يبدو أن استجابة الولايات المتحدة للأزمات الأخيرة في هايتي وكوبا قدمت لمحة عن عقيدة السياسة الخارجية الناشئة للرئيس جو بايدن.
وتتميز هذه العقيدة بدعمها الفعّال للديمقراطية حول العالم وبمقاومة ملحوظة للتدخل الأجنبي، ما لم يتماشَ مع تفسيرات أخرى لمصالح الأمن القومي الأمريكي، فقد أعرب الرئيس "بايدن" عن دعم الولايات المتحدة للمتظاهرين المطالبين بالحرية في كوبا، ودعا إلى استئناف السلام والديمقراطية في هايتي بعد مقتل الرئيس جوفينيل موس، وقاوم الضغط من أجل تدخل مباشر أكثر.
ولكن يطرح السؤال جلياً: ماذا سيفعل "بايدن" حيال الأزمة المستمرة في سوريا؟
يجيب هنا عن هذا السؤال رئيس منظمة "مواطنون لأجل أمريكا آمنة"، محمد بكر غبيس، وهي منظمة للأمريكيين السوريين مكرسة لإعادة سوريا إلى الشعب السوري، قائلاً إن السياسة الخارجية للرئيس "بايدن" ستخضع لاختبار شديد عندما يتعلق الأمر بسوريا، إذ يجب على "بايدن" الاستجابة هناك لأسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، ودعم انتقال سياسي سلمي وديمقراطي بقيادة السوريين.
محللون سياسيون في واشنطن يعتقدون أنه لا يمكن للولايات المتحدة قبول الرواية، التي أقرتها الدول الموالية للحكومة السورية، مثل روسيا وإيران، والتي تفيد بأن الحرب في سوريا انتهت، وأن الرئيس بشار الأسد قد انتصر، وبدلاً من ذلك يجب على إدارة "بايدن" الإصرار على التواصل مع الشركاء والحلفاء المعنيين والمجتمع المدني السوري، لدعم المؤسسات الديمقراطية والاجتماعية التي تدعم الديمقراطية الدستورية في سوريا وتوقف التدهور الاقتصادي والأمني، وتعيد التماسك الاجتماعي مع حفظ تام للأمن وعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد تأمين خطة محكمة لإعادة إعمار سوريا.
ويعتقد أن هناك حاجة إلى تعاون أوثق بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن سوريا، حيث بات معلوما أن تركيا تدير مساحة من الأراضي السورية على طول حدودها الجنوبية، التي تستضيف ما يقدر بنحو 4 ملايين شخص، وتوجد تقارير موثوقة لدى الإدارة الأمريكية تفيد بأن المسؤولين الأتراك لم يتمكنوا من تسهيل الحكم الديمقراطي في هذه المناطق.
وتملك الولايات المتحدة فرصة كبيرة للعمل مع تركيا على دعم بناء المؤسسات الديمقراطية في هذه "المناطق الآمنة"، بهدف نهائي هو إعادة السيطرة إلى الشعب السوري في شكل حكم ذاتي ديمقراطي ودستوري في كل أنحاء سوريا.
وعلاوة على ذلك، يمكن للولايات المتحدة العمل مع تركيا على إنشاء هيكل مركزي لتنظيم مختلف المليشيات المنفلتة العاملة في شمال غرب سوريا، وتوحيد هذه المليشيات تحت تسلسل قيادة سورية موحدة ومستقلة، وهو ما سيسهم في إضفاء الطابع المهني على تلك المليشيات، وردع هجمات النظام المدمرة ضد المدنيين، وحل العناصر المتطرفة، ومكافحة انتهاكات حقوق الإنسان، وبناء الأساس لجيش سوري وطني جديد وقوي.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور الروسي، الذي يحتم على الولايات المتحدة أيضاً العمل بشكل استباقي مع روسيا لاستعادة السيطرة على مناطق سورية تحكمها مليشيات إيران و"حزب الله" الإرهابي، لأن تقليص حجم المليشيات المدعومة من إيران هو عنصر ضروري في أي استراتيجية أمريكية لمواجهة نفوذ إيران، لذلك فمتابعو الملف السوري في أروقة "البيت الأبيض" يقولون إن كل دقيقة تتقاعس فيها الإدارة الأمريكية عن اتخاذ أي تحرك في سوريا تتيح لإيران وتنظيم "داعش" الإرهابي بالخصوص الفرصة لتعزيز مصالحهم هناك وتشكيل الديناميكيات الإقليمية في الشرق الأوسط على حساب أمريكا.
وفي متابعة دقيقة للنفوذ الروسي في سوريا لا بد من قراءة تحليلية لتقرير أعده بريندان كول، ونشرته مجلة "نيوزويك"، يقول فيه: "روسيا تقول إن وجود القوات الأمريكية في سوريا غير قانوني، مع اعتراف الولايات المتحدة بوجود خطأ في طلب تفويض الأمم المتحدة"، وأشار فيه أيضا إلى أن روسيا جددت انتقادها لوجود القوات الأمريكية في سوريا من خلال رفض بيان عسكري أمريكي على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي يقول إنهم موجودون هناك بموجب القانون الدولي بتفويض من قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وفي هذا الإطار صرح واين ماروتو، المتحدث باسم الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا، لمجلة "نيوزويك"، بأن تغريدته حول القرار احتوت خطأ، وأن وجود القوات الأمريكية في سوريا هو في الواقع "طبقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة".
ومن المتعارف عليه أن سوريا تعد منطقة رئيسية لتوترات السياسة الخارجية بين روسيا والولايات المتحدة، وقد نشرت السفارة الروسية لدى واشنطن صورة لتغريدة كتبها "ماروتو" قالت إن القوات الأمريكية كانت في شمال شرق سوريا "بموجب القانون الدولي، قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 المعتمد في ديسمبر 2015".
وقالت السفارة الروسية إن "القوات المسلحة ليس لديها تفويض قانوني للبقاء في سوريا، وتفسيرك لقرار مجلس الأمن رقم 2254 سخيف، من فضلك.. اقرأ الوثيقة بتمعن!".
وأضافت رابطاً للقرار الذي يدعو إلى وقف الهجمات ضد الأهداف المدنية، ولكنه يسمح بشن هجمات على التنظيمات الإرهابية مثل "داعش".
رغم هذا الالتباس، الذي دفع السفارة الروسية فيما بعد إلى الاعتذار، فقد ينص القرار في الحقيقة على أن "الحل الوحيد المستدام للأزمة الحالية في سوريا هو من خلال عملية سياسية شاملة بقيادة سورية بحتة تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري".
لذلك لا بد من القول في الخلاصة إنه يجب أن توضح إدارة "بايدن" أن سوريا لا تنتمي لا إلى روسيا ولا إيران، ولا حتى "داعش" ولا أي منظمة إرهابية أخرى، فسوريا لا بد أن تعود دولة مستقلة ملكا للشعب السوري، الذي يمكنه بناء سوريا ديمقراطية وحرة وعلمانية ومزدهرة بدعم من العالم الحر، وهذا ما تعول عليه آمال العديد من مناصري القضية السورية داخلياً وخارجياً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة