أمريكا تتجاوز مفهوم الأمن الاقتصادي مع الصين.. إلى أين تتجه خطط ترامب؟
اعتبر تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي أن الولايات المتحدة تسيء تفسير مفهوم الأمن الاقتصادي عندما ترى فيه ضرورة التشدد مع الصين.
وقال التقرير إن الاستراتيجية الوطنية للأمن القومي لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قامت على فرضية تبناها دونالد ترامب في ولايته الأولى وباتت عقيدة غربية فيما بعد وهي أن العالم "في خضم منافسة استراتيجية لتشكيل مستقبل النظام الدولي"، وقد ركزت بشكل مستمر على البُعد الاقتصادي لهذه المنافسة.
واعتقدت الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها الأقرب أنهم في منافسة مع الصين على القيادة العالمية، وهو صراع يتم التنافس فيه عبر كل أبعاد القوة الوطنية: الاقتصادية، والتكنولوجية، والدبلوماسية، والعسكرية، والأيديولوجية.
وبعد أقل من شهر من تنصيبه، أمر الرئيس جو بايدن بمراجعة لمدة 100 يوم لسلاسل الإمداد الأمريكية الحيوية لتقييم مرونتها ومواردها.
ومن قانون خفض التضخم إلى ضوابط التجارة الاستراتيجية الواسعة، عملت إدارة بايدن على دمج الأمن القومي والسياسة الخارجية بشكل أكثر تكاملاً مع السياسات الاقتصادية المحلية والدولية، بشكل بات شبه موجه ضد الصين.
- الصين تدس «رسائل تحذيرية» في أول تهنئة لترامب.. وتضرب الطلقة الأولى
قوة الابتكار
لكن بحسب التحليل، فإن المفتاح لاقتصاد قوي هو الابتكار، الذي يتطلب وجودًا قويًا على جبهات التقنيات الجديدة والناشئة. وبالنسبة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الابتكار "ضروري"، حيث إنه "يوفر الأساس لإنشاء شركات جديدة، ووظائف جديدة، ونمو في الإنتاجية، وهو محرك رئيسي للنمو الاقتصادي والتنمية."
والتقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية، والتكنولوجيا الحيوية، والتكنولوجيا النانوية، والمواد المتقدمة، وغيرها ستغير العالم وستؤثر على "مليارات المستهلكين، ومئات الملايين من العمال، وتريليونات الدولارات من النشاط الاقتصادي عبر الصناعات".
وبحسب التقرير، فإن الفائزين في هذه المنافسة سيحصلون على القيادة لعدة أجيال من التكنولوجيا فالنجاح سيمنح الشرعية لنموذج الابتكار الخاص بتلك الدولة، مما يعزز قوتها الناعمة. وفي خطاب له عام 2014، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ: "إن الابتكار أصبح في العلوم والتكنولوجيا دعمًا حاسمًا لزيادة القوة الوطنية الشاملة. من يمتلك مفتاح الابتكار في العلوم والتكنولوجيا، يتحرك بخطوة هجومية في لعبة الشطرنج وسيتمكن من استباق منافسيه والحصول على المزايا. وبالتالي، هذه هي الرهانات النهائية في المنافسة على القيادة التكنولوجية وهي أيضًا مفتاح أي مفهوم حديث للأمن الاقتصادي".
تفوق الصين
ومن أجل منافسة صحيحة، دعا التقرير القادة الغربيين لفهم نقاط القوة والتفوق الصيني بشكل صحيح. وقال إن الصين، الخصم الرئيسي للولايات المتحدة، كانت احتضنت بحماسة السياسة الصناعية، وأنتجت العديد من الخطط الوطنية ووفرت مئات المليارات من الدولارات لتعزيز تطوير التكنولوجيا ورؤيتها للأمن الاقتصادي.
وفي نسختها من الرأسمالية ترفض المذهب الغربي، حيث تمزج القطاعين العام والخاص بحيث يصعب على المراقبين تحديد "بدقة أين ينتهي تأثير الحزب الشيوعي الصيني وأين يبدأ استقلال الشركات".
بالإضافة إلى ذلك، قامت الصين بتعزيز الشركات المحلية بهدف تعزيز الاكتفاء التكنولوجي الذاتي، ووضع شركاتها كقادة عالميين في الصناعات الحيوية وهو النموذج المثالي للأمن الاقتصادي.
وتظهر تحليلات مختلفة أن الصين متفوقة على الولايات المتحدة أو متساوية معها في التقنيات الجديدة والناشئة الحرجة. ومن ثم فتجاهل الصين باعتبارها قادرة فقط على السرقة أو التقليد هو أمر قصير النظر بشكل خطير.
واقترح التقرير صياغة استراتيجية للأمن الاقتصادي، وهو ما سيلزم الغرب بتركيز الطاقات الفكرية والسياسية على فهم وشرح ما هو الأمن الاقتصادي وما يتطلبه. ويجب أن تكون سياسة الأمن الاقتصادي شاملة، تقوم على تحفيز الابتكار وتعزيز مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM).
واعتبر التقرير أن التعاون متعدد الأطراف هو عنصر أساسي في أي استراتيجية للأمن الاقتصادي. ويجب مقاومة الدافع لاستخدام الأمن الاقتصادي كغطاء للحماية الحمائية. فاستراتيجية تتمحور حول مصالح ضيقة ومحددة وذات طابع وطني بحت ستفشل.
فلا يمكن لأي دولة أن تبتكر في جميع مجالات التقنيات الناشئة. ولا يمكن لأي دولة أن تسيطر بشكل كامل على سلاسل الإمداد اللازمة للتقنيات الجديدة والناشئة أيضًا. بل يتطلب الأمن الاقتصادي الحقيقي مجتمعًا من الدول ذات الفكر المتشابه، ويجب أن يتوسع الغرب في اختيار شركائه دون وجود عامل أيديولوجي.