عندما تحدد إيران 35 هدفا أمريكا سيتم النيل منها انتقاما لمقتل سليماني، ترد واشنطن بأنها وضعت 52 هدفا إيرانيا سيتم التعامل معها
مخطئ من يظن أن الأهداف الإيرانية - مواقع عسكرية كانت أو حتى أشخاص - لم تكن في مرمى النيران الأمريكية ومنذ زمن ليس بالقريب، ولكن أن تأخذ الولايات المتحدة قرار ضرب أهدافها المتعلقة بإيران هو الشيء الجديد الذي طرأ على الساحة الدولية، وهذا ما يتضمنه حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وإن بدا منتشيا خلال إعلانه خبر مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، فإنّه أكد في الوقت ذاته أنّ بلاده لا تسعى للحرب مع إيران بقدر محاصرتها وإجبارها على تغيير سياستها تجاه واشنطن وحلفائها.
ثمة من يتحدث بأن قرار استهداف سليماني كان عابرا لموافقة ترامب من عدمها وأن المؤسسة الأمنية الأمريكية عزمت على التخلص من رجل إيران الأقوى مهما كان رأي الرئيس الأمريكي، وهذا ما كنا لنقتنع به لو أنّ ساكن البيت الأبيض غير ترامب، بمعنى أن الرجل كان يبحث عن أوراق تثبت عرى ولايته الأولى والمضي نحو ولاية ثانية خصوصا بعد مضايقات الديمقراطيين له داخل قبة مجلس النواب ومحاولات حجب الثقة عنه، وهذا الذي لم يكفوا عنه، وإلا فما معنى تصريح رئيسة المجلس الديمقراطية نانسي بيلوسي بعد استهداف سليماني ومن معه بأنّه تم الشروع باستخدام الأعمال القتالية من دون تفويض استخدام القوة العسكرية ضد إيران أو استشارة الكونغرس؟
عندما تحدد إيران 35 هدفا أمريكا سيتم النيل منها انتقاما لمقتل سليماني وترد واشنطن بأنها وضعت 52 هدفا إيرانيا سيتم التعامل معها لحظة تحرك طهران عسكريا، فإن ذلك يعني أمرا واحدا فقط؛ أن الشرق الأوسط على فوهة بركان حقيقي وأن شعوب المنطقة ستواجه كارثة حقيقية
أمران اثنان تحققا في زمن ترامب وسوف يساعدانه على المضي قدما في كسب مزيد من أصوات ورضا الأمريكيين في الداخل؛ هما التخلص من زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي، وكذلك قاسم سليماني المصنف على لائحة الإرهاب الأمريكية، ولكن ما الذي يمكن أن تدفعه المنطقة إثر هذا السجال الأمريكي - الإيراني الذي انتقل من مرحلة الحرب بالوكالة إلى المواجهة العسكرية وإن على نطاق ضيق؟
في واقع الأمر كلتا الدولتين تلعبان أوراقهما خارج حدود بلديهما، وهذا سيشكل عبئا وثقلا أمنيا وبشريا ستكون خسائره باهظة لدول الشرق الأوسط وتحديدا العربية منها.
فعندما تحدد إيران 35 هدفا أمريكا سيتم النيل منها انتقاما لمقتل سليماني وترد واشنطن بأنها وضعت 52 هدفا إيرانيا سيتم التعامل معها لحظة تحرك طهران عسكريا، فإن ذلك يعني أمرا واحدا فقط؛ أن الشرق الأوسط على فوهة بركان حقيقي، وأن شعوب المنطقة ستواجه كارثة حقيقية، لأن كرة النار إن تدحرجت لن تبقي ولن تذر وستصل إلى ساحات كثيرة ولا نبالغ إن قلنا إنها إرهاصات أولية لحرب عالمية ثالثة.
مع كل هذا التهديد والوعيد بين الطرفين الأمريكي والإيراني، ثمة أطراف كثيرة عربية ودولية تعمل على نزع فتيل التوتر بين الجانبين؛ ليس حبا في إيران ولا تبنياً لوجهة نظر الولايات المتحدة على الإطلاق، ولكن من أجل شعوب المنطقة المثقلة بالدماء، فمن المعروف أن واشنطن تحتفظ بتحالفات كثيرة مع بعض الدول العربية وفقا للأعراف الدبلوماسية التي تحدد العلاقات بين الدول، ولطهران نفوذ بالعراق واليمن ولبنان وسوريا، وأن أي مواجهة بين العدوين ستخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، وهذا ما لا تريده الشعوب العربية ولا حكامها الذين يسعون جاهدين من أجل تنمية بلدانهم والنهوض بها اقتصاديا وأمنيا، والأمثلة كثيرة على ذلك في حين لا شيء تخسره إيران؛ فهي دولة محاصرة اقتصاديا ودوليا نتيجة سياستها التوسعية، وفي المقابل لن تصل التهديدات الإيرانية إلى حدود الولايات المتحدة الدولة الأقوى عالميا والأكثر حصانة.. فساحة المواجه حتما ستكون الأقطار العربية، وهذا ما دفع ببعض الدول للعمل على تهدئة الأمور وضبط النفس قبل فوات الأوان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة