بدأ نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحصد عواقب سياساته المثيرة للتوتر والصراعات، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل أيضاً داخل معسكر التحالف الغربي الذي تعد تركيا جزءا منه بحكم عضويتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) .
فبالأمس، أقرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات على أنقرة بسبب شرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس 400"، شملت حظر كل تراخيص التصدير الأمريكية والتصاريح الممنوحة لوكالة المشتريات الدفاعية التركية، وتجميد أرصدة وفرض قيود على تأشيرة رئيس المؤسسة إسماعيل دمير ومسؤولين آخرين، في تطور اعتبره وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو دليلا على التزام واشنطن الكامل بتنفيذ قانون مكافحة أعداء أميركا المعروف باسم كاتسا CAATSA ، وقبل ذلك بأيام قليلة، قرر قادة الاتحاد الأوروبي خلال قمتهم التي انعقدت في بروكسل الخميس الماضي، فرض عقوبات على أفراد وكيانات تركية على خلفية تصرفات أنقرة "غير القانونية والعدوانية" في البحر المتوسط ضد اليونان وقبرص، مع إطلاق تحذيرات جدية بأن هذه العقوبات ستتسع مستقبلاً إذا واصلت تركيا هذه التصرفات.
وتنطوي هذه العقوبات الأمريكية والأوروبية، على العديد من الرسائل والدلالات المهمة لأنقرة وسياساتها وعلاقاتها بحلفائها الغربيين: أولها، هو أن دول التحالف الغربي لم تعد قادرة على التسامح أو التغاضي عن استمرار السياسات العدوانية التركية في شرق المتوسط، أو تجاوزها لقواعد التحالف الغربي عبر محاولة اللعب على الحبال والتقارب تارة مع روسيا وتارة مع الولايات المتحدة، ومن ثم فهي تمثل رسالة واضحة لأردوغان وأنقرة بأن زمن التغاضي عن سياساته وممارساته الضارة قد ولى وأنه عليه أن يتحمل نتائج أفعاله وسياساته ومغامراته غير المدروسة.
ثانيها، أن هذه العقوبات تأتي قبل أسابيع قليلة من استلام الرئيس جو بايدن السلطة، وهو المعروف بمواقفه الصارمة تجاه أنقرة وممارساتها، ما يعني أن مواصلة أنقرة نهجها العدواني في المنطقة والعالم سيواجه برد أقسى من قبل واشنطن في المرحلة المقبلة. ولعل هذا يفسر سبب اللهجة المهادنة والخاضعة التي تحدث بها أردوغان عن بايدن في الآونة الأخيرة.
وثالثها، أن هذه العقوبات تأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي من مشكلات كبيرة مع تراجع الليرة التركية وارتفاع مستويات التضخم إلى نسب كبيرة، وتدهور قطاع السياحة التركي تحت وطأة جائحة كورونا، وتفاقم ظاهرة الفساد التي انتهت باستقالة وزير المالية وصهر أردوغان، براءات ألبيرق، بعد اتهامات بالتلاعب المصرفي، وغيرها من المؤشرات الكاشفة عن ضعف وهشاشة الاقتصاد التركي. ورغم أن هذه العقوبات الجديدة ليست قوية بما يكفي حتى الآن، إلا أنها ستفاقم حتماً من حالة التردي الاقتصادي الحالي في تركيا، وتوجه رسائل سلبية عن مستقبل هذا البلد الاقتصادي في ظل التحذيرات من عقوبات أشد في المستقبل.
ولكن هل تكبح هذه العقوبات جماح أردوغان؟
الإجابة هي نعم؛ لأن السلطان العثماني الجديد المعروف بتقلباته دأب على تغيير سياساته وسلوكياته للتكيف مع الظروف المتغيرة من حوله. وسيرى بالتأكيد في هذه العقوبات مؤشراً جاداً على بداية مرحلة جديدة من التشدد الغربي تجاه مغامراته وتصعيده العسكري في العديد من الأزمات الإقليمية من شرق البحر المتوسط إلى إقليم ناجورنوكاراباخ مروراً بليبيا وسوريا والعراق وغيرها. وبالتالي فإنه سيتجه حتماً إلى تغيير هذه السلوكيات لتهدئة العواصف ضده والخضوع للضغوط الغربية، كما فعل من قبل مع موسكو عندما صعدت ضده عقب أزمة إسقاط المقاتلة الروسية. أما إذا استمر هذا النظام في مواصلة سياساته المثيرة للتوتر والأزمات فلاشك أن وضعه، الداخلي والخارجي، سيكون حرجاً للغاية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة