من ابتكارات "اكسبو دبي 2020" مفاجأة في جناح ألمانيا: روبوتات تعزف موسيقى بيتهوفن بأنامل حديدية، ونظرات زجاجية، وآهات اصطناعية.
لكن بعد زوال المفاجأة، تبقى الموسيقى ذاتها، التي داعبت مشاعرنا وعواطفنا منذ ولادة هذه الموسيقى لأول مرة.
لم تعد هذه الروبوتات، التي انقلبت غير مرة إلى معاداتنا نحن البشر والانقضاض علينا والخروج عن سيطرتنا وهي صنيعتنا، الآن كائنات أليفة نمضي معها سهرتنا الليلية أو وقت فراغنا عند الظهرة بعد انتهاء أعمالنا.
ما القصة؟
في البداية، طوّر العلماء روبوتًا يلعب "الماريمبا" -آلة موسيقية من عائلة الآلات النقْرية، يتم نقر المفاتيح أو القضبان بمطارق لتوليد نغمات موسيقية- مستخدما الذكاء الاصطناعي لإنشاء موسيقاه الخاصة المستوحاة من أعمال موسيقيين كبار.
يكتب الروبوت، الذي يحمل أربع أذرع وثماني عصي، مؤلفاته الخاصة ويعزفها على الماريمبا باستخدام قاعدة بيانات لفناني موسيقى البوب والكلاسيك والجاز المشهورين.
القصة وما فيها تعود إلى قيام مجموعة باحثين في معهد جورجيا للتكنولوجيا بالولايات المتحدة بتغذية الروبوت بما يقارب 5 آلاف أغنية ومقطوعة كاملة، من بيتهوفن إلى البيتلز إلى ليدي غاغا إلى مايلز ديفيس.
عمل الباحثون مع هذا الروبوت، الذي أسموه "شيمون"، لسبع سنوات، مما مكّنه من الاستماع إلى الموسيقى التي يعزفها البشر والارتجال على تعاقب الأوتار المؤلفة مسبقًا.
حسب الباحثين، "شيمون" الآن مُلحن منفرد يبتكر اللحن والبنية النغمية التوافقية بمفرده، ما دفع ماسون بريتان، طالب الدكتوراه في جامعة جورجيا للتكنولوجيا، إلى القول: "تمثل مؤلفات شيمون كيف تبدو الموسيقى عندما يستخدم الروبوت شبكات عصبية عميقة لتعلّم كل شيء يعرفه عن الموسيقى من ملايين المقاطع، التي صنعها الإنسان".
وأضاف "بريتان": "بمجرد أن يتعلّم شيمون المقاييس الأربعة التي نقدمها، فإنه ينشئ تسلسله الخاص للمفاهيم ويؤلف عمله الخاص".
ويعتبر جيل وينبيرج، الأستاذ في جامعة جورجيا للتكنولوجيا، أن "هذه قفزة في الجودة الموسيقية لشيمون، لأنها تستخدم التعلّم العميق لإنشاء تركيبة أكثر تنظيمًا وتماسكاً"، كما يؤكد متفائلاً بمستقبل هذه الموسيقى: "نريد استكشاف ما إذا كانت الروبوتات يمكن أن تصبح مبدعة من الناحية الموسيقية وتبتكر موسيقى جديدة يمكن أن نجدها نحن البشر جميلة ومُلهمة وغريبة وربما متآلفة مع أرواحنا لأنها في النهاية من صنع لمسات أناملنا".
كيف توفر دبي وراءها إرثًا مستدامًا يحافظ على شعاره الرئيسي "تواصل العقول وصناعة المستقبل"؟
يخطط "اكسبو دبي"، المقام هذا العام، لاستيعاب جميع الابتكارات العالمية من خلال الانفتاح على التجارب الريادية عند مختلف الشعوب، وأيضا لاستضافة معظم أجنحة البلدان المشاركة، وعند انتهائه يتم تحويل هذه الأجنحة إلى شركات ومؤسسات اجتماعية وثقافية في دورة حياة كاملة تضم مجتمعات سكنية، وتطويرا لقطاعات التعليم والمواصلات والخدمات اللوجستية والسفر والسياحة والعقارات.
إذًا، يصبح "اكسبو دبي" منصة للمستقبل، وواحة للتقنيات المتطورة، ونظاما بيئيا متكاملا، والهدف الأساسي منه هو خلق اقتصاد معرفي تنافسي تزدهر فيه جميع الفنون.
ما يهدف إليه "اكسبو دبي" هو ترسيخ الحوار بين دول العالم، وإرساء قيم التبادل الثقافي انطلاقاً من هذه المنصة، التي تُعتبر حجر أساس في مسيرة التنمية والانفتاح على الآخر.
فالهدف هو العمل المشترك بين الشعوب، وتواصل حضاراتها وثقافاتها وأفكارها، وإيجاد القواسم المشتركة بين بلدان العالم المتقدم والنامي على أرض الإمارات، وهي قواسم التنمية والحفاظ على البيئة ودعم الابتكار واستكشاف ما لدى الشعوب من فنون وابتكارات.
من خلال تركيز "اكسبو دبي 2020" على الفنون يعتبر نفسه وريثًا لكل التجارب التي سبقته، ويتزامن مع ما وصل إليه العصر من تقدم تكنولوجي في عالم افتراضي وتطور رقمي، ويكافح انتشار الأفكار الظلامية التي تجتاح المنطقة.
كما يهدف "اكسبو دبي"، بما يحمله من معانٍ رمزية، إلى تبني العلوم والثقافة والفنون وإيجاد أفق تنويري من الدرجة الأولى لنشر الثقافة وتطوير المعرفة عبر حلول مبتكرة.
وتصبح دبي بفضل "اكسبو" ذات دور ريادي في الفنون، وهي تسعى لإنجاز مشروعها بتوفير البنية التحية لجميع الفنون كما مشاريعها المستقبلية، وهي واعية لدور ظل غائباً عن الشرق الأوسط لعقود، لذلك فهو منعطف تاريخي في قطاعات عديدة، وقوة محفزة على التفكير الإبداعي الخلاق بما ينسجم مع مفاهيم القرن الحادي والعشرين.
"اكسبو دبي" يسعى إلى صهر شعوب وأجناس عديدة في بوتقة تعايش واحدة، في بيئة نموذجية من تصالح الحضارات والأديان والثقافات والتقاليد والقيم.
لعل عرض موسيقى الشعوب هو جزء من آفاقها التنويرية التي تعمل على جذب أكبر عدد ممكن من الجمهور، ليس من خلال الاقتصاد والتنمية فحسب، بل من خلال الموسيقى التي توفرها أجنحة المعارض، التي تجمع بين الاقتصاد والفنون التي لا تقبل الانفصال أو التهميش.
"اكسبو دبي 2020" يعيش الفنون كما يعيش الاقتصاد جنبًا إلى جنب في رؤية مستقبلية واعدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة