التوتر التركي الإيراني له أكثر من سبب ثنائي وإقليمي.
يُخطئ من يعتقد أن ما قاله الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان مؤخراً حول إيران وسياساتها العرقية والمذهبية "إيران تتبع سياسة توسعية فارسية في المنطقة"، أنه سيقود إلى توتر العلاقات وتراجعها وتسببها بانفجار أمني وسياسي بين البلدين.
لكن احتمال بقاء الأمور على ما هي عليه اليوم من برجماتية ثنائية تحمي عدم انقطاع الخيط الرفيع بينهما، لم تعد مسألة سهلة أمام حجم تباعد المواقف وتضارب المصالح في التعامل مع العديد من الملفات الإقليمية والدولية.
الاتهامات التي وجّهها الرئيس التركي وحكومته لإيران بالسعي للتوسع العرقي والمذهبي ونشر التشيع في دول المنطقة، أغضبت القيادة الإيرانية التي كان ردها سريعاً ومن العيار نفسه تقريباً.
"سنتحلى بالصبر إزاء مواقفهم.. لكن للصبر حدودا".
مشكلة أنقرة هي أنها تأخرت كثيراً في اكتشاف حقيقة أن السياسات الإيرانية الإقليمية تشكل مصدر خطر على أمنها، وإدراك ما قصده علي خامنئي في مطلع عام 2016 عندما قال: "لو لم نردع الأشرار ودعاة الفتنة في سوريا، لكنا نصارعهم في طهران وفارس وخراسان وأصفهان". فها هم يزعمون أنهم يحاربونهم في لبنان وتركيا والعراق وسوريا واليمن.
ومشكلتها الثانية أنها قدمت في حسابات الربح والخسارة مصالحها التجارية وحاجتها إلى الغاز الإيراني على مسألة البحث عن خيارات وبدائل إقليمية عربية إسلامية أو حتى غربية أخرى تسد استغلال ايران لنقاط الضعف التركي هذا.
ومشكلتها الثالثة هي محاولة لعب ورقة التوتر الإيراني العربي لصالحها أكثر من مرة، ومنذ مطلع الثمانينيات وحتى اليوم عندما أظهرت نفسها بمن يقف على الحياد مرة، ثم تبرعها بالتوسط بين الغرب وإيران في الملف النووي مرة أخرى، حيث وُقع العقد في فيينا عام 2014 دون دعوة تركيا كضيف شرف، حتى رغم كل عمليات التوسط واللقاءات السرية والعلنية التي نظمتها بين الفرقاء.
التوتر التركي الإيراني له أكثر من سبب ثنائي وإقليمي، فما هي أهم هذه الأسباب؟
- سياسات طهران تجاه الأزمتين السورية والعراقية والسياسات المتناقضة أمنياً واستراتيجياً هناك.
- إغضاب أنقرة لطهران بتوصيف الحشد الشعبي العراقي المدعوم من قِبلها بالمنظمة الإرهابية، التي تهدد أمن ووحدة العراق وبنيته العرقية والدينية والاجتماعية.
- نجاح طهران في تحويل توترها مع أنقرة إلى توتر تركي عراقي تستفيد منه إيران لإضعاف أنقرة في شمال العراق.
- استغلال طهران للتوتر والتباين التركي الأمريكي والتركي الروسي إلى أبعد الحدود في محاولة للإيقاع بين أنقرة من جهة وواشنطن وموسكو من جهة أخرى حيال قضايا إقليمية كثيرة تتجاوز ملفات العلاقات الثنائية التركية الإيرانية.
- رهان تركي على تحول محتمل في الموقفين الأمريكي والروسي حيال إيران وسياساتها الإقليمية في سوريا والعراق والخليج خصوصاً على ضوء مواقف إدارة ترامب الأخيرة التي تقول إن "إيران هي السبب الرئيسي للنزاعات في الشرق الأوسط، وإن الولايات المتحدة وحلفاءها سيعملون بشكل أقوى لتعطيل الدعم الإيراني للجماعات الإرهابية والمتطرفة".
- سياسات التسلح الإيراني خصوصاً ما قيل حول الاختبارات الصاروخية الباليستية لطهران التي قد تمثل انتهاكاً للقرارات الأممية، لكنها في الأصل تعتبر تهديداً للأمن القومي التركي والمدن التركية في عمق الأناضول مثل أنقرة وإسطنبول التي ستكون تحت مطال النار الصاروخية الإيرانية.
- تنبه أنقرة إلى ضرورة سحب ورقتي دمشق وبغداد من يد طهران ضدها، تحاشياً لارتدادات الملفين السوري والعراقي على أمنِها ونفوذها الإقليمي.
في مطلع أغسطس/آب الماضي كان الإعلام الإيراني والسوري التابع للنظام يُردّد أنّ حكومة العدالة والتنمية سقطت في مصيدة سوريا ووحولها المتحرّكة، وهي ستذهب زحفاً نحو طهران ودمشق طلباً للنجاة.
الواضح بالنسبة للكثيرين في تركيا اليوم هو أن إيران لا رغبة عندها بعد هذه الساعة لتكون وسيطاً بين أنقرة وبغداد، لإزالة توتر يخدم مصالحها، وهي لن تفعل ذلك في سوريا لا في موضوع "درع الفرات" ولا في مشروع المنطقة الآمنة، إذا لم نقل أن العكس هو الصحيح في عرقلة الأهداف التركية في البلدين.
ما أغضب إيران قد يكون ارتدادات الجولة الخليجية الناجحة لأردوغان، والعمل على تحسين العلاقات مع منظومة دول الخليج، التي تُوِّجت بتفاهم وتنسيق استراتيجي ثنائي وإقليمي واسع، وربّما العودة الأمريكية السريعة إلى المشهد الإقليمي ورسائل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإيرانية الأخيرة.
يستعد الرئيس التركي أردوغان، للقيام بجولة تحرك استراتيجي واسع في الشهر المقبل، تشمل بكين وموسكو وواشنطن، فهل تكون مقدمة لتحول استراتيجي تركي في التعامل مع الملفات الإقليمية وعلى رأسها تحديد سياسة تركية جديدة حاسمة حيال ايران؟ أم أن أنقرة ستكبل سياستها الإيرانية مجدداً بحجة حاجتها إلى الغاز والسوق الإيراني؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة