دميرتاش.. "كابوس" أردوغان في الانتخابات
دميرتاش، زعيم حزب الشعوب، يخوض الانتخابات التركية مسجوناً، ومع ذلك يخشاه أردوغان الذي ألقى به خلف القضبان في إطار مسرحية الانقلاب.
فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كل ما في وسعه لتسويد الانتخابات لصالحه رئاسياً ولحزبه برلمانياً.
ففي الفترة الماضية، عملت آلة أردوغان التنظيمية في حزب العدالة والتنمية على تزوير الانتخابات المنتظرة في 24 يونيو/ حزيران الجاري.
ووصلت درجة قوة تجهيزات التزوير إلى ما جاء في تسريب له في اجتماع حزبي على إنهاء الانتخابات لصالحه هو وحزبه في أنقرة، قبل انطلاق التصويت من جانب الناخبين.
كابوس الـ10%
الغريب أن هذا الهدف من هذه التجهيزات، ليس إسقاط المعارضة التاريخية، التي تمثل القومية التركية، ولكن الرغبة التي يعيش عليها أردوغان ليلاً ونهاراً، هو عدم السماح لحزب الشعوب ذي الأغلبية الكردية، بالحصول على 10% من أصوات الناخبين، حتى لا توجد كتلة لهذا الحزب بالبرلمان.
والأهم من كل ذلك، إسقاط زعيم "الشعوب"، صلاح الدين دميرتاش، الذي يخوض الانتخابات مسجوناً بعد أن ألقى به أردوغان خلف القضبان في إطار مسرحية الانقلاب في يوليو/ تموز 2016.
ومع ذلك تزيد شعبية دميرتاش، ليس في أوساط مناطق بالشرق والجنوب التركي فقط، بل تزايدت شعبيته في أوساط تركية قومية، ليمثل بالنسبة لأردوغان كابوساً، تجاوز العقدة التي حققها المعارض فتح الله كولن، الذي يقيم في الولايات المتحدة.
ويتحدث سياسيون أتراك عن دميرتاش، الذي أصبح كابوساً لأردوغان، الذي فشلت كل مساعيه في مواجهته، وسط تخوفات من تصفية الرجل في السجن، فشعبيته تتصاعد بشكل كبير.
والأصعب على أردوغان فشل مساعيه في تقييد دميرتاش داخل السجن، الذي يحرك قيادات حزبه وعناصره، ويقوم بتوصيل رسالته بشكل لائق إلى المقربين له في الحزب، لاستكمال العمل التنظيمي للانتخابات، فضلاً عن تواصله غير المباشر مع مؤيديه.
الخوف الأكبر
والخوف الأكبر لأردوغان، لا يتعلق بحصول "الشعوب" على نسبة الـ10% التي يصل بها إلى البرلمان، ويتكرر مشهد ضياع ثلثي البرلمان من "العدالة والتنمية"، الذي يتزعمه الرئيس التركي، بل من وصول "دميرتاش" لمرحلة الإعادة.
ويعني دخول مرحلة الإعادة أن تشهد البلاد مبدئياً تحالف دميرتاش وحزبه مع حزب الشعب الجمهوري العلماني، بحسب اتفاق أبرم بينهما، ومن الجائز أن ينضم إليهما حزب ثالث من الأحزاب الخمسة المسيطرة على البرلمان، وهنا لن يفلح أي تزوير لصالح حزب أردوغان، فضلاً عن أن إرادة الشعب التركي، ستتمثل بالمجيء برئيس جديد، وذلك بحسب استطلاعات الرأي، التي توضح انهيار شعبية الرئيس التركي.
المعارض التركي جودت كامل يقول لـ"العين الإخبارية"، إن "أردوغان يعيش كابوس دميرتاش، على الرغم من قيامه بجميع الإجراءات والآليات المتعلقة بإتمام التزوير"، لافتاً إلى أن "الشعوب" الكردي سيدخل البرلمان، وسيحصل على الـ10%، ومن المتوقع أن يحصل على 14%، فهذا الحزب يمتلك 6 ملايين صوت، فضلاً عن دعم ناخبين من القوميات التركية، ووجود زعيمه دميرتاش خائضاً الانتخابات في السجن، على يد أردوغان، يزيد من شعبيته، ويأخذ صورة البطل بعد أن أضاع على أردوغان وحزبه في الانتخابات الماضية أغلبية الثلثين، وبالتالي سيحصل على أصوات كثيرة ممن هم أتراك قوميون.
وأوضح جودت أن "دميرتاش سيلعب دوراً مهماً في حالة الوصول للمرحلة الثانية للانتخابات، من خلال حزبه بالتحالف مع حزب الشعب في التصويت في الجولة الثانية، لصاحب أكثر الأصوات منهما في الجولة الأولى، والخطورة في المرحلة الثانية، لأن وقتها أردوغان سيكون على فوهة بركان من صنع دميرتاش، وهذا البركان جاهز بفعل عاطفة الأكراد، التي ستتحرك بعد تدمير مدنهم على يد أردوغان، وفي سبيل ذلك سيدخلون في تحالف مع أي حزب، حتى لو كان حزب الشعب الجمهوري اليساري، في حالة الوصول للجولة الثانية".
"الشعوب" وكسر قاعدة الانتخابات
فيما أوضح المحلل السياسي الكردي إبراهيم كابان أن "السنوات العشر الأخيرة، التي ظهر بها حزب الشعوب، شهدت تطورات من عضوية بعشرات الآلاف، ليكون أحد أحزاب البرلمان الرئيسية الخمسة".
ورأى كابان أن "حزب الشعوب تفوق على أحزاب الحركة القومية التركية، ذات الجماهيرية الكبيرة، ليصل المصوتون لحزب الشعوب إلى 6.5 مليون في تركيا بالانتخابات الماضية، هذا بعيداً عن الأجيال الجديدة من الأكراد، التي دخلت في قوائم التصويت، والحزب يمتلك إمكانيات كبيرة داخل تركيا، وهو المهدد الأكبر لحزب العدالة والتنمية، الذي كان يراهن على استخدام العامل الديني في استقطاب الجماهير الكردية في مناطق بجنوب وشرق تركيا".
واستكمل: "لكن حزب الشعوب استطاع كسر هذه القاعدة خلال السنوات الأخيرة، عندما وجه أكثر من نصف كرد تركيا للتصويت له، حتى أصبح له 8 نواب بالبرلمان عن إسطنبول، و4 نواب عن أنقرة، وهي المدن التركية التي يعتمد عليها حزب أردوغان، والواضح أن حزب الشعوب يتطور في تحركاته مع كل استحقاق، وأرهب الحزب الأردوغاني الحاكم".
ويقول كابان لـ"العين الإخبارية": إن "هذا الحزب تعامل بذكاء حاد في اختيار قيادته، برئاسة مشتركة من امرأة ورجل، واستطاع الزعيم الروحي للحزب، المسجون من جانب أردوغان، إجراء تغيير مهم بتركيا، عندما جذب الطبقة الثقافية والفقيرة، وهو شخصية مقبولة في الأوساط التركية، وخلال عمل سياسي في 4 سنوات، كسر حاجز الاستخبارات التركية وتنظيمات أردوغان، ووجه ضربة قاصمة لحزب العدالة والتنمية، بعدم الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان".
واستغرب كابان من "خوف أردوغان من دمبرتاش حتى وهو مسجون"، لافتاً إلى أن "المعادلة من الممكن أن تكمن في أن (الشعوب) يكتسب مئات الآلاف من الأتباع والمنتسبين للحزب داخل البلاد في المدن ذات القومية التركية مع كل انتخابات، فضلاً عن تطور الحزب إلى مستوى رفيع جداً، على حساب حزب العدالة والتنمية، في ظل العمل السابق لأردوغان"، باستمالة المناطق الكردية بالنازع الديني، ليقف في وجهه (الشعوب)، فيصل الأمر إلى تسبب دميرتاش في ضياع نصف مقاعد أردوغان في مناطق بالجنوب والشرق التركي، والتي كان يحصل منها العدالة والتنمية على 190 مقعداً بالبرلمان، ليحصل في آخر انتخابات على 92 مقعداً فقط".
تحركات أردوغان الانتقامية
المحلل السياسي التركي، خليل أوغلو قال: إن "خسارة أردوغان كانت كبيرة بالمناطق الكردية على يد حزب الشعوب بزعامة دميرتاش في الاستحقاقات السابقة، وهذا ما جعل أردوغان يقوم بتحركات انتقامية ضد الشعوب، وكانت البداية عندما شكل دميرتاش خطورة كبيرة على (العدالة والتنمية)، برفضه إجراء تحالف مع أردوغان، ورفض إجراء أي تقارب مع حزبه، متمسكاً بالعمل بشكل منفرد، ليكون (الشعوب) الحزب الثالث في تركيا من حيث الجماهيرية والتمثيل البرلماني".
وأشار أوغلو إلى "تصاعد شعبية دميرتاش في الأوساط التركية القومية، وليست الكردية- التركية فقط، حيث حصلوا في الانتخابات قبل السابقة على 60 مقعداً بالبرلمان، والانتخابات السابقة على 80 مقعداً، لتبدأ استخبارات تركيا، بضرب حزب الشعوب بعمليات تصفية لقياداته واعتقالات لعناصره ثم جاءت مسرحية الانقلاب التي ألقي من خلالها بدميرتاش بالسجن.
كما اعتبر أوغلو، في معرض تصريحاته لـ"العين الإخبارية"، أنه "في الوقت الذي كان يتهم فيه أردوغان، حزب الشعوب بالتقارب من حزب العمال الكردستاني، كان (العدالة والتنمية) يجري اتفاقات مع حزب العمال، لدرجة أن أردوغان لصق بدميرتاش تهمة الإرهاب بدعوات باطلة عن تعامل الأخير مع حزب العمال، في حين أن أردوغان كان يجري معهم اتفاقات، فإذا كان المتهم في تركيا بالتواصل مع حزب العمال، فهو أردوغان وحزبه".
ويضيف أوغلو: "لكن هدف التصفية كان واضحاً لدميرتاش وحزبه"، مؤكداً أن "أكثر الأحزاب شعبية بين أتراك أوروبا هو حزب الشعوب، وهو الأقوى في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي".
وذكر أوغلو أن "خوف أردوغان منطلق من زيادة والتفاف الجماهير حول دميرتاش المسجون، والكارثة ستقع على رأس أردوغان إذا تجاوز حزب الشعوب المرحلة الأولى من الانتخابات، وانتقل للمرحلة الثانية، سيكون هناك تأثير كبير على مستقبل أردوغان، في ظل وجود تقارب كبير بين حزب الشعوب الكردي، وحزب الشعب الجمهوري ذي التوجه العلماني الأتاتوركي، للقضاء على أردوغان".