فئران وفوضى في «بيت مجنون».. هنا تُدار بريطانيا
مزيج غريب من التاريخ العريق والفوضى اليومية يميز مقر رئيس الوزراء البريطاني المعروف بـ"10 داونينغ ستريت".
وبحسب مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، فإنه رغم رمزية هذا المقر الذي يطلق عليه البريطانيون اسم "المنزل"، فإنه يختلف من الداخل عن الصورة اللامعة التي يراها الناس.
فئران، ستائر شبكية قديمة، حمامات تشبه حمامات الجدات، سجاد ملصق بشريط لاصق، وتدفئة مختلة باستمرار، وإشارة هاتف سيئة..
قد تبدو كلها تفاصيل صغيرة داخل "داونينغ ستريت"، لكن الموظفين يؤكدون أن لها تأثيرها في طريقة عمل الحكمة واتخاذ القرار.
ومقر رئيس الوزراء البريطاني هو مبنى قديم متهالك مكون من 3 منازل تعود للقرن الـ17 تم ربطها ببعضها على مر القرون، ويضم شبكة ضيقة من الغرف الصغيرة في 4 طوابق وقبو.
هذا التصميم للمبنى يرسخ ثقافة "العزلة" و"الشللية"، بسبب ضيق الغرف وكثرة الممرات، وفقا لما ذكره عدد من الموظفين والمسؤولين للمجلة.
"بيت مجنون"
وصف أحدهم المكان بأنه "بيت مجنون" لا يليق بدولة من مجموعة السبع، فيما يرى آخر أنه "استعارة مثالية لحال بريطانيا: مبنى فوق نفسه، مليء بالترقيعات، وبأبواب تؤدي إلى لا شيء".
وبشكل ما، يتفق رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مع هذه الآراء حيث يكره المكان وتربطه به علاقة متوترة خاصة أنه يفضل المساحات المفتوحة والعمل الجماعي، وبالتالي يجد صعوبة في العمل داخل هذه المتاهة القديمة.
وقبل دخول الحكومة، اعتاد ستارمر على العمل في مقر حزب العمال العصري المطل على نهر التايمز، وكان معروفًا بأنه "يحب الوقوف فوق مكاتب الموظفين" أثناء العمل وهو أسلوب يصعب تطبيقه داخل "داونينغ ستريت".
وأكد مسؤولون سابقون أن المبنى يجعل مشكلات القيادة لدى ستارمر أصعب، خاصة فيما يتعلق بالتواصل بين الأفراد، إذ غالبًا ما تتلقى الفرق الحكومية تعليمات مختلفة من موظفين مختلفين في "داونينغ ستريت"، بسبب ضعف التنسيق الناتج عن تصميم المبنى نفسه.
وغالبا ما يعاني رؤساء الوزراء وطواقمهم بسبب عدد من المشكلات اليومية مثل ندرة الحمّامات مع وجود حمامين فقط خارج الشقق الخاصة، أحدهما مخصص للمسؤولين عن صيانة المبنى.
ويشبه الموظفون الحمامات بـ"حمام الجدات" نظرا لقدمها ورثاثتها، ومن بين القصص المتداولة، يتردد أن كبار المسؤولين في عهد رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس اضطروا للوقوف في طوابير بانتظار للاستحمام بعد ممارسة الرياضة صباحًا.
كما تظهر مشكلات التدفئة والتبريد بشكل دائم، فقد يكون المكان شديد الحرارة أو شديد البرودة، وقال أحد الموظفين إنه أثناء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2019، كان المكان حارًا لدرجة أن مكياجه بدأ يذوب.
وفي الصيف، يتسبب فتح النوافذ في سماع ضوضاء التدريبات العسكرية الأسبوعية في شارع "هورس غاردز باريد"، مما يجبر الموظفين على الانتقال من غرفة إلى أخرى لإجراء مكالماتهم.
وهناك أيضا مشكلات التقنية التي تجعل تنسيق العمل شاقا في ظل أنظمة العمل المختلفة بين داونينغ ستريت ومكتب مجلس الوزراء، وكثرة الهواتف الحكومية، وضعف شبكة الهاتف داخل المبنى.
كذلك يعد غياب الخصوصية أزمة كبيرة داخل "داونينغ ستريت" فالحديقة صغيرة ومكشوفة، وهناك دائمًا صحفيون يراقبون البوابات الأمامية والخلفية وحتى الحمام الخاص لرئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر كان محط اهتمام الضيوف الذين أرادوا استخدامه لأسباب رمزية.
تداعيات وتوترات
من بين المشكلات التي تعكس الطابع الفوضوي والارتجالي للمكان، تغيير وظائف الغرف بين حكومة وأخرى.
فمثلا هناك غرفة كانت غرفة أطفال لدى رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون، وتحولت في عهد خليفته تيريزا ماي إلى غرفة اجتماعات قبل أن يخصصها بوريس جونسون لوالدة زوجته ثم عادت في النهاية لتصبح غرفة عمل.
وفي انعكاس على مجريات العمل داخل داونينغ ستريت، يعد القرب الجغرافي من مكتب رئيس الوزراء العامل الأكثر تأثيرًا والذي يمنح صاحبه النفوذ.
وهذا ما يجعل الموظفين يتجولون في الممرات لاختلاق "مصادفات" للحصول على قرار سريع أو دعم لفكرة، حيث منح بعض رؤساء الوزراء الموظفين وصولًا سهلًا، بينما كان آخرون أكثر تشددًا.
من جهة أخرى، يؤدي توزيع المكاتب داخل المبنى إلى توترات سياسية، فمثلا واجهت سيو غراي كبيرة موظفي ستارمر الأولى اتهامات بأنها أبعدت أقرب مساعدي ستارم مورغان ماك سويني عن مكتب رئيس الوزراء، وهو ما نفاه البعض.
ولمواجهة تحديات المبنى، حاول رؤساء وزراء سابقون تغيير طريقة استخدام "داونينغ ستريت"، ففكر توني بلير في نقل مقر رئاسة الوزراء إلى مبنى حديث وتحويل هذا المقر إلى متحف لكنه فشل.
كما حاول غوردون براون بناء "غرفة حرب" وتحويل أكبر غرفة في المبنى إلى مكتب مفتوح، لكنه لم يحقق نجاحًا سياسيًا يثبت جدوى هذه التغييرات.
أما ليز تراس فحاولت إعادة توزيع المكاتب وإخراج وحدة السياسات خارج المبنى، وهو ما أغضب موظفين كثيرين، في حين عانى ريشي سوناك من "الانتقال العكسي" من وزارة الخزانة الضخمة إلى مكتب أصغر بكثير.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE4IA== جزيرة ام اند امز