انتقادات بلا رد.. هل يتجنب ترامب المواجهة مع ماسك؟

شكل صمت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غير المعتاد على انتقادات رجل الأعمال إيلون ماسك الأخيرة ظاهرة تستحق التأمل، خاصة وأن أي هجوم عليه يُقابَل عادةً بحملة مضادة شرسة.
واستخدم ماسك منصة (إكس) يوم الثلاثاء للهجوم على مشروع قانون الميزانية الضخم الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويسعى لإقراره في الكونغرس.
وقال ماسك في منشور على منصته إكس: "إن مشروع قانون الميزانية الضخم والشائن" في الكونغرس "هو رجس يثير الاشمئزاز"، في أشد انتقاد لأجندة ترامب يصدر عن رجل الأعمال المشهور. مضيفا: "عار على أولئك الذين صوّتوا لصالحه، أنتم تعلمون أنكم ارتكبتم خطأ".
واكتفى بالإشارة إلى أن مشروع القانون يقوّض جهوده لخفض النفقات. والثلاثاء قال إن مشروع قانون الميزانية الذي تجري مناقشته في الكونغرس سيضع "المواطنين تحت أعباء دين ساحق لا يمكن تحمّله". وكشف منشوره إلى العلن توترا متزايدا بين البيت الأبيض وماسك الذي منح 300 مليون دولار لحملة ترامب الرئاسية للعام 2024.
بيد أنه خلافاً للمعتاد، لم يصدر حتى الآن أي رد فعل علني من الرئيس الجمهوري المعروف بتصريحاته العدوانية، إدراكا منه للتأثير الهائل لماسك على الناخبين الشبان الشغوفين بالتكنولوجيا والذين شكّلوا جزءا أساسيا من قاعدته الانتخابية العام الماضي.
وعندما سُئلت الناطقة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، عن مدى غضب ترامب، أكدت معرفته بموقف ماسك لكنها شددت على تمسكه بقانونه، مشيرة إلى أن ذلك "لا يغير رأيه". ويشير هذا التوجه إلى أن فريق ترامب يتعمد تفادي تصعيد الخلاف مع الملياردير.
تفسيرات متعددة للصمت
يُمكن تفسير صمت ترامب غير المألوف بعد انتقادات ماسك من خلال عدة زوايا مترابطة. أولاً، رغم حدة الهجوم الذي شنه ماسك على مشروع القانون ووصفه إياه بـ" رجس يثير الاشمئزاز"، إلا أنه تجنّب توجيه النقد بشكل مباشر إلى شخص دونالد ترامب نفسه.
وهذا التمييز الواضح بين مهاجمة السياسة ومهاجمة الشخص يمنح الطرفين مساحة للمناورة: فماسك يحتفظ بقدرته على التركيز على موقفه من التشريع، بينما يمكن لترامب تصنيف هذا الاعتراض ضمن سلسلة الانتقادات الواردة من أطراف متنوعة، بما في ذلك بعض الأصوات داخل حزبه الجمهوري مثل النائبة مارجوري تايلور غرين، دون أن يُعتبر هجوماً شخصياً عليه.
فضلاً عن ذلك، فإن صمت ترامب الحالي ليس حدثاً معزولاً، بل ينسجم مع نمط سابق. فقبل أيام فقط، تجاهل ترامب تعليقات لماسك حول نفس مشروع القانون كانت أكثر اعتدالاً ووُردت خلال مقابلة تلفزيونية، ولم يرد عليها حتى عندما استُفسر عنها صراحة في مؤتمر صحفي. هذا التكرار في عدم الرد يُشير إلى أن تجاهل انتقادات ماسك قد يكون نهجاً متعمداً وليس مجرد صدفة.
لكن التفسير الأكثر إقناعاً يكمن على الأرجح في التقدير الشخصي الاستثنائي الذي يكنّه ترامب لماسك. فالرئيس يُظهر تجاه أغنى رجل في العالم مستوى من التسامح والتمييز نادراً ما يُبديه مع الآخرين، حتى مع حلفائه.
ويبدو أن الإعجاب الكبير الذي يكنه ترامب لشخصية ماسك ونجاحاته التجارية يتغلب على ردة الفعل العدائية المعتادة تجاه المنتقدين. ورغم انتهاء الدور الاستشاري الرسمي لماسك في البيت الأبيض، يبدو أن ترامب لا يزال حريصاً على إبقائه ضمن دائرة المؤيدين أو المحايدين على الأقل، مما يدفعه لكبح جماح غريزته في الرد العنيف للحفاظ على هذه العلاقة الاستثنائية.
هذا الاستثناء في التعامل يُبرز مستوى "ضبط النفس" اللافت لرجل لا يُعرف عنه التسامح مع المعارضة.