوم مقام ما يسمى "مكتب الإرشاد" في إدارة فاعليات التنظيم داخل مصر، وهؤلاء هم من شكّلوا حركة "سواعد مصر.. حسم"، غير أن الخلاف انحصر بين "عزت" و"حسين" و"منير" مع "كمال" في توقيت استخدام العنف، وليس على مبدأ استخدامه أصلا.
الخلاف، الذي ضرب التنظيم من داخله، وصل إلى وسائل الإعلام، بعد أن أجرى محمد منتصر، المتحدث باسم الإخوان، حوارًا، فخرج له محمود حسين على شاشة إحدى القنوات ليرد عليه مُعبرًا عن رؤية "الكماليين" المنحازة للعنف، وهو ما زاد الخلافات الإخوانية، والتي اعتاد التنظيم إخفاءها ضمن عمله السري طوال عقود، وهو ما ترتب عليه إقالة المتحدث باسم التنظيم، محمد منتصر، في ديسمبر 2015، وتجميد عضويته داخل التنظيم، وتعيين طلعت فهمي، بدلًا منه، وهو ما دفع جبهة "الكماليين" أو "الإخوان في مصر" لرفض قرار مكتب الإخوان التابع لـ"منير"، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه بداية الصراع بين الحرس القديم والحرس الجديد داخل التنظيم.
في فبراير عام 2016 تم تشكيل اللجنة الإدارية العليا الثالثة، وهو ما أدى إلى مزيد من الانقسام والتأزم داخل التنظيم، وربما اتسع هذا الانقسام في أكتوبر عام 2016 بعد إعلان مقتل رئيس مليشيا "سواعد مصر.. حسم"، محمد كمال، في تبادل لإطلاق النار مع أجهزة الأمن المصرية، وهو ما دفع أتباع مؤسس الجناح المليشياوي للإخوان للإعلان عن تشكيل ما سُمي بـ"المكتب العام"، وقاموا باختيار "مجلس شورى جديد"، وهو ما استتبع فصلهم من التنظيم، وهذا الأمر عمّق الخلافات داخل التنظيم.
في أغسطس 2020 ألقت أجهزة الأمن المصرية القبض على القائم بعمل مرشد الإخوان، محمود عزت، وكان ذلك بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير الإخواني، فسقط التنظيم على أعتاب فراغ منصب القائم بعمل المرشد، ومن هنا بدأت فصول خلاف جديد بين الجبهتين المتصارعتين، "منير" و"حسين"، فكل منهما يرى أحقيته في تولي منصب المرشد بعد فراغه، فيما بقيت الجماعة الإرهابية بلا رأس، أو قل إنها صارت بثلاثة رؤوس.
لقد تطور الخلاف بين جبهتي "منير" و"حسين"، حيث صدر في أكتوبر عام 2021 قرار بإيقاف 6 مما يسمى "مجلس الشورى العام" وهم: محمود حسين ومدحت الحداد وهمام علي يوسف ورجب البنا وممدوح مبروك ومحمد عبد الوهاب.
وهو ما ردّت عليه جبهة "حسين" ببيان عزل إبراهيم منير وأعوانه من مناصبهم وحل اللجنة الإدارية، التي تدير شؤون الجماعة الإرهابية منذ أن تم إلقاء القبض على محمود عزت.
منذ هذا التاريخ حتى الآن، قامت كل جبهة من جبهات الإخوان بإنشاء مؤسسات ومؤسسات بديلة داخل التنظيم، مع عدم اعتراف كل جبهة بشرعية الأخرى، وما يصدر عنها من قرارات، وهذا ربما يؤكد هشاشة التنظيم من ناحية، وزيف شعارات توحده على كلمة، والتي كان يرفعها أمام الناس من ناحية أخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة