هل تدفع الاحتجاجات لبنان إلى تعويم الليرة؟
خبراء اقتصاد ومال يرون أن خفض العملة يجلب كارثة على لبنان التي بلغت ديونها 150% من الناتج المحلي الإجمالي نصفها بالدولار
تفرض الأزمة السياسية والمصرفية التي يعيشها لبنان ضغطا متناميا على ربط عملته المحلية بالدولار المعمول به منذ 22 عاما، وتخشى الصناديق الأجنبية من أن خفض قيمة العملة الآن قد يجر كارثة على بلد مثقل أساسا بأحد أكبر الديون الأجنبية في العالم.
ويتصاعد خطر خفض قيمة العملة، بينما يكابد لبنان ضغوطا اقتصادية هي الأشد منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، في ظل احتجاجات عارمة أطاحت بائتلاف حكومة سعد الحريري.
كان رياض سلامة حاكم مصرف لبنان المركزي استبعد مجددا، الإثنين، الخروج على ربط سعر الصرف المعمول به منذ أمد بعيد، قائلا إن الحكومة تملك الوسائل اللازمة لصيانته.
لكن في ظل انخفاض سعر صرف السوق السوداء أكثر من 20% عن سعر الربط، فإن المراقبين يقولون إن خفضا للقيمة في خانة العشرات تزداد فرص حدوثه، ولا سيما في أعقاب استقالة الحريري الثلاثاء.
وعلى العكس من الاقتصادات العديدة الأخرى التي تعمل بمثل ربط العملة، فإن على لبنان التزامات خارجية ضخمة، إذ تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 150%، وهي ثالث أعلى نسبة في العالم.
وستقفز النسبة أكثر في حال خفض قيمة العملة، مما سيكبل بدرجة أكبر قدرة بيروت على سداد ديونها.
وقال تيموثي آش، استراتيجي الأسواق الناشئة في بلو باي لإدارة الأصول، "ببساطة، سعر الصرف الثابت ونموذج النظام المصرفي لا يعودان بالنفع على الاقتصاد عموما".
وتابع "مزيج ما من إعادة هيكلة الدين وسعر صرف أكثر مرونة وتنافسية يبدو مرجحا".
وظل لبنان لفترة طويلة يحتل جزءا مريحا في محافظ العديد من الصناديق الأجنبية رغم نوبات من القلاقل، مثلما حدث في 2008 عندما سيطر مقاتلو حزب الله لفترة وجيزة على العاصمة، فإنه لم يتخلف قط عن سداد ديونه الخارجية.
وبحسب بيانات مورننجستار وإي.بي.اف.آر جلوبال، فإن بلاك روك وجيه.بي مورجان وأموندي وكريدي سويس وإنفسكو من بين كبار اللاعبين العالميين الحائزين للدين اللبناني حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
لكن الأزمة الحالية تهدد تلك الديناميكية، ومعها ربط العملة، الذي ظل دعامة استقرار منذ بدء العمل به في 1997.
وبقي سعر الربط ثابتا عند 1507.5 ليرة للدولار طوال تلك الفترة.
وترتفع مستويات الدين المقوم بالدولار الأمريكي، الذي يشكل نحو نصف إجمالي التزامات لبنان، وهو أحد الأسباب في أن خفض قيمة العملة قد يكون أشد إيلاما عما حدث في أسواق ناشئة أخرى، مثل تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية في خضم الأزمة المالية الآسيوية في 1997.
وقال بريت ديمنت، مدير دين الأسواق الناشئة العالمي لدى أبردين ستاندرد انفستمنتس "هذه الالتزامات الكبيرة بالعملة الصعبة هي الخطيئة الأصلية للأسواق الناشئة".
وتابع: "خلال الأزمة الآسيوية في 1997 و1998 كان معظم الدين بالعملة المحلية، وليس دينا دولاريا".
وأشار إلى أن " معظم الأسواق الناشئة الأخرى معظم ديونها بالعملة المحلية، وبالتالي لا تتسبب في مشاكل كبيرة عندما تكون في وضع مشابه لوضع لبنان حاليا".
وعلى خلاف دول الخليج، التي قدمت الدعم المالي لبيروت في الماضي، فإن لبنان لا يملك الثروات الهائلة التي تدرها إيرادات النفط لمساعدته في دعم الربط.
وهو يعتمد بدلا من ذلك على تدفقات ضخمة من الجاليات اللبنانية الكبيرة في الخارج لملء خزائن بنوكه، التي ساعدت بدورها في تمويل عجز الميزانية وخدمة عبء الدين المتصاعد.
لكن مع تباطؤ تلك التدفقات في الفترة الأخيرة تفاقمت مشاكل اقتصاد لبنان.
ورغم ذلك.. يملك لبنان مستويات "مريحة" من الاحتياطيات الإجمالية الرسمية البالغة نحو 38 مليار دولار حتى منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بما يغطي نظريا واردات نحو 12 شهرا، وفقا لتقديرات جابريس إيراديان، كبير اقتصادي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي.
وقدر إيراديان خطر خفض قيمة العملة اللبنانية بأقل من 50% في المدى القصير، لكنه أقر بأن خفضا بأكثر من 10% قد يحدث إذا طال أمد الأزمة السياسية.
والسؤال هو عن حجم المتاح من تلك الاحتياطيات، ويقدر البعض حجم القابل للاستخدام منها بربع الإجمالي تم استخدام بعضا منها في أسابيع الاضطرابات القليلة الماضية، التي ظلت بنوك البلاد مغلقة خلالها لـ11 يوما.
وتعاود البنوك العمل جزئيا الخميس لتقييم الأضرار اللاحقة بقواعد ودائعها، وتستهدف العودة بشكل كامل الجمعة.
وفي مقابل تلك الاحتياطيات ينتصب جدول سداد ديون كثيف، يبدأ بسندات حجمها 1.5 مليار دولار تستحق في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بينما تشير عوائد السندات في السوق الثانوية إلى تكلف اقتراض لعامين تتجاوز الـ30%.
ولم يطلب لبنان حتى الآن دعما من صندوق النقد، وقد أبدى الحريري من قبل تحفظات إزاء مقترحات الصندوق التي قال إنها تشمل تعويم الليرة.
لكن مع استقالة الحريري فإن المستثمرين ما زالوا ينتظرون لمعرفة إن كانت أي حكومة جديدة ستأخذ موقفا مختلفا حيال ربط سعر الصرف وطلب دعم صندوق النقد.
وقال إيراديان "إذا خيمت الضبابية لفترة طويلة فإن فرص خفض قيمة العملة ستزداد، وقد يتجاوز ذلك 15%".
aXA6IDMuMTQ1LjU3LjUg جزيرة ام اند امز