في ضوء العديد من الشواهد والمؤشرات التحليلية تبدو عملية تحرير ميناء "الحديدة" وكأنها قد تأخرت كثيراً، فالقلق والمخاوف الدولية إزاء عواقب الفوضى السائدة في الموانئ اليمنية قد تزايدت في السنوات الأخيرة، لا سيما في ظل وقوع ميناء حيوي مثل "الحديدة" الواقع على
في ضوء العديد من الشواهد والمؤشرات التحليلية تبدو عملية تحرير ميناء "الحديدة" وكأنها قد تأخرت كثيراً، فالقلق والمخاوف الدولية إزاء عواقب الفوضى السائدة في الموانئ اليمنية قد تزايدت في السنوات الأخيرة، لا سيما في ظل وقوع ميناء حيوي مثل "الحديدة" الواقع على البحر الأحمر، في قبضة ميلشيات مسلحة لا تخضع لقوانين الدولة اليمنية الشرعية، ولا تلتزم بالمبادئ الدولية التي تنص على حرية الملاحة البحرية وتأمين الممرات البحرية الدولية، وتضرب مصلحة المجتمع الدولي بعرض الحائط.
فرغم استعادة السيطرة على موانئ عدن والمكلا والمخا وغيرها، فإن "الحديدة" بقي مصدر تهديد حقيقي للملاحة الدولية منذ إطلاق الصواريخ من هذا الميناء، والتي استهدفت قطعا بحرية غربية وسفنا تجارية في البحر الأحمر. كما أن بقاء الموانئ الحيوية اليمنية بين أيدي ميلشيات مسلحة قد ظل مثار قلق من استغلال القاعدة وداعش علاقة المصالح بينهما وبين ميلشيات الحوثي وصالح المدعومة من إيران في النفاذ إلى الميناء وتنفيذ عمليات إرهابية ضد المصالح والسفن الغربية المارة عبر البحر الأحمر، واستهداف الملاحة في باب المندب.
خطر الاستهداف البحري يطال بالفعل السفن المارة عبر باب المندب خلال السنوات الأخيرة، والتقارير الموثوقة كانت تشير إلى أن معظم السفن كانت تغلق أنظمة تتبعها عند المرور بهذه المنطقة، خشية رصدها وتنفيذ اعتداءات إرهابية ضدها، ما تسبب في ارتفاعات قياسية في "علاوات" مخاطر الحرب في التأمين على السفن والشحنات، لا سيما تلك المتجهة إلى ميناء "الحديدة" في الشمال.
تحرير ميناء "الحديدة" يمثل خطوة ضرورية نحو ضمان أمن الملاحة البحرية وتأمين الممرات البحرية الدولية ويصبّ في مصلحة المجتمع الدولي
تحرير الموانئ البحرية في اليمن، ظل هدفا حيويا لدول التحالف العربي من أجل ضمان أمن الملاحة في البحر الأحمر وممر باب المندب الحيوي، لذا فقد ركزت هذه الدول في البداية على تحرير ميناء عدن، باعتباره الميناء الأكبر والشريان الاقتصادي الرئيسي في اليمن، فضلاً عن أهميته البالغة من الناحية الجغرافية بحكم صغر المسافة التي تفصله عن باب المندب، والتي تبغ نحو 95 ميلاً بحرياً فقط، ثم جاء تحرير مينائي المخا والمكلا بعد ذلك في هذا الإطار لضمان السيطرة التامة على باب المندب.
وما يدعم هذا التوجه الاستراتيجي أن دولة الإمارات العربية المتحدة لها موقف ثابت حيال موضوع أمن وسلامة الملاحة والممرات والمنافذ البحرية، حيث تدعم الدولة جهود المكافحة الدولية للقرصنة البحرية، وتشارك في مجموعة الاتصال الخاصة بمكافحة القرصنة قبالة السواحل الصومالية بالأمم المتحدة.
البوابات البحرية لليمن بالغة الأهمية بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي المشرف على باب المندب، ففي اليمن 6 موانئ بحرية دولية (ميناء عدن، ميناء الحديدة، ميناء المكلا، ميناء المخاء، ميناء الصليف، وميناء نشطون)، مجهزة لاستقبال البضائع والسفن، و3 موانئ لتصدير النفط والغاز المسال (ميناء رأس عيسى، ميناء الشحر، وميناء بلحاف)، ناهيك عن 8 موانئ محلية، وتشرف موانئ اليمن على ممر باب المندب، الذي تمر عبره صادرات النفط الخليجية إلى الدول الغربية، أو نحو 3.8 ملايين برميل نفط يومياً، أي ما يعادل 6.7% من حجم تجارة النفط العالمية، كما تمر كذلك عبر هذا المضيق معظم التجارة الدولية، حيث يمر عبر هذا المضيق أكثر من 21 ألف سفينة شحن تجارية سنوياً.
وتشير تقارير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن إغلاق مضيق باب المندب سيحُول دون وصول ناقلات النفط من الخليج العربي إلى قناة السويس وخط سوميد لنقل النفط من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، ما يزيد من تكلفة النقل، ويؤثر بالتبعية في أسعار النفط ومن ثم الاقتصاد العالمي.
الأهمية الاستراتيجية للممرات البحرية، دفعت قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، الجنرال جو فوتل، إلى إطلاق تحذير في نهاية مارس الماضي ضمن شهادة له في مجلس النواب الأمريكي، من أن لدى الحوثيين في اليمن قدرات عسكرية متطورة بمساعدة من إيران "تهدد" حرية الملاحة في مضيق باب المندب الاستراتيجي للتجارة العالمية، وقال الجنرال فوتل إن الحوثيين، بدعم من إيران، نشروا صواريخ ومنظومة رادارات، فضلاً عن ألغام وقوارب متفجرات، وهي قدرات "تهدد التجارة، والسفن في المنطقة". واعتبر فوتل أن وجود الحوثيين يمثل "نقطة اختناق جديدة في المنطقة"، مشيراً إلى إمكانية تكرار الحوادث المتكررة بين السفن الأمريكية والإيرانية في مضيق هرمز، والتي تقدر بنحو 300 حادث سنوياً، نحو 15% منها يصنف بين "خطير" و"غير مهني"!!
في ضوء ما تقدم، وتأكيداً للحكمة الصالحة في كل العصور، ولكل مواقف الحياة "أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي مطلقاً"، فإن تحرير ميناء "الحديدة" يمثل خطوة ضرورية نحو ضمان أمن الملاحة البحرية وتأمين الممرات البحرية الدولية، ويصب في مصلحة المجتمع الدولي، ويمثل ضربة موجعة لإيران ووكلائها من الميلشيات المسلحة والجماعات والتنظيمات الإرهابية والإجرامية التي باتت تمثل عامل تقويض خطيرا للأمن والاستقرار الدولي، حيث تبقى احتمالية عالية لقيام تحالف إرهابي بين ميلشيات الحوثي والقراصنة في باب المندب والشاطئ الآخر أمام سواحل الصومال، وهذا السيناريو الأسوأ الذي لا ينبغي انتظار وقوعه، ومن ثم فإن التحرك لتحرير ميناء "الحديدة" ضرورة لازمة لإخضاع هذا الشريان الحيوي لشرعية وسيادة الدولة اليمنية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة