ظهور قاسم سليماني إلى العلن وبشكل أسطوري يعود إلى أحداث العراق في عام 2003 مع أنه ترأس "فيلق القدس"
لا تذكر عمليات القتل الجماعية التي تتم في سوريا والعراق ولا الاغتيالات السياسية في المنطقة وحتى باقي دول العالم، ولا يتم ذكر سيرة تأسيس المليشيات الطائفية التي هي أدوات تحقيق الحلم الثوري للنظام الإيراني إلا وهي مقرونة باسم الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" الذي قتلته الولايات المتحدة في العراق يوم الجمعة الماضي.
ويعود ظهور قاسم سليماني إلى العلن وبشكل أسطوري إلى أحداث العراق في عام 2003 مع أنه ترأس "فيلق القدس" قبل ذلك بفترة، فصار معتاداً أن تجده يتجول في العواصم العربية التي يوجد فيها النفوذ الإيراني مثل: لبنان أو العراق، فأصبح بمثابة رمز لتصدير مبادئ الثورة الإيرانية، خصوصا بعد ازدياد التمدد الإيراني في سوريا واليمن على أنقاض الاتفاقية النووية التي وقعتها إدارة باراك أوباما في عام 2015 التي كانت تعتقد أن كل مشاكل هذا النظام مرتبطة بالبرنامج النووي، ولكن الأمر تحول إلى كارثة على المنطقة والعالم من خلال الفوضى التي نشرها سليماني، وصل به الأمر إلى أن يصبح أهم شخصية بعد المرشد الأعلى للنظام الإيراني، حتى أنه كان الفاعل الرئيسي للسياسة الخارجية الإيرانية التي يؤمن بها علي خامنئي للمنطقة.
يمكن فهم العملية على أنها رسالة حقيقية للنظام الإيراني فحواها عدم تجاوز السقف المسموح به في التعامل بين الاثنين الذي حافظ عليه النظام الإيراني على مدى أربعة عقود، وأن مجرد التفكير في تجاوز الخطوط المسموحة لإيران ستكون النتيجة تجاوز الإدارة الأمريكية بالطريقة التي تلقنهم درساً عملياً
معروف أن لإيران شكلين للسياسة الخارجية؛ الأولى سياسة دولة عندما تتعامل مع الغرب عموماً ويمثلها في ذلك جواد ظريف ويتفاوض معها، والأخرى سياسة خارجية لإيران الثورة، وهذه ينفذها قاسم سليماني الذي كان يعمل على تصدير مبادئ الثورة للمنطقة باستخدام الميليشيات التي أسسها في المنطقة وكانت تتلقى أوامرها منه مباشرة، فكان بمثابة القائد الفعلي للمشروع الإيراني السياسي حتى وصل به إلى أن "يتضخم سياسياً"، لأن يتعدى الخطوط الحمراء التي ينبغي ألا يتجاوزها في تهديد الوجود الأمريكي في العراق، عندما أمر مليشياته بالاعتداء على السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء، وهدد الوجود الدولي في المنطقة التي يدرك الجميع على مر التاريخ أنها تقوم على توازن بين القوى الكبرى بسبب المصالح الاستراتيجية لها.
أن يغيب سليماني عن المنطقة فجأة في هذه المرحلة المهمة من الاستراتيجية فهذا معناه أن آمال النظام الإيراني التي وضعتها فيه سيصيبها كثير من الارتباك والقلق، وبالتالي فإنها تحتاج إلى فترة طويلة لأن تستعيد بريقها مرة ثانية (إن عادت)، على الأقل لأن الضربة أحدثت هزيمة استراتيجية ثقيلة على النظام الإيراني وستكون لها تداعياتها الخطيرة على كثير من مشاريع النظام الإيراني وعلى مجريات الأحداث في الداخل الإيراني وخارجه.
وقبل أن نرى تلك التأثيرات السلبية وانتكاسات لمشاريع النظام - الذي أخطأ في أن يعتمد على شخصية واحدة في مشاريعه، يمكن فهم العملية على أنها رسالة حقيقية للنظام الإيراني فحواها عدم تجاوز السقف المسموح به في التعامل بين الاثنين والذي حافظ عليه النظام الإيراني على مدى أربعة عقود، وأن مجرد التفكير في تجاوز الخطوط المسموحة لإيران ستكون النتيجة تجاوز الإدارة الأمريكية بالطريقة التي تلقنهم درساً عملياً على اعتبار أن سليماني لم يكن بذلك الهدف الصعب على استهدافه، ولكن تركه كل تلك الفترات ليس إلا نوعاً من التفاهم الضمني.
سقطت صورة البطل الإيراني الذي كان الجميع يعتقد أنه يجيد "الرقص مع الذئاب" على مدى أربعة عقود كاملة، وتم استهداف أهم شخصية بعد المرشد الأعلى فيها، وبالتالي يكون استعادة تلك الأسطورة يحتاج إلى رد يوازي حجم الفعل الأمريكي، وهذا لن يتحقق من خلال الاستراتيجية الإيرانية القائمة على الاعتماد على أذرعها في المنطقة، بل الأمر يحتاج إلى كسر تلك القاعدة التقليدية بأن يرد النظام بنفسه، وهو أمر مستبعد لأنه نظام لا يجرؤ أصلاً على المواجهة!!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة