بعد 9 سنوات من البحث والدرس والاستقصاء، نشرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي Giec التابعة للأمم المتحدة، تقريرها الحاسم بشأن أحوال المناخ حول الكرة الأرضية، وقد حمل عنوان "دليل إرشادي لبقاء البشرية".
هل من فرصة أخيرة للإنسانية للفكاك من براثن الهجوم الإيكولوجي الذي لا يصد ولا يحد، لا سيما في العقود الأخيرة؟
يأتي التقرير قبل مؤتمر المناخ العالمي "كوب 28"، الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وفيه تجد البشرية بصيصاً من الضوء، قبل الغروب البيئي الكبير المتوقع، إذا ظلت الإنسانية ماضية قدماً في طريقها، ومن غير محاولة جادة لاستنقاذ الكوكب الأخضر .
يوماً تلو آخر وكما يظهر التقرير، تتضاءل نسبة بقاء الاحترار المناخي تحت 1.5 درجة مئوية، مع تحذير خاص من الفترة الممتدة بين 2030-2035.
يبدو الشكل الأولي للأكلاف الضارة، التي ستصيب البشر، بحسب التقرير، حقاً مخيفاً، إذ يتوقع لتغير أنماط الطقس أن تتسبب في وفاة أكثر من مليوني شخص حول العالم، والخسائر المالية تتجاوز 4.3 تريليون دولار خلال العقود الخمسة المقبلة .
لم يكن التقرير الأممي المتقدم هو الوحيد الذي أنذر وحذر من الهلاك البيئي القادم، فقد نشرت مجلة Nature Sustainability قبل نحو أسبوع تقريراً جديداً، جاء فيه أن درجة حرارة سطح الأرض تتجه إلى الارتفاع بمقدار 2.7 درجة مئوية بحلول عام 2100، ما يؤثر على نحو 22% من سكان العالم.
يبدو التقرير الأخير، وكأن الطبيعة تقوم بعملية إعادة تشكيل عميقة لصلاحية سطح كوكب الأرض للسكن، والعهدة هنا على الراوي "تيم لينتون" من جامعة إكسترا البريطانية.
ما هي الدول الأكثر تأثيراً بالسلب في مناخ الكرة الأرضية؟
المؤكد أن ثاني أكسيد الكربون هو أحد غازات الدفيئة، وقد زاد تركيزه في الغلاف الجوي زيادة كبيرة على مدى العقود الأخيرة، بشكل يتوافق مع النمو الصناعي الذي أدى إلى زيادات هائلة في حرق الوقود الأحفوري، الأمر الذي يشير إلى الدول الصناعية المتقدمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا، ودول الاتحاد الأوروبي .
يعني ذلك بوضوح وجلاء تامين أن غالبية إن لم يكن جميع دول العالم الثالث، أو العالم النامي، تدفع فاتورة غالية، من جراء التغيرات البيئية غير المسؤولة عنها، فيما الدول الكبرى أو العظمى، الدول الصناعية ذات المستوى العالي من الإنتاج، لم تفِ بوعودها الخاصة بمائة مليار دولار كل عام، تساعد بها الدول المصابة بيئياً من جراء الاحتباس الحراري.
يبدو مؤتمر "كوب 28" في الإمارات، طاقة الأمل الأخيرة التي يمكن أن تمد في عمر كوكب الأرض، قبل القارعة البيئية التي تنتظره، ذلك أن تخفيضات عميقة وسريعة للانبعاثات، من شأنها أن تؤدي إلى تباطؤ واضح في ظاهرة احترار المناخ في نحو عقدين .
سيقود الاحترار حال عدم اتخاذ قرارات حازمة وحاسمة من جديد في أبوظبي، وبعد تلك التي تم اتخاذها في قمة شرم الشيخ للبيئة العام الماضي، إلى تفاقم سلاسل الاضطرابات المناخية المخيفة، لا سيما إذا كان الحديث عن الأقطاب الجليدية، وما ينتظرها في القريب العاجل .
رفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بعد التقريرين المتقدمين صوته عالياً، محذراً من أن "البشرية باتت تمشي على طبقة رقيقة من الجليد"، ما الذي يعنيه غوتيريش بهذا التصريح؟
باختصار غير مخل، الرجل يشير إلى العلاقة القائمة والقادمة بين الأقطاب الجليدية، التي ظلت صامدة عبر مئات وربما آلاف السنين، شمال وجنوب الكرة الأرضية، وبين الاحتباس الحراري.
تبدو سرعة ذوبان الجليد مخيفة، وتبعاتها كارثية بشكل كبير، ذلك أنها تتسبب في ارتفاع مستوى المياه في البحار والمحيطات، ومن ثم تبدو هناك مدن بأكملها عرضة للطمر والغرق تحت سطح المياه.
تتحدث مؤلفة تقرير "دليل إرشادي لبقاء البشرية"، عالمة المياه "أديتي موخيرجي" بالقول: "نحن لسنا على المسار الصحيح، ولكن الوقت لم يفت بعد.. نيتنا هي في الحقيقة رسالة أمل، وليست رسالة يوم القيامة".
تبدو الحقيقة المؤكدة عند الكثير من العلماء ومناصري حماية البيئة الملتزمين، أن الاحترار العالمي يتسارع، وأن الوقت المتبقي للعمل بفاعلية على إبطاء أو عرقلة تقدمه يزول بسرعة، ما يلقي بعلامة استفهام جذرية: "من أين يتوجب البدء من جديد، وما هو الهدف المنشود تحقيقه؟".
من أين؟ حتماً من اللحظة الآنية، حيث الكرة الأرضية محمومة، وكل 0.1 درجة مئوية ترتفعها حرارة الأرض، تقل فرص التنوع البيولوجي فوق سطح البسيطة، وفي مياه البحار والمحيطات بدءاً من الكائنات البحرية والشعب المرجانية، والزروع والعشب ونبات الأرض، وصولاً إلى الكائن البشري نفسه .
أما الهدف المنشود، فحتما الخروج من مؤتمر "كوب 28 " برؤى نهائية جامعة مانعة ملزمة للأغنياء قبل الفقراء .
إنهم يحدثون اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية عن إمكانية غرق مدينة التفاحة، نيويورك الشهيرة، التي ستطمرها مياه المحيط الأطلنطي من الشرق، والمصير نفسه ربما ينتظر لوس أنجلوس على الساحل الغربي لأمريكا، حال ارتفعت مياه المحيط الهادئ.
لن ينجو أحد من طوفان الاحترار البيئي.. ترى الذين لهم آذان يسمعون؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة