خبراء مصريون يفندون لـ"العين الإخبارية" مشاكل التعليم ويقدمون الحلول
تواجه مسيرة التعليم في مصر تحديات كبيرة وعديدة منذ سنوات طويلة، لكنها تفاقمت بشكل مرعب خلال السنوات الأخيرة رغم كل محاولات الحل.
في فبراير/شباط 2016، أطلقت الحكومة المصرية "رؤية مصر 2023"، وهي أجندة وطنية تعكس الخطة الاستراتيجية طويلة المدى للدولة لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة في كل المجالات، بما في ذلك التعليم، وتوطينها بأجهزة الدولة المصرية المختلفة.
وتستهدف الرؤية الاستراتيجية للتعليم حتى عام 2030 إتاحة التعليم والتدريب للجميع بجودة عالية دون التمييز، وفي إطار نظام مؤسسي، وكفء وعادل ومستدام ومرن.
كما تهدف أن يكون النظام مرتكزا على المتعلم والمتدرب القادر على التفكير والمتمكن فنيا وتقنيا وتكنولوجيا، وأن يساهم أيضا في بناء الشخصية المتكاملة وإطلاق إمكانياتها إلى أقصى مدى لمواطن معتز بذاته ومستنير ومبدع ومسؤول وقابل للتعددية، يحترم الاختلاف وفخور بتاريخ بلاده وشغوف ببناء مستقبلها، وقادر على التعامل تنافسياً مع الكيانات الإقليمية والعالمية.
ورغم ذلك يشتكي طرفا العملية التعليمية، المدرسون وأولياء أمور الطلاب، من تفاقم الأوضاع التعليمية على أرض الواقع، وتكدس المشاكل والتحديات.
"العين الإخبارية" تحدثت إلى خبراء تربويين عن التحديات التي تواجه تحسين العملية التعليمية في مصر، وأبرز الحلول التي قد تساعد في تخطي الأزمة.
الكثافة الطلابية في الفصول
الدكتور محمد عبدالعزيز، أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس المصرية، وصف التحديات التي تواجه تحسين العملية التعليمية بـ"الكثيرة"، موضحا أن على رأسها كثافة الفصول المرتفعة والعجز الكبير في أعداد المدرسين.
وقال عبدالعزيز لـ"العين الإخبارية"، إن وزارة التعليم المصرية أعلنت آخر إحصائية لعجز المدرسين العام الماضي وبلغت 320 ألف مدرس، هذا يعني أن العام الدراسي الحالي عجز المدرسين أعلى لأن كل عام يغادر الوزارة نحو 40 ألفا بين مستقيلين ومن خرجوا على المعاش.
وتابع: "حتى مع تعيين الوزارة 30 ألفا في مسابقة تعيين المدرسين، فإن هناك نحو 300 ألف مدرس عجز، وهذا رقم ضخم جدا ويمثل فراغا كبيرا في الهيئة التعليمية المنوط بها التدريس للطلاب".
ورأى أستاذ العلوم والتربية أن هناك مشكلة تتعلق بالمادة التعليمية المقدمة للطالب التي لا تتوافق مع الظروف الواقعية، فالمدرسون غير مؤهلين لتدريس المناهج الحالية، فضلا عن كون البنية التعليمية غير متوافقة مع المادة التعليمية الحالية.
وأضاف: "تتضارب رؤية الوزارة فيما يخص المناهج، لأنها أخذت بمعايير دولية عند وضع المادة التعليمية ولم تأخذ المعايير الإقليمية في الاعتبار، لذا على الوزارة تغيير فلسفتها بما يتناسب مع الوضع الذي تشهده الدولة".
واختتم: "يجب على وزارة التربية والتعليم وضع خطة إجرائية للتحديات الموجودة على أرض الواقع، مع تقديم حلول وبرامج لحل المشاكل وتطوير العملية التعليمية في مصر".
عدم توفير أدوات جذب لتحسين العملية التعليمية
الخبيرة التربوية شيرين عذرا رأت أن التحدي المالي يقبع على رأس التحديات التي تواجه وزارة التربية والتعليم في مصر، حيث يؤثر على كل العملية التعليمية.
وقالت عذرا لـ"العين الإخبارية"، إن نقص الموارد المالية ينعكس بشكل رئيسي على عدد المدرسين الموجودين داخل كل مدرسة، ويخلق نقص عددهم الشديد مشكلة أخرى وهي تكدس الطلاب في الفصول.
وتابعت: "المفترض أن يضم كل فصل بحد أقصى 30 طالبا، لكن على أرض الواقع لا يحدث هذا، بل إن عدد الطلاب داخل كل فصل كبير للغاية، وهذا مجهد جدا على المدرس ولا يتيح الفرصة لاستفادة الطالب".
من ضمن التحديات التي تواجه تطوير التعليم في مصر، هو عدم توفير أدوات جذب في الفصول لأنها جميعا مكلفة، ما يجعل العملية التعليمية مملة بالنسبة لهم، ويحول دون مواكبة ما يشاهدونه في الخارج، خاصة أننا في عصر التكنولوجيا والإنترنت، وفقا للخبيرة التربوية.
ورأت من أهم الأولويات لتحسين العملية التعليمية في مصر هي توفير فصول تضم عدد طلاب أقل من 30 طالبا ليجلس مرتاحا، مع إمداد الفصل بأدوات التدفئة والتبريد لتتكيف مع الفصول المختلفة ليستطيع التركيز في الشرح.
وقالت: "أيضا إعادة توزيع وجبات الدعم على الأطفال خاصة في الأماكن الفقيرة مهم؛ لأن الطالب لن يركز في الشرح طالما هو جائع، وأي نقص في الاحتياجات الأساسية للطالب لن تمكنه من التركيز والفهم في الفصل".
واقترحت فرض التطوع الإلزامي على طلاب كل الكليات وليس من يدرس في كليات التربية فقط؛ للتدريس للتلاميذ يوما واحدا في الأسبوع، وهذا يغطي احتياجات الوزارة من المدرسين بنسبة 70% على الأقل.
وشرحت: "أقترح استثمار العدد البشري الضخم في الكليات المصرية المختلفة وتوزيعهم على المدارس ليدرسوا للأولاد، على أن يلتزم كل منهم بالتدريس يوما واحد في الأسبوع؛ بهدف القضاء على الجهل الذي أعتبره أخطر على الدولة من الحرب بالأسلحة".
تحديات تنمية مهارات الطفل وتطبيق ثقافة الدمج
الدكتورة ولاء شبانة، استشاري التربية النفسية والخبيرة التربوية في مصر، رأت أن أبرز تحدي تواجهه مسيرة التعليم في مصر، يكمن في ضعف ثقة المجتمع في المؤسسات التعليمية، وأيضا في المعلم نفسه الذي بات يُرى "فاقدا للجودة".
وقالت شبانة لـ"العين الإخبارية"، إن الوزارة لا تعر تدريب المدرسين أهمية، والكوادر التدريبية غير متوفرين بعدد كاف داخل الوزارة، مشيرة إلى انحسار الدور التنويري والتوجيهي للمدرسة والمعلم المسؤولين عن بناء شخصية الطالب بشكل سليم، وهي مشكلة أخرى مهمة على حد وصفها.
وتحدثت عن مشكلة عدم تدريب المعلم على مهارات استكشاف صعوبات التعلم لدى الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، ما يعوق تنمية المناهج التراكمية الأساسية، فضلا عن تحدي عدم إتاحة تنمية مهارات الأطفال لأن المعلم غير مؤهل.
وسلطت الخبيرة التربوية الضوء على مشكلة مهمة تكمن في الدمج غير المفعل للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، بسبب ثقافة المجتمع وعدم وجود مدرسة في كل أنحاء الدولة مؤهلة للتعامل مع أطفال الدمج إطلاقا.
أيضا تحدثت الدكتورة ولاء شبانة عن مشكلة انخفاض مستوى اللغات داخل المدراس في مصر، فضلا عن الاختلاف المتباين بين مستوى المدارس وبعضها ما يظهر الفئوية الشديدة بينها، وأيضا عدم تطوير الأدوات المدرسية لتناسب التطور العصري والتكنولوجي الكبير، وعدم استخدام استراتيجية "التعلم التفاعلي".
واتفقت شبانة مع سابقيها فيما يخص عدم كفاية عدد المدرسين بسبب مشكلة تخصيص موزانة لا تغطي كل احتياجات التعليم في مصر، فضلا عن تخصيص فترات في المدارس وهي فكرة تضعف وقت الطالب وبالتالي يعزفون عن الحضور ويتلاشى دور المدرسة في مقابل تضخم دور مراكز الدروس الخصوصية.
واختتمت: "الحل يبدأ من تعديل الموازنة العامة الخاصة بالتعليم؛ لزيادة دخل المعلم وزيادة أعدادهم داخل المدارس بشكل كافٍ، والاهتمام بدور التدريب داخل وحدات الوزارة والمؤسسات التابعة لها، وتفعيل دور التكنولوجيا بشكل أكبر داخل المدارس".