أيقظت القمة الاستشرافية لحكومات المستقبل، في دبي، ما في النفس من أحلام النهضة واستشراف الغد، وعلى وقع خطاب قيادة الإمارات، الداعي لزراعة الأمل بالنهوض، في مواجهة الإحباط واليأس ومواصلة درب تأصيل صناعة الحضارة
أيقظت القمة الاستشرافية لحكومات المستقبل، في دبي، ما في النفس من أحلام النهضة واستشراف الغد، وعلى وقع خطاب قيادة الإمارات، الداعي لزراعة الأمل بالنهوض، في مواجهة الإحباط واليأس ومواصلة درب تأصيل صناعة الحضارة، وعلومها الإنسانية والاجتماعية والعلمية، واستخدام مناهجها استخداماً خلاقاً.
سألتني إعلامية، ليلة انعقاد هذه القمة، عن معنى ومغزى أطروحة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد «استئناف الحضارة العربية»، قلت لها: إنه الحلم، في قيامة العرب لصناعة نهضة حضارية حديثة.. فهل نستطيع إلى ذلك سبيلاً؟
تفاعل ملايين العرب مع هذا الحلم، ولسان حالهم يقول: نعم.. نستطيع، إذا غيرنا نظرتنا إلى المستقبل، وإذا أحدثنا ثورة تربوية وتعليمية في المناهج والبحوث، وفي إنتاج العلم والتقانة، نعم.. نستطيع، إذا اقتنع هذا الجيل الطالع بأن الحلم يمكن أن يتحقق، ووفرنا أمامه إمكانات التعليم العصري الإبداعي، وحولنا النهضة التنموية في مدى الحلم إلى حضارة.
قلت للإعلامية: القمة ليست مجرد حدث روتيني، هي مختبر عالمي لفحص الأفكار للمستقبل، وهي منصة للتفكر في ما لا يُفكر فيه، ولتبادل الرؤى بين رواد الإبداع والتكنولوجيا، والتجارب التعليمية والتنموية الناجحة في العالم.
وهي أيضاً رسالة إلى الداخل الإماراتي بشكل خاص، والعربي بشكل عام، تدعو إلى بذل الجهود لنشر ثقافة استشراف المستقبل، ودراسات المستقبل، في مجتمعاتنا وعقولنا ومناهجنا، ولبناء قدرات وطنية وعربية، وعمل علمي مشترك في هذا المجال، وتحفيز عملنا الحكومي اليومي للاستشراف المبكر للتحديات والفرص.
إن الانفتاح والتكنولوجيا وحدهما، لا يصنعان التقدم، وإنما يجب توفر جيل قيادي يملك الإرادة والرؤية المتماسكة، وحس التاريخ، وإدراك مقتضيات العصر، وامتلاك روح التفاؤل والتحدي.
لدى قيادة الإمارات شغف شديد بالمستقبل «بهدف صنعه، وليس توقعه»، كما يقول الشيخ محمد بن راشد.
نعم.. المستقبل هو أفكار وأحلام يتوجب صناعتها، «لقد عشنا في الماضي ما يكفي، نريد الآن القبض على المستقبل، فلنخطط للمستقبل».
عندما نتحدث عن دراسات المستقبل، يتوجب علينا الاعتراف بأن هناك أزمة (رؤية مستقبلية) في بنيتنا الثقافية الراهنة، وفي فكرنا العربي، وفي سياساتنا التعليمية وفي غياب ضعف مراكز البحث والتفكر، وهي المراكز التي يحتاج صانع القرار لخدماتها، في رسم خريطة للبدائل والخيارات والاتجاهات المحتملة والأحداث المفاجئة، ونتائجها وتداعياتها، والاستعداد للتعامل معها.
إن المستقبل عالم قابل للتشكيل، ليس عن طريق التكهن، وإنما من خلال البحث والتخصصات المتعددة، وتوفر قاعدة وافية للمعلومات والبيانات، متاحة ومتداولة، وتقاليد عمل الفريق، والتبادل المعرفي، وغير ذلك من الشروط والآليات.
ولنعترف أيضاً أننا نواجه ضعفاً في ثقافتنا العلمية، وفي ثقافة السؤال.
إن السؤال وصناعته وفرضياته، هو أساس بناء المعرفة، وإن تاريخ الفكر الإنساني، هو تاريخ السؤال عن المعنى وفي المعنى، وعن المستقبل. ومن أسفٍ، فإن كثيراً من المصطلحات العصرية، ما زالت ملتبسة في أذهان البعض، ومنها مفهوم «التنمية المستدامة»، الذي يتردد في خطابنا كثيراً، إن مفهومها الحقيقي يرتكز على مفهوم مستقبلي، يهتم بحقوق الأجيال القادمة، كما أنها ليست بعداً اقتصادياً بحتاً، إنما لها أبعادها السياسية والثقافية والاجتماعية، وقد ظهر هذا المصطلح الأممي في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، ويدعو إلى معيار مقبول للمعيشة لكل فرد، من دون الإضرار بحاجات أجيال المستقبل.
إن نشر ثقافة الدراسات المستقبلية في مجتمع الإمارات، وتعميق مفهومها في العقول، وتوطينها، هو عملية ضرورية وممكنة في آن، ضرورية لمعرفة دورنا في نوع المستقبل الذي نريده، المستقبل بتحدياته وفرصه وممكنه، من خلال ما لدينا من إرادة وريادة، ومن قيادة متفائلة ومصرة على النجاح، تمتلك روح الصبر والتحدي والانفتاح على العصر، وتجاربه الناجحة، والبحث الدؤوب عن الأفكار والحلول المبتكرة، ورأس مال مادي وشبابي، يتطلع إلى بناء مرحلة «الحداثة» بعد مرحلة التحديث، وعلى أكتاف ومهارات أبناء وبنات الإمارات.
يقول أحد الحالمين العظام: «إذا كان المستقبل هو حصيلة لأحلامنا الراهنة، فمن الأفضل، أن تكون أحلامنا وأفكارنا كبيرة».
لنعمل جميعاً ليكون حلم الإمارات كبيراً ومستداماً وإنسانياً.
*نقلا عن جريدة "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة