شاب سوري ينفض ركام الزلزال وفي يده مقص: للحلم بقية (خاص)
في الخامس من فبراير/شباط الماضي، كان أحمد السلقيني يقف في صالونه الذي يرتاده الزبائن بـ"حجز مسبق" لذيوع صيته ومهارته العالية في الحلاقة، وهو يرسم أحلامه.
وفي اليوم التالي انهار حلم أحمد، ابن مدينة سلقين، التابعة لمنطقة حارم في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، كغيره من آلاف السوريين، الذي خسف الزلزال بآمالهم في غدِ أفضل.
وفي مركز إيواء "الرحمة"، الذي انتقل إليه الشاب السوري في أعقاب الزلزال المدمّر، لم يستطع المكوث في خيمته انتظاراً للمساعدات وهب ملتقطاً مقصّه لكتابة حلمه من جديد.
أسقط الزلزال في مدينة سلقين السورية 58 برجاً سكنياً ودمّر 68 محلاً تجارياً، كان من بينها صالون الحلاقة الخاص بأحمد.
حلم دمّره الزلزال
يقول أحمد لـ"العين الإخبارية": "منذ 2010 وأنا أعمل في مهنة الحلاقة، وكغيرها من المهن بدأت بالتعلّم على يد حلّاق معروف ومن ثم افتتحت محلي، وبدفع من عائلتي اشتريت المعدات في 2014 وغدوت حراً بعملي الذي كنت أرى فيه الجمال والسعادة والحرفية وباب الرزق الوحيد في حياتي".
وفي 2017 أصبح أحمد، من الحلاقين المعدودين في سلقين، التي تضم أكثر من 90 ألف نسمة، فضلاً عن مخيمات النزوح المحيطة بها.
ومنذ 2015 لجأ آلاف السوريين إلى مدينة سلقين الحدودية مع تركيا، واتخذوا منها مستقراً بعد أن تركوا قراهم التي تشهد صراعاً محتدماً وحرباً بين أطراف النزاع.
وشهدت أسواق المدينة انتعاشاً حقيقياً للمهن والتجارة والصناعة والزراعة المنقولة من مدن وسط سوريا إليها حتى تحولت تلك الأسواق إلى وجهة تجارية من أسواق الدول المحيطة، لاسيما أن المدينة تتوسط مئات آلاف حقول الزيتون وما يحمله ذلك المحصول الاستراتيجي من أهمية تجارية وصناعية.
بيد أن فرحة أحمد لم تدم إلا سنوات قليلة حتى جاء الزلزال وجرّف معه أحلام ومصانع الكثيرين ومنهم أحمد، الذي دُمِّر محله المتواضع وأخفت الأنقاض معداته وتجهيزاته الخاصة بالحلاقة الشبابية، التي برع فيها.
يوضح: "يبدو أن القدر لم يكتب لي السعادة، فعندما بدأت بالكسب الحقيقي من مهنتي وبدأت والدتي تبحث لي عن زوجة جاء الزلزال وأخذ معه الحلم وأضاع ماكيناتي وفرشاتي لتغوص أحلامي في باطن الأرض التي أبت إلا أن تبتلع كل ما هو حيوي ومصدر رزق في هذه المدينة، فمن محلي الذي كان يشهد الحجز قبل يومين وفي الأعياد والعطل يكون الحجز قبل 5 أيام، أضحيت أعمل تحت قطعة قماش في مركز الإيواء وكل أملي أن أحصل على ثمن الخبز لأهلي وأخوتي".
عودة وحلم جديد
وتحت لهيب الشمس والهواء المحمل بالغبار ضمن مركز الإيواء المخصص للمتضررين من الزلزال، تمكّن أحمد من أن يُمسك بمقص الحلاقة من جديد إيماناً منه بضرورة متابعة الحياة والعمل.
يقول: "مكثت 8 أيام في مركز الإيواء دون عمل وجل اهتمام الناس هنا المساعدات والحصول عليها، لكن كل ما كان يدور في بالي هو كيف أعود إلى العمل، وفي صبيحة اليوم التاسع من مكوثي في مركز إيواء الرحمة شاهدت عربة بائع فول، هنا قررت أن افتتح محلي بظل قطعة قماشية من خيمة وبالفعل طلبت من أحد أصدقائي أن يشتري لي بعض معدات الحلاقة على أن أدفع له ثمنها من عملي ولم يستغرق الموضوع يومين حتى تمكنت من شراء بعض المعدات المبدئية وأعلنت افتتاح صالون الحلاقة ضمن مركز الإيواء، الذي ربما يطول مكوثنا فيه إلى ما شاء الله".
ويتابع: "لكن الصعاب تبقى حاضرة، فلا كهرباء ولا مياه نظيفة تساعد على العمل. أعمل على شحن معداتي من خلال بطارية سيارة ولا سبيل لي بشراء منظومة طاقة شمسية في حين لا أستطيع أن أخدم الزبون بجميع متطلباته، إذ لا ماء ساخن ولا سيشوار ولا كريمات كانت في يوم من الأيام عنوان الأناقة في صالوني، الذي ذهب إلى الأبد ولا أتخيّل أنه سيعود كما كان".
وكان زلزالان مدمران، قد ضربا في السادس من فبراير/شباط الجاري جنوب شرق تركيا وشمال سوريا، حيث كان الزلزال الأول بقوة 7.8 درجة، والثاني بعد عدة ساعات بقوة 7.6 درجة، كما تلتهما آلاف الهزات الارتدادية، ما أوقع عشرات آلاف القتلى وأضر بالملايين.
aXA6IDMuMTI5LjIxNi4xNSA= جزيرة ام اند امز