اقتصاد أمريكا يصل لمحطة تقييم «بايدنوميكس».. أمل ومعاناة
وعد جو بايدن بـ«الانتعاش للجميع» بينما كان يستعد لتولي الاقتصاد الذي دمرته الجائحة قبل 4 سنوات.
قليلون فقط هم من توقعوا ما سيحدث، لذلك سلطت "الغارديان" عبر تقرير حديث لها الضوء على سياسة الـ«بايدنوميكس»، وكيف تفاعل الاقتصاد الأمريكي معها خلال الولاية الرئاسية الأولى والوحيدة لـ«بايدن».
وفق طبيعة الواقع الحالي في الولايات المتحدة سيخلف أحد المرشحين -الديمقراطية كامالا هاريس نائبة الرئيس بايدن، والجمهوري دونالد ترامب الرئيس السابق- في يناير/كانون الثاني إرثاً متشعباً من الإنجازات والإخفاقات، لكن ما يهم المواطن هو الاستقرار والرخاء، فهل يتحقق ذلك مع الرئيس الـ47 القادم للولايات المتحدة؟
التضخم.. ومعاناة الأمريكيين
كانت موجات الصدمة التي أطلقها فيروس كورونا لا تزال تنتشر في جميع أنحاء العالم عندما تولى جو بايدن منصبه كرئيس للولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني 2021، وفي الولايات المتحدة والعديد من الاقتصادات الأخرى مهدت الجائحة الطريق لارتفاع غير عادي في التضخم.
لعدة أشهر، أصر البيت الأبيض والاحتياطي الفيدرالي على أن العوامل التي تدفع هذا النمو المتزايد في الأسعار كانت "مؤقتة"، وبحلول الوقت الذي بلغ فيه مؤشر أسعار المستهلك "التضخم" ذروته، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ جيل في يونيو/حزيران 2022، كان المسؤولون قد غيروا رأيهم.
شرع مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأمريكي) في حملة قوية لمعالجة التضخم في مارس/آذار 2022، وتم رفع أسعار الفائدة -التي تم تخفيضها إلى ما يقرب من الصفر في بداية الوباء- في 11 اجتماعاً، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ عقدين من الزمن.
فجأة، لم يكن خوف الفيدرالي الذي يخيم على اقتصاد الولايات المتحدة هو التضخم الجامح، بل شبح الركود، وبينما سارع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تهدئة النشاط في محاولة لمعالجة الأسعار ألقت التحذيرات من الانكماش الطويل الأمد بظلالها.
بدأ الفيدرالي الأمريكي سياسة التشديد النقدي في مارس/آذار 2022، عندما رفع معدل الفائدة 25 نقطة أساس إلى مستوى ما بين 0.25% و0.50%، واستمر في وتيرة الرفع حتى وصلت إلى نطاق بين 5.25% و5.5% كأعلى مستوى لها في أكثر من عقدين.
بقيت التوقعات المتوسطة للتضخم في الولايات المتحدة على مدى عام وخمس سنوات مستقرة، حيث تباطأ معدل التضخم السنوي إلى 2.4% في سبتمبر/أيلول من 2.5% في أغسطس/آب.
رغم التراجع الملحوظ في التضخم بعد وصوله إلى أعلى مستوى له منذ أربعة عقود في عام 2022، لا تزال الأسعار المرتفعة تشكل عبئا ماليا على الأمريكيين. وكان التضخم السنوي في الولايات المتحدة قد بلغ أعلى مستوى له منذ عدة عقود عند 9.1% في منتصف عام 2022 وسط أزمة في سلاسل التوريد بسبب جائحة فيروس كورونا، إضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية بعد بدء الحرب الروسية في أوكرانيا.
في إطار جهود الفيدرالي للوصول إلى معدل التضخم المستهدف، خفّض خلال اجتماع سبتمبر/أيلول 2024 معدل فائدته للمرة الأولى منذ 2020، بواقع 50 نقطة أساس حيث باتت تراوح بين 4.75 و5%، ويتجه إلى خفض إضافي مماثل بحلول نهاية 2024.
لكن فيما يتعلق بتوقعات الخمس سنوات المقبلة يتوقع ربع المستهلكين أن ينخفض التضخم إلى الصفر أو أقل، في حين يتوقع آخرون أن يتضاعف ليصل إلى 6% أو أكثر.
- بافيت يواصل التخارج من أبل.. ماذا يفعل بـ325 مليار دولار؟
- بعد ربع قرن برفقة العظماء.. إزاحة «إنتل» من مؤشر داو جونز لصالح «إنفيديا»
قوة التوظيف.. وقيادة الاقتصاد نحو "الهبوط الناعم"
أسهمت سياسة "بايدنوميكس" في خلق ملايين فرص العمل في سوق العمل، وظلت جداول الرواتب خارج القطاع الزراعي، وهي المقياس الشهري الرئيسي المستخدم لقياس درجة حرارة الاقتصاد الأمريكي، ثابتة، وتراجعت البطالة إلى مستويات لم تشهدها منذ نصف قرن.
نجحت سياسة بايدن في إضافة ما متوسطه 399 ألف وظيفة شهرياً في عام 2022، و225 ألف وظيفة شهرياً في عام 2023، في حين اتجه النمو نحو الانخفاض خلال العام الماضي، واستقر بشكل أساسي في أكتوبر/تشرين الأول 2024 وسط الاضطرابات التي أحدثتها الإضرابات والعواصف، فقد ثبت أن التوظيف في سبتمبر/أيلول كان قوياً بنحو غير متوقع.
استقر معدل البطالة عند 4.1% مما يضمن بقاء سوق العمل على أرض صلبة قبل انتخابات يوم الثلاثاء الموافق 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وقالت وزارة العمل الأمريكية إن الوظائف في القطاعات غير الزراعية زادت 12 ألف وظيفة الشهر الماضي بعد ارتفاعها 223 ألف وظيفة في سبتمبر/أيلول عقب تعديل بالخفض.
وكان خبراء اقتصاد استطلعت رويترز آراءهم توقعوا ارتفاع عدد الوظائف 113 ألف وظيفة، وتراوحت التقديرات بين عدم إضافة أي وظائف إلى خلق 200 ألف وظيفة.
لقد نما الاقتصاد الأمريكي بنحو 11.8% منذ تسلم بايدن في نهاية 2020 حتى النصف الأول من السنة الجارية، في حين أن النمو خلال ولاية ترامب وصل إلى 7.6%، وفق حسابات صحيفة "وول ستريت جورنال".
سجل الاقتصاد الأمريكي فترة أخرى قوية من النمو، وإن كانت مخيبة للآمال بعض الشيء في الربع الثالث من العام الجاري، مدفوعاً بالإنفاق الاستهلاكي القوي الذي تحدى التوقعات بالتباطؤ، وهو ما قد يعني أن الناتج المحلي في عهد بايدن قد يسجل أقوى نمو في فترة رئاسية منذ السنوات الأربعة الأخيرة في ولاية الرئيس الأسبق بيل كلينتون.
أثارت البيانات القوية الأمل في نجاح صناع السياسات في توجيه الاقتصاد الأمريكي نحو ما يسمى "الهبوط الناعم"، مع عودة نمو الأسعار إلى طبيعتها وتجنب الركود.
بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة في سبتمبر/أيلول 2024. وعندما يتخذ المسؤولون في البنك المركزي قرارهم التالي في سابع اجتماع للجنة السوق المفتوح خلال 2024 يومي الأربعاء والخميس المقبلين (6 و7 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري) لحسم سعر الفائدة على الدولار، بعد يومين من الانتخابات الرئاسية، فمن المتوقع على نطاق واسع أن يخفضوا أسعار الفائدة بشكل أكبر.
أسعار الغذاء.. فواتير مرتفعة
على الرغم من أن الاقتصاد الأمريكي ظلّ يتمتع بقدر ملحوظ من المرونة، فإن العديد من الأمريكيين لم يشعروا بها.
في وقت سابق من عام 2024 الجاري اعتقدت أغلبية واضحة من الأمريكيين خطأً أن الولايات المتحدة كانت في حالة ركود اقتصادي، وفقاً لاستطلاع أجرته "كامالا هاريس" حصرياً لصحيفة "الغارديان". لم تتغير هذه النظرة التشاؤمية إلا قليلاً بحلول الوقت الذي أعاد فيه منظمو الاستطلاع إجراء الاستطلاع في سبتمبر/أيلول.
من غير المرجح أن تؤدي إصدارات البيانات الاقتصادية الإيجابية -انخفاض التضخم، ومستويات التوظيف الصحية، والنمو المطرد- إلى تحريك الإبرة عندما يستمر رصيدك البنكي في التآكل، ولا يزال التأثير التراكمي لسنوات من التضخم يؤثر سلباً.
انخفاض التضخم لا يعني بالضرورة تراجعاً في الأسعار، ففواتير محلات البقالة التي ارتفعت بسرعة كبيرة في عامي 2021 و2022 لم تنهر مرة أخرى. بالنسبة للعديد من الأمريكيين، وأصبحت تكلفة المعيشة اليوم أعلى بكثير مما كانت عليه قبل 4 سنوات، فلا تزال الأسعار مرتفعة بنحو 25% في المتوسط عما كانت عليه في عام 2019، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي.
أسواق الأسهم.. طفرة ستاندرد آند بورز 500
بالنسبة لسلف بايدن، وخليفته المحتمل، لم يكن هناك مقياس للنجاح الاقتصادي الأمريكي أعظم من وول ستريت.
ترامب أضاف لمتابعيه على منصة "إكس" "بدأت سوق الأوراق المالية تبدو في حالة جيدة للغاية بالنسبة لي!". لقد بدت أسواق الأسهم في حالة أفضل بعهد خليفته "بايدن".
ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأكثر من النصف منذ أن تولى بايدن منصبه في بداية عام 2021، وسجلت جميع مؤشرات أسواق الأسهم الرئيسية مستويات قياسية جديدة خلال فترة ولايته.