التيسير الكمي كلف الحكومات المليارات.. هل كان يستحق؟
اشترت البنوك المركزية في العالم المتقدم ما قيمته تريليونات الدولارات من السندات لتحفيز اقتصاداتها لكن هل كانت هذه الخطوة مجدية؟
الإجابة رصدها تقرير لـ"الايكونوميست" إذ قال إنه قد حان وقت دفع الفاتورة، وفي آخر إحصاء، تعرض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لخسارة ورقية قدرها 911 مليار دولار في محفظته من الأوراق المالية البالغة 8.2 تريليون دولار.
وفي 25 يوليو/تموز الماضي، قال بنك إنجلترا المركزي إنه، وفقا "لافتراضات عقلانية"، سيكون على وزارة الخزانة تحويل حوالي 275 مليار جنيه استرليني بين عامي 2023 و 2033 لتغطية التدفقات النقدية للبنك.
لكن بعد ثلاثة أيام تماما، فاجأ بنك اليابان الأسواق برفع سقفه على عائدات السندات طويلة الأجل خاصه السندات لأجل 10 سنوات ، من 0.5٪ إلى 1٪. وتؤدي زيادة بنسبة 0.25 نقطة مئوية في عوائد السندات اليابانية عبر جميع فترات الاستحقاق وحسب التقديرات ، الى خفض قيمة السندات الضخمة للبنك المركزي الياباني بنحو 58 مليار دولار - وهو يساوي 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي الياباني.
ويمكن للبنوك المركزية أن تطبع الأموال وبالتالي لا يمكن أن تنهار. لكن السماح لهم باستنزاف السيولة أمر يخلق مشاكل ما لم يقم دافعو الضرائب بتغطية الخسائر. أما هذه التكاليف المتزايدة للوفاء بهذا الالتزام، فتثير تساؤل حول ما إذا كان التيسير الكمي بالفعل يستحق هذه النفقات - وهل يجب استخدام أليه شراء السندات في المرة القادمة التي يحتاج فيها الاقتصاد إلى التحفيز.
ولتنفيذ التيسير الكمي، طبعت البنوك المركزية أموالًا على شكل احتياطيات في النظام المصرفي واستخدمتها لشراء سندات طويلة الأجل ، بهدف خفض عوائدها.
المشكلة
وتكمن المشكلة المباشرة في أنه مع قيام البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم ، كان عليها أن تدفع عائد أكثر على تلك الاحتياطيات ومع ذلك ، ظلت المدفوعات التي يتلقونها على السندات ثابتة. ولم يكن بيع السندات حلال لأنها ستدر أقل بكثير من تكلفتها، ومن هنا تظهر الخسائر الورقية.
وفي المقابل، يبذل صانعو السياسة قصارى جهدهم للتستر على هذه القضية حيث أعلن البنك المركزي الأوروبي في 28 يوليو/تموز أنه سيتوقف عن دفع الفائدة على الحد الأدنى من الأرصدة النقدية التي يتعين على البنوك الاحتفاظ بها لأسباب تتعلق بالاستقرار المالي، وهو ما ساوى فرض ضريبة خفية على النظام المصرفي .
وهذه التكتيكات لا تغير من حقيقة أن التسهيلات الكبيرة تضيف العبء على الميزانيات الحكومية الهشة ، والتي استنزفت بسبب الأزمة المالية ووباء كوفيد -19 وشيخوخة السكان.
وكانت الخسائر محرجة للغاية لأن الكثير من الإجراءات التي تمت خلال فترة الجائحة اتضح أنها تأتي بنتائج عكسية.
وقامت البنوك المركزية بشراء السندات لفترة أطول من المدة اللازمة، حيث اشترى بنك الاحتياطي الفيدرالي أخر دفعات السندات مارس/أذار 2022 ، وبعدما وصل التضخم الى 8.5%، أدرك الساسة أنهم طبقوا الكثير من الحوافز ورفعوا معدلات الفائدة بشكل حاد. وخسارة البنوك المركزية للمال مع استمرار التضخم هو مجرد سبب آخر جعلها تبدو حمقاء.
التخلي عن التيسير الكمي
وتساءل التقرير عما اذا كانت التجربة الأخيرة تعني أنه يجب التخلي عن التيسير الكمي في المرة القادمة التي يحتاج فيها الاقتصاد فعلاً إلى حافز. وقال إن البنوك المركزية يجب أن تسترشد بالظروف.
أما القاعدة الأولى التي يجب عليهم اتباعها، فهي عدم التراجع أثناء أزمة مالية. ففي أواخر عام 2008 ، تضاعف حجم الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي وتصرف البنك المركزي كمقرض .
وقد تكرر الأمر - تقريبًا - في ربيع عام 2020 ، حيث تسبب ظهور الوباء في "اندفاع المستثمرين بحثًا عن المال" ومن المرجح أن يؤدي تنفيذ الاقراض في فترة ذعر الأسواق إلى تحقيق أرباح بدلاً من الخسائر. ولكن حتى إذا خسرت مثل هذه الأموال ، فإنها تستحق العناء.
حتى مئات المليارات من الدولارات سيكون ثمنًا يستحق دفعه لتجنب كارثة مالية على غرار ثلاثينيات القرن الماضي، وبعدها ترتفع البطالة ، والتي من شأنها أن تسبب اليوم أضرارًا تكلف عشرات التريليونات من الدولارات.
وعندما تكون الأسواق هادئة ، يصبح من الصعب الحكم على قوة التيسير الكمي كمحفز للنمو ولذلك ، يجب أن تكون القاعدة الثانية هي اللجوء إلى التيسير الكمي فقط عندما يتم استنفاد جميع الخيارات الأخرى حتى بعد أن تنخفض أسعار الفائدة إلى الصفر ولا يمكن خفضها أكثر.
وحتى عندما تنخفض الفائدة الى معدلات صفر ولا يمكن خفضها بشكل أكبر، فمن المهم أن تكون البنوك المركزية واضحة بشأن نيتها إبقاء أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة - وهو الوعد الذي قد يعززه التيسير الكمي ، لكنه بالكاد يعتمد عليه.
وتستطيع للحكومات خفض الضرائب أو زيادة الإنفاق كتيسير في ذاته، كما فعلت على نطاق واسع أثناء الوباء.
ويمكنهم تمويل هذا التحفيز المالي عن طريق إصدار دين طويل الأجل ، والذي على عكس الاحتياطيات التي أنشأتها البنوك المركزية ضمن آلية التيسير الكمي، لن يجهد الميزانيات إذا ارتفعت أسعار الفائدة. كما يجب أن يبقى شراء السندات في ترسانة الطوارئ .
aXA6IDMuMTQ5LjI0LjE0NSA= جزيرة ام اند امز