"المؤتمر الاقتصادي".. عصف ذهني سوداني لإصلاح دمار الإخوان
تلتقي العقول السودانية نهاية شهر مارس الجاري في مؤتمر هو الأول من نوعه منذ ثلاثة عقود، لتحديد هوية جديدة لاقتصاد البلاد
تلتقي العقول السودانية نهاية شهر مارس الجاري في مؤتمر هو الأول من نوعه منذ ثلاثة عقود، لتحديد هوية جديدة لاقتصاد البلاد الذي عاش في متاهة خلال عهد الإخوان البائد ما خلق أزمات خانقة.
وبحسب وزارة المالية السودانية، فإن وقائع المؤتمر الاقتصادي ستجري في الخرطوم خلال الفترة من 23 إلى 25 مارس الجاري بمشاركة عشرات الخبراء الاقتصاديين ومسؤولي السلطة الانتقالية وتحالف قوى الحرية والتغيير، ومهتمين من داخل البلاد وخارجها لتقديم حلول عاجلة وطويلة الأجل للأزمة الاقتصادية.
- السودان: تشكيل إدارة عليا لتوفير الوقود والقمح والدواء بشكل عاجل
- السودان يعلن حاجته للعملة الصعبة لشراء سلع استراتيجية
ويكتسب المؤتمر أهميته لكونه مرتبطا بمسألة الدعم الحكومي للسلع الاستراتيجية "القمح، الوقود، الدواء" من حيث الإبقاء عليه أو رفعه، وفق اتفاق بين السلطة الانتقالية وتحالف قوى الحرية والتغيير.
وكانت وزارة المالية السودانية تنوي خفض الدعم الموجه للسلع الاستراتيجية في ميزانية العام المالي 2020، لكن تذمرا حدث في الشارع حال دون تطبيق هذه السياسة، وتم إرجاؤها للحسم في المؤتمر الاقتصادي الذي يسبقه حوار مجتمعي شامل بهذا الخصوص.
وتقول المالية في السودان إنها تواجه صعوبات بالغة في الحصول على النقد الأجنبي لاستيراد القمح والوقود والدواء، حيث تحتاج إلى 302 مليون دولار شهريا لمواجهة متطلبات استيراد السلع الثلاث، في ظل شح الصادرات وهي فجوة تمويلية في العملات الصعبة ورثتها من نظام الإخوان البائد.
مساع لإصلاح تخريب الإخوان
وقالت وزارة المالية السودانية، في ورقة تعريفية بالمؤتمر الاقتصادي حصلت عليها "العين الإخبارية"، إن المؤتمر يسعى لإصلاح الاقتصاد من التخريب الذي تعرض له في عهد الإخوان المستبد، وﺗﻘﺪﯾﻢ اﻟﺒﺪاﺋﻞ ﻹزاﻟﺔ اﻟﺘﺸﻮﻫﺎت اﻟﻬيكلية، ووﻗﻒ اﻟﺘﺪﻫﻮر.
كما يسعى إلى بحث طرق تثبيت ﺳﻌﺮ اﻟﺼﺮف وﺗﺤﻘيق اﻟﺘﻮازن ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺰان اﻟﺨﺎرﺟﻲ وﺗﺨﻔﯿﺾ ﻋﺠﺰ اﻟﻤﻮازﻧﺔ وﺗﺄﻛﯿﺪ دﻋﻢ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻠﻤﻮاﻃﻦ وﺗﺄﻫﯿﻞ اﻟﺴﻮدان ﻟﻠﻌﺐ دوره اﻟﻄبيعي ﻓﻲ ﻣﺤﯿﻄﻪ الإﻗﻠﯿﻤﻲ واﻟﺪوﻟﻲ، ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﻓﺮص اﻟﺘﻌﺎون اﻟﺪوﻟﻲ واﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ.
وشددت المالية على أن اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﻘﻮﻣﻲ يتيح اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻠﺤﻮار اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ ﺑﯿﻦ ﻣﻜﻮﻧﺎت اﻟﺪوﻟﺔ، اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ، اﻟﻔيدراﻟﯿﺔ، واﻟﻮﻻﯾﺎت، واﻟﻌﻤﺎل، واﻷﺣﺰاب اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ، واﻟﻘﻄﺎع اﻟﺨﺎص، وﻣﻨﻈﻤﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ واﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﺸﺒﺎﺑﯿﺔ واﻟﻨﺴﻮﯾﺔ، واﻟﺠﺎﻣﻌﺎت، وﻫﯿﺌﺎت اﻟﺒﺤﺚ اﻻﻗﺘﺼﺎدي لحل الأزمة.
وتوقعت أن ﺗﺸﻜﻞ اﻟﻤﺨﺮﺟﺎت واﻟﺘﻮﺻﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﺳﻮف ﯾﺘﻢ طرحها أﺳﺎﺳﺎ يرتكز ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻔﺎﻓﯿﺔ واﻟﻤﺴﺎءﻟﺔ وﺳﯿﺎدة ﺣﻜﻢ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻹﺣﺪاث اﻹﺻﻼح اﻟﺸﺎﻣﻞ وﺗﻬﯿﺌﺔ اﻟﻤﻨﺎخ للاﻧﺘﻌﺎش واﻟﻨﻤﻮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻤﺎ ﯾﻤﻜﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﻮر ﺑﺎﻟﺒﻼد إﻟﻰ ﺑﺮ اﻷﻣﺎن.
وقال تقرير المالية: "ورﺛﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎﻟﯿﺔ ﺗﺮﻛﺔ ﻣﺜﻘﻠﺔ وﻣﻌﻘﺪة ﻣﻦ اﻷزﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺮاﻛﻤﺖ ﻋﺒﺮ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﻋﺎﻣﺎ من النظام البائد".
وأضاف "ﻫﺬه اﻷزﻣﺎت اﻟﻤﺘﺮاﺑﻄﺔ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻷﻣﻦ واﻟﺴﻼم واﻻﻗﺘﺼﺎد وﻗﺪ ﻗﻄﻌﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎﻟﯿﺔ ﻣﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﺴﯿﺎدي وﻣﺠﻠﺲ اﻟﻮزراء ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ اﻟﺤﺮﯾﺔ واﻟﺘﻐﯿﯿﺮ ﺷﻮﻃﺎ في تثبيت دﻋﺎﺋﻢ اﻷﻣﻦ واﻟﺘﻔﺎوض ﻣﻊ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت اﻟﻜﻔﺎح اﻟﻤﺴﻠﺢ".
وتابع "ﺗﻈﻞ اﻷزﻣﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﻤﺮﻛﺒﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﺤﺪي اﻷﻛﺒﺮ ﻧﺘﯿﺠﺔ ﻟﻠﻀﻌﻒ واﻟﻮﻫﻦ اﻟﺬي أﺻﺎب ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﺤﻜﻢ، وﻏﯿﺎﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﯿﺎن، ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺿﻌﻒ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ واﻧﻌﺪام اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ وﺳﻮء اﻹدارة اﻟﻌﺎﻣﺔ، واﻟﺤﺼﺎر اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺨﺎرﺟﻲ، وﺗﺪﻫﻮر اﻷداء اﻟﻤﺎﻟﻲ".
تجليات الأزمة الخانقة
وتتجلى الأزمة الاقتصادية السودانية التي يعول على المؤتمر الاقتصادي في علاجها، وفق تقرير وزارة المالية الذي حصلت عليه "العين الإخبارية"، في ارتفاع معدلات البطالة خاصة وسط الشباب والنساء، ما أسهم في ارتفاع معدل الفقر في البلاد إلى 65% خلال عام 2019.
كما تجلت الأزمة في ارتفاع معدل التضخم إلى 54% العام الماضي، ما انعكس سلبا على قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية، بجانب الاختلال الهيكلي الناجم عن زيادة الدين الداخلي والخارجي بغرض تغطية عجز الموازنة الذي ارتفع إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبزرت أزمة الاقتصاد السوداني في شح السيولة النقدية والدقيق والمواد البترولية، رﻏﻢ اﻟﺪﻋﻢ الحكومي الهائل لهذه السلع الاستراتيجية، وفق التقرير ذاته.
حلول عاجلة لتحديات الاقتصاد
وسيبحث المؤتمر الاقتصادي، وفق وزارة المالية، حلولا عاجلة لقضايا اﻟﻔﻘﺮ واﻟﺒﻄﺎﻟﺔ وﻋﺪم اﻟﻤﺴﺎواة ﻓﻲ اﻟﺪﺧﻞ واﻟﻔﺮص اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ داﺧﻞ وﺑﯿﻦ اﻟﻤﺪن واﻟﻮﻻﯾﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، بجانب ﺿﻌﻒ اﻹﻧﺘﺎج واﻟﺼﺎدرات ﻣﻊ ﺗﺰاﯾﺪ اﻟﻄﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻮاردات ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻊ واﻟﺨﺪﻣﺎت.
كما يبحث حلولا لاﺧﺘﻼل اﻟﻤﯿﺰان اﻟﺘﺠﺎري وﻋﺠﺰ اﻟﻤﻮازﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ، واﻟﺘﻀﺨﻢ وارﺗﻔﺎع اﻟﻌﺐء اﻟﻤﻌﯿﺸﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاﻃﻦ، واﻻﻧﺨﻔﺎض اﻟﻜﺒﯿﺮ ﻓﻲ ﻗﯿﻤﺔ اﻟﺠﻨﯿﻪ اﻟﺴﻮداﻧﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﻌﻤﻼت اﻷﺟﻨﺒﯿﺔ.
أهداف المؤتمر الاقتصادي
ويهدف المؤتمر الاقتصادي، بشكل رئيسي، إلى ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ اﻟﺘﺤﺪﯾﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﺒﻼد وتقديم رؤى ﻣﺤﺪدة ﻟﺤﻠﻬﺎ.
ويناقش ﻣﻜﻮﻧﺎت اﻟﺮؤﯾﺔ اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ واﻟﻤﻼﻣﺢ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ وأوﻟﻮﯾﺎت اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ اﻟﺜﻮرة ﻟﺒﻨﺎء دوﻟﺔ ﺗﻨﻤﻮﯾﺔ دﯾﻤﻘﺮاﻃﯿﺔ ﺗﻠﻌﺐ ﻓﯿﻬﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت اﻟﻮﻻﺋﯿﺔ واﻟﻤﺤﻠﯿﺔ وﻣﻜﻮﻧﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ وﺟﻤﯿﻊ أﻫﻞ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﻓﻲ رﺳﻢ اﻟﺴﯿﺎﺳﺎت وﺗﻨﻔﯿﺬﻫﺎ.
كما يهدف لمناقشة اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ ﻣﻊ اﻟﺘﺮﻛﯿﺰ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺒﺌﺔ اﻟﻤﻮارد اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ﻣﺘﻀﻤﻨﺔ اﻹﺻﻼح اﻟﻀﺮﯾﺒﻲ واﻟﺠﻤﺮﻛﻲ، واﻟﺘﻌﺪﯾﻦ، واﻟﺤﻮﻛﻤﺔ واﻹدارة اﻟﻌﺎﻣﺔ، ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺗﺮﺷﯿﺪ اﻹﻧﻔﺎق اﻟﻌﺎم، وﺗﻌﺒﺌﺔ اﻟﻤﻮارد اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ ﻣﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﻮﯾﻼت اﻟﻤﻐﺘﺮﺑﯿﻦ واﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﺨﺎص واﻟﻤﻨﺢ.
وﯾﺘﻀﻤﻦ ﻧﻘﺎش اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ، ﺗﻘﺪﯾﻢ وﻣﻨﺎﻗﺸﺔ اﻟﻤﻮازﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻌﺎم 2020 وإﺻﻼح ﻧﻈﺎم اﻟﺪﻋﻢ ﺑﻐﺮض زﯾﺎدة ﻧﺠﺎﻋﺘﻪ وﻓﺎﻋﻠﯿﺘﻪ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ إﺣﺪاث إﺻﻼح اﻗﺘﺼﺎدي ﺷﺎﻣﻞ، وﺗﻮﻓﯿﺮ اﻟﺴﻠﻊ واﻟﻌﺪاﻟﺔ ﻓﻲ إﯾﺼﺎﻟﻬﺎ ﻟﻠﻤﺤﺘﺎﺟﯿﻦ واﻟﻔﺌﺎت.