التسوية بين روسيا وأمريكا لاستمرار عمل معبر "باب الهوى" الحدودي وإدخال مساعدات للسوريين، تحمل ملامح تفاهمات روسية أمريكية قادمة.
فحفاظ الجانبين على الأمر الواقع في مناطق معارضي الحكومة السورية، مقابل مكاسب لموسكو وحلفائها، يجعل الطرفين يتقدمان رويداً نحو استراتيجية "خطوة مقابل خطوة" في سوريا.
وقد جسّد تمديد إيصال المساعدات الإنسانية الأممية إلى سوريا آلية النقاشات في أروقة مجلس الأمن وهذه المفاوضات الصعبة، لكنّ الطرفين، الروسي والأمريكي، نجحا بنهاية المطاف في التوصل إلى اتفاق لمواصلة إرسال المساعدات، وقد حظي الاتفاق بدعم أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر.
ولا يوجد، رغم كل ذلك، حل شامل في الأفق القريب بسوريا، فحتى التوجه الغربي لتقديم دعم إنساني للشمال السوري عبر طرق بعيدة عن الأمم المتحدة تبخر تماماً، حين بدا للجميع أن "بايدن" يتفاهم مع "بوتين" بشكل بطيء.
وحتى الاتصال الهاتفي الأخير بين الرئيسين الأمريكي والروسي عكس كل هذه الحقائق دون إخفائها، وتحدث عن شكل جديد للعلاقة بين الكرملين والبيت الأبيض، قوامها التركيز على الملفات الصغيرة والكبيرة، دون الخوض في التفاصيل المهمة.
وتواجه سوريا اليوم خطراً كبيراً نتيجة النفود الإيراني العصي على الإنهاء، ولا تمتلك واشنطن حتى اللحظة موقفاً صارماً منه، بل إن المفاوضات في فيينا بين الغرب وإيران تتجنب الحديث عن ذلك.
وقد حضرت سوريا في قمة جينيف بين "بوتين" و"بايدن" كموضوع إنساني من خلال القرار 2533، المعني بإيصال مساعدات للداخل السوري، لكن مرحلة إشراف روسيا على الحل السياسي تعتبر واضحة للغاية، وقد دعت روسيا مجدداً لاجتماعات "أستانا"، ليرسم الروس والأتراك والإيرانيون خرائط نفوذهم على الأرض السورية.
والسوريون ينتظرون الجهود الدولية، التي تلامس وجعهم، وتخلصهم من جحيم الحرب المستعرة، وتنقذ ما تبقى من وطن سقط في احتلال متعدد الجنسيات، وإرهاب عابر للحدود عبر تنظيمات متطرفة.
وبما أن سياسة "الخطوة خطوة" بين الأمريكان والروس في سوريا يتم اختبارها حاليا، فإن لإسرائيل موقفا جديدا عبرت عنه حكومة "بينيت"، وهو ربط الملف السوري بملف لبنان، وعدم إغفال خطر مليشيا "حزب الله"، كون ما تقوم به في لبنان وسوريا "يهدد الاستقرار والأمن بالمنطقة".
وقدّمت روسيا أيضاً خلال الأيام الماضية هديّة شبه مجّانيّة إلى تركيا تخص سوريا، وهي تخفيف احتمالات بروز موجة لجوء كبيرة إليها، ففي وقت تتعرّض تركيا لضغوط غربيّة لتخفض علاقاتها السياسية والعسكرية مع موسكو، تحاول روسيا المحافظة على هذه العلاقة مع أنقرة عبر بوابة سوريا.
ولا تزال روسيا ممسكة بزمام المبادرة في سوريا، رغم هذه الانفراجة الإغاثية المحدودة، فهي قادرة على التلويح بورقة ضغط لمنع التمديد التلقائيّ لعمل معبر "باب الهوى" بعد ستة أشهر.
صحيح أن دبلوماسية الروس أظهرت أيضاً بوادر حسن النية تجاه الإدارة الديمقراطية الأمريكية، وقد تلقّفها مسؤولو هذه الإدارة سريعاً، لكن السؤال المطروح الآن هو: كيف ستعمل روسيا على الاستفادة عملياً من هذه المكاسب؟، وهل تنجح لاحقاً في تحويل هذا الأمر إلى نفوذ أكبر لدفع الولايات المتحدة إلى بدء رفع العقوبات عن الحكومة السورية؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة