نحتاج اليوم فعلياً إلى مراجعة طرق عمل الآليات الإعلامية، وإعادة رسم استراتيجيات لحماية الإنسانية من تفشي هذا الخطر.
مقاييس تقدم الأمم تختلف حسب العصر الذي تعيشه والمكان، لكن الأمر اختلف الآن بعد أن فقدت الأماكن قيمتها خاصة مع توسع مفهوم العولمة، وانصهار الثقافات الإنسانية وتقارب البشر فكرياً وخاصة طريقة العيش، وإن اختلفت أساليب التفكير والوسائل.
المعايير الآن أصبحت خاضعة لنفس المعايير لأن البشرية تعيش عصراً واحداً، وتواجه نفس التحديات تقريباً.
معايير تقدم الأمم بين القضاء والعدل والمساواة والحرية، لكن أهم التحديات التي نواجهها اليوم هي التعليم لأن "ما نضعه في رؤوس أبنائنا اليوم هو مستقبل أممنا".
ما قيمة الإعلام إذا وصلنا إلى مرحلة وُظِّف فيها لتدمير شعوب وإشعال حروب، وخير دليل على ذلك ما قامت به ومازالت تعمل عليه قناة "الجزيرة" التي أنشأها النظام القطري لتكون منصة لجماعة من المتشددين، أوهموا الشعوب العربية ولزمن غير قصير بأنها منبر الحرية؟
وكذلك الإعلام لأن ما نضعه في عقول شعوبنا اليوم هو مستقبل أممنا وحاضرها، وهو الطريقة التي ينظر بها الشعب لما حوله ومن حوله، ويقيم بها تاريخه.
ليس عيباً أن يتم توجيه الإعلام إذا لم يتضارب هذا التوجيه مع كشف الحقائق وتحقيق الاستقرار وخاصة الأمن للشعوب.
لكن الأزمة الحقيقية التي كشفتها الأوضاع في منطقتنا هي أن يتم توجيه الإعلام لزرع الكراهية بين الشعوب، ورفض الآخر والعمل على ترسيخ أيديولوجيات التشدد، والتي خلقت بدورها الإرهاب ودعمته في مختلف مناطق العالم.
والسؤال اليوم هو هل حان الوقت لاعتماد سياسة الإخفاء كسياسة بديلة عن الإعلام، خاصة مع وسائل التواصل الاجتماعي التي خرجت عن كل رقابة؟ وليس في معنى الرقابة روح سلبية بعد ما آل إليه العالم.
ما قيمة الإعلام إذا وصلنا إلى مرحلة وُظّف فيها لتدمير شعوب وإشعال حروب وخير دليل على ذلك ما قامت به ومازالت تعمل عليه قناة "الجزيرة"، التي أنشأها النظام القطري لتكون منصة لجماعة من المتشددين، أوهموا الشعوب العربية ولزمن غير قصير بأنها منبر الحرية، وكسبوا ثقة شعوب غاب وعيها لسنوات.
لكن حبال الكذب قصيرة والصدمة التي أحدثتها وسائل الإعلام القطرية وداعميها جعلت العديد من الشعوب تفقد ثقتها في وسائل الإعلام، وكل أدواته الكلاسيكية بما في ذلك من تلفزيونات وإذاعات وصحف.
والتجأ الملايين إلى وسائل التواصل الاجتماعي حيث الخطر الأكبر، حيث انتقلت الذئاب التي كانت تنهش العقول عبر التلفزيونات والمنابر المعتادة إلى هناك متربّصة بقلة الوعي وقابلية التلقي والتقبل والفعل.
والحلول في مواجهة هذه التيارات ليست بالسهلة، ولا يمكن اتخاذ إجراءات أو قوانين تحكم وتضبط السيطرة التي خضع لها الشعوب ومازالت تتمدد كأخطبوط عملاق لا نرى حدوداً لامتدادها.
الحل في أمرين أساسين أولهما التعليم وتعديل البرامج التعليمية لما فيه صالح دولنا وشعوبنا، وهذا يتطلب الوعي بتجربتنا الفريدة، وتعودنا اعتماد كلمة فريدة لنتحدث إيجابياً، لكن هنا نرى أننا تفردنا في تغذية الحقد والكراهية وتأجيج الطائفية، وهذا ما عملت إيران منذ نهاية السبعينيات على زرعه وتعزيزه، والتحقت بها تركيا والنظام القطري الذي عزز بأمواله الطائلة دعم هذه التوجهات.
والحل الثاني هو في الإعلام نفسه. العالم الآن يحتاج إلى استعادة الثقة، ولن تُستردّ هذه الثقة إلا عبر إعلام بديل، إعلام بعيد عن الإرهاب، ولا نقصد هنا فقط بعيداً عن الترويج للخطاب الإرهابي لكن حتى ما تعتمده وسائل الإعلام والسياسة التي عملت بها في العقود الماضية بنقل مخاوف من الإرهاب وأحداث إرهابية دموية بتفاصيل دقيقة خلقت تيارات إرهابية جديدة معاكسة، هي في حقيقتها تكن الكره لمصادر الإرهاب وأسبابه.
العالم وفي خطابه اليوم الموجّه لمحاربة الإرهاب إعلامياً يمر بمأزق أشد خطورة وحساسية مما تواجهه الجهات الأمنية والاستخباراتية، وحتى السياسيين والدبلوماسيين.
لأن نتاج الضغوط الإعلامية في اتجاه محاربة الإرهاب ولد إرهاباً معاكساً نراه الآن في العديد من الدول الغربية وحوادث قتل واعتداءات دفعتها غرائز الكراهية، وهي بالتأكيد كانت نتاجاً للتلقي الإعلامي.
نحتاج اليوم فعلياً إلى مراجعة طرق عمل الآليات الإعلامية، وإعادة رسم استراتيجيات لحماية الإنسانية من تفشي هذا الخطر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة