6 سنوات عجاف.. الجفاف يقود المغرب إلى حافة العطش والحكومة تُحذر
خبراء: يجب وضع خطط مستدامة للتكيف مع تغير المناخ
أعلنت الحكومة المغربية عن تحذير خطير بسبب الجفاف، كما كشفت عن أرقام مخيفة حول وضعية السدود.
يعيش المغرب للعام السادس على التوالي وضعية مقلقة بسبب ندرة الماء نتيجة قلة التساقطات المطرية والجفاف الناجمين عن تغير المناخ، ما جعل الحكومة تعلن حالة تحذير خطير، كما كشفت عن أرقام مخيفة حول وضعية السدود. وفي هذا الصدد، يتوقع نزار بركة، وزير الماء والتجهيز المغربي، أن تشهد البلاد عام جاف آخر في حال عدم نزول كميات كافية من الأمطار، وأنه من المرتقب أن تتخذ السلطات المغربية إجراءات جديدة صارمة لترشيد استهلاك الماء.
- كنز المحيطات المفقود.. الأعشاب البحرية مصدر للغذاء ومواجهة تغير المناخ
- السلطة الفلسطينية تُكافح لدفع رواتب الموظفين.. صرف جزء من راتب نوفمبر
وقال الوزير، خلال جوابه سؤالا شفويا في البرلمان المغربي، بداية الأسبوع الجاري، إن وضعية السدود دخلت مرحلة خطيرة في الآونة الأخيرة، خاصة بين سبتمبر/أيلول وديسمبر/كانون الأول من العام الجاري، حيث نزل منسوب احتياطي الماء في المغرب من مليار و500 مليون متر مكعب العام الماضي إلى 500 مليون فقط في الظروف الحالية.
وكشف المسؤول الحكومي، أن سدود البلاد لا تتجاوز نسب امتلائها 23,5 في المائة، وهو رقم اعتبره مخيفا ومقلقا، وينذر بوضع حرج، يجبر السلطات المغربية لقطع الماء لفترات متقطعة.
بداية متعثرة للموسم الفلاحي
شهدت بداية الموسم الفلاحي المغربي، "بداية متعثرة"، بسبب تأخر التساقطات المطرية، ووجود عجز كبير في المياه وتوزيع زمني غير مواتٍ للتساقطات المطرية خصوصاً مند شهر سبتمبر/أيلول، مما أخر توزيع الزراعات الخريفية وأثر سلبا على حالة المراعي.
ولهذه الأسباب يتملك الحكومة المغربية قلق كبير، ما دفعها إلى اتحاذ تدابير صارمة لإنقاذ الوضع وضمان أمن غذائي.
وفي هذا الصدد، قال وزير الماء: "لولا مشروع الربط المائي بين حوضي سبو وأبي رقراق لانقطع الماء في شهر ديسمبر (كانون الأول) عن الرباط والدار البيضاء
واقترح الوزير أنه على الدولة المُسارعة لتنويع موارد مائية بديلة لتدارك الوضع الخطير وغير المسبوق، كإطلاق مشاريع تحلية مياه البحر كخطوة أولى، لكن المسؤول الحكومي المغربي لم يستبعد في حديثه أمام نواب البرلمان نقص إمدادات الماء في السنوات القادمة.
ورغم ذلك، يراهن المغرب على موسم زراعي جيد لرفع الإنتاج الوطني من الحبوب، إلا أن هذا يبقى رهينا بكمية الأمطار التي تستقبلها البلاد في 2024 التي يعتمد عليها القطاع الزراعي الذي يساهم بـ14% في الناتج المحلي الإجمالي.
وبحسب الخبراء الذين تحدثت معهم "العين الإخبارية"، فإن قلة التساقطات ستؤثر لا محالة على المشهد الفلاحي، ذلك أن المغرب عرف خلال الـ70 سنة الأخيرة عشرين موسم جفاف، وهذا ما يتطلب اتباع سياسة التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثار الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وفق تعبيرهم.
وفي هذا الجانب، قال محمد بنعبو، خبير في المناخ ومهندس في الماء، في حديث مع "العين الإخبارية"، إنه عام آخر من الجفاف يشهده المغرب، هو عام تاريخي بامتياز تحطمت معه جميع الأرقام، فمنذ أكثر من ثمانية عقود لم تسجل المملكة 21 ملم كمعدل وطني للتساقطات المطرية للثلاثة الاشهر من فصل الخريف.
فترة استثنائية
وأضاف بنعبو، أنها فترة استثنائية يمر منها المغرب، تأثرت معها الموارد المائية بشكل كبير وأصبح التركيز كله موجهاً نحو البحث عن تدابير جديدة ومبتكرة لتحقيق الأمن المائي وتلبية الطلب على المياه الصالحة للشرب.
وتابع الخبير، أن المغرب يبقى من بين الدول التي تعاني من ظاهرة الإجهاد المائي التي أصبحت ظاهرة هيكلية، حيث تُقدر الموارد المائية التي من الممكن تعبئتها سنويا بالمغرب بحوالي 22 مليار متر مكعب موزعة ما بين موارد مائية سطحية ـ18 مليار متر مكعب، أما المياه الجوفية فتمثل 20% من الموارد المائية التي تتحصل عليها المملكة، بينما تراجعت حصة الفرد من المياه أقل من 600 متر مكعب سنويا، مقابل 2500 متر مكعب عام 1960، بينما نحن نسير بسرعة نحو سيناريو 500 متر مكعب لكل مواطن في السنة.
وأكد المتحدث، أن العجز المائي الذي تم تسجيله نتج عنه انخفاض قوي في تدفقات المياه إلى السدود، حيث أصبحت نسبة مخزون السدود لا تتجاوز 23 في المائة، ويعتبر الموسم الفلاحي الحالي ضمن 20 موسم جفاف، الذي عاشه المغرب خلال ثمانية عقود، مشيرا إلى أن هذا التراجع في الموارد المائية أصبح مصحوباً بالارتفاع المتزايد لدرجات الحرارة الذي يزيد من تأزم الوضع المائي بالمغرب، بالإضافة لمسألة تقادم شبكة قنوات الري الفلاحي وغياب مواكبة مستدامة للإصلاح والصيانة المتواصلة.
وتابع بنعبو أن المملكة تفقد حوالي 400 مليون متر مكعب من الموارد المائية التي تضيع ما بين السد والضيعة الفلاحية أي ما مجموعه 40% من المياه الموجهة للقطاع الزراعي، علماً بأن القطاع الفلاحي يستهلك 87 في المائة من الموارد المائية.
ومن جهته، قال عبدالرحيم الخويط، خبير دولي في الهندسة البيئية وأستاذ جامعي، في اتصال مع "العين الإخبارية"، إن الجفاف ظاهرة طبيعية تحدث عندما يكون هنالك نقص في التساقطات عموما، وقد تشمل الأمطار و الثلوج والبرد والرطوبة لفترات زمنية طويلة، مما يمكن أن يتسبب في تدهور الأنظمة البيئية والزراعية ويؤدي إلى تدهور الأمن الغذائي طبعا.
وصنف الخويط الجفاف إلى ثلاثة أنواع رئيسية، وهي:
- أولاً: الجفاف المتري ويتعلق بانحسار التساقطات عموما لفترة طويلة من الزمن، مما يؤدي إلى نقص في توافر المياه السطحية والجوفية.
- ثانياً: الجفاف الزراعي وهو يحدث عندما يكون هناك نقص في المياه اللازمة للزراعة، مما يؤدي إلى تدهور نمو وإنتاج المحاصيل.
- ثالثاً: الجفاف الهيدرولوجي وهو يحصل عندما تنخفض مستويات المياه في البحيرات والسدود والمياه الجوفية بشكل كبير بسبب فترات طويلة من الجفاف المتري أو الزراعي.
اقتراحات للتخفيف من تأثير الجفاف
وأكد الخويط، أن تداعيات الجفاف يمكن أن تتضمن نقصاً في إنتاج المحاصيل، وتكلفة الغذاء المرتفعة والنقص في توافر المياه الصالحة للشرب ونقصًا في المياه السطحية وحتى الجوفية أحياناً حسب فترات الجفاف ومدده الزمنية.
وللتخفيف من تأثيرات الجفاف، يقترح الخبير ذاته، أنه من المهم تطبيق استراتيجيات مستدامة لإدارة المياه مثل إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة وتحلية مياه البحار والمحيطات وتحسين كفاءة الري، وزيادة قدرة التخزين والحفاظ على المياه، كذلك يمكن تطبيق تقنيات الزراعة المستدامة مثل الزراعة المحافظة التي تحافظ على الرطوبة في التربة وتقلل من التعرية.
ويشدد الخويط على التركيز على تعزيز الأمن الغذائي من خلال تنويع الإنتاج الزراعي وزيادة استخدام المحاصيل المقاومة للجفاف، وتعزيز الوعي بالمياه وتعليم المجتمعات أساليب الحفاظ على المياه والتكيف مع الظروف الجافة.
وذهب الخبير الدولي، إلى أن الجفاف يعتمد على العديد من العوامل بما في ذلك مستويات التساقطات، ودرجات الحرارة، التي جميعها يمكن أن تتغير خلال فترة العام، على الرغم من أن المراقبة الدقيقة لهذه العوامل مهمة لتوقع ما إذا كانت المنطقة في خطر الجفاف، إلا أنه في هذه المرحلة الأولى من فصل الشتاء، يمكن أن يكون من الصعب توقع بدقة ما سوف يحدث، لذا، يعتبر الحديث عن الجفاف في هذه المرحلة من العام مبكراً.
ضرورة إعداد خطط مستدامة
كما شدد على ضرورة إعداد خطط مستدامة لإدارة المياه والحفاظ على موارد المياه، بغض النظر عن الأحوال الجوية المتغيرة.
وأما أحمد الطلحي، الخبير الدولي في تغير المناخ، فقد أكد لـ"العين الإخبارية"، أن المغرب من البلدان التي تهتم بالموارد المائية والحفاظ عليها وتخزينها وتجميعها لإيصالها عبر الشبكات للمستعملين سواء كانوا زراعيين أو وحدات صناعية وغيرها.
ولاحظ الطلحي، أنه خلال السنوات الأخيرة تكرر توالي سنوات الجفاف وبسبب ما يعرفه كوكب الأرض من تغيرات مناخية من احترار الكوكب.
وأضاف الخبير المناخي، "في المغرب توجد برامج استباقية وضعتها الدولة، لكن في نظري أن الأزمة المائية في المغرب لم تصبح أزمة موارد بالرغم من توالي سنوات الجفاف، ذلك أن أهم مشكلة قائمة تتعلق بهدر الماء".
وكشف الخبير الدولي عن أن 87 في المئة من الموارد المائية المغربية تذهب للقطاع الفلاحي، لكن نسبة مهمة منها قد تصل إلى 40 بالمئة حسب دراسات سابقة من الهدر على شكل تسربات من الشبكة المهترئة للري التي ورثناها عن عقود سابقة إما من عهد الحماية، أو بداية الاستقلال، وتحتاج إلى صيانة وتغيير، ناهيك عن طرق الري التي لا تقتصد في الماء من خلال اعتماد السقي أو الري الفيضي، والسقي الموضعي أو تقنيات التنقيط، بالإضافة إلى إنتاج محاصيل تستهلك نسبة عالية من المياه.
وشدد المتحدث، على ضرورة تشجيع البحث الزراعي الموجه لإنتاج بذور وفصائل من المنتجات الزراعية التي تتكيف مع تغير المناخ ، ثم الاستثمار الجيد في الموارد الجديدة غير التقليدية واعتماد وسائل احتياطية لمواجهة الأزمات.
وأوضح الطلحي، أن 13 في المائة المتبقية من الماء تضيع في المساكن وعادات المطبخ والاغتسال والعادات السيئة في تنظيف البيوت والأماكن، واستهلاك كميات من المياه في ري المناطق الخضراء بالمياه الصالحة للشرب.
aXA6IDMuMTQuMTMyLjQzIA== جزيرة ام اند امز