مراقب مصري يروى رحلته مع كورونا.. من فحص المسافرين إلى الإصابة والعزل
مراقب بمطار القاهرة الدولي يروي لـ"العين الإخبارية" رحلته مع فيروس كورونا المستجد الذي أصيب به من خلال فحص المسافرين.. اقرأ التقرير من هنا
١٢ ساعة فصلت بين عمله كمراقب صحي في مطار القاهرة الدولي يفحص المسافرين قبل دخولهم البلاد، وبين إصابته بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، قبل أن تتحول حياة الشاب المصري محمد مصطفى بين ليلة وضحاها إلى ساعات لم يكن يتوقع أن يمر بها.
مع دقات الساعة معلنة منتصف ليل توقيت العاصمة القاهرة، قضى مصطفى، كبير مراقبي الحجر الصحي، أول ليلة له داخل أحد مستشفيات العزل جنوبي القاهرة، بعد ظهور نتائج تحليل الـ"بي سي آر" والتي جاءت إيجابية حسب ما توقعه تماما.
يروي مصطفى لـ"العين الإخبارية": "كنت في مأمورية داخل المطار لفحص مجموعة من القادمين من إيطاليا، بعدها شعرت بألم في حنجرتي وسعال شديد".
ويضيف: "لأنني أعرف جيدا أعراض كورونا المستجد، أخبرت زميلي بأنني أشعر بإصابتي بالفيروس، فخضعت للاختبار، وما هي إلا دقائق حتى أخبروني بنتيجة التحليل وقالوا لي إن سيارة الإسعاف في طريقها لنقلي إلى مستشفى العزل".
مصطفى، الوحيد من بين ٤٥ مراقبا بالمطار التي جاءت نتيجته إيجابيه، لكنه لم يستطع تحديد سبب إصابته: "أتعامل مع عدد كبير من المسافرين والأشخاص داخل المطار ولا أعرف كيف أصبت، كل ما أعرفه أنني تعرضت لحالات إيجابية كثيرة الفترة الأخيرة وكان وارد حدوث ذلك خاصة أننا أمام فيروس مجهول".
ويتابع مصطفى: "عادة نجري تحليل (بي سي آر) بعد انتهاء كل مأمورية لأننا نخالط مسافرين، وبعدها نعود لمنازلنا أو إلى عائلاتنا، وبالتالي يجب ألا نشكل تهديدا لأهالينا".
يحاول الشاب الثلاثيني كبت مشاعره غير أن وضعه الجديد صبغ نبرة حزن على صوته وهو يقول: "الحمدلله هذا قضاء الله، ومنتظر أقوم بالسلامة وأعود لعملي".
٩ سنوات.. في مواجهة الأمراض الوبائية
كمن يتذكر رحلة طويل، يقول مصطفى: "أعمل كمراقب في الحجر الصحي بالمطار منذ ٩ سنوات، وسبق وواجهنا أمراضا أشد فتكا من فيروس كورونا المستجد مثل الإيبولا أو الحمى الصفراء أو الملاريا لكنها لم تكن تنتشر بهذا الشكل في العالم ولم يتم تصنيفها كوباء عالمي".
يضيف الشاب بحماس: "منذ اليوم الأول في عملي كنت أطبق قواعد الفحص بحذافيرها لأني على قناعة أن المراقب الصحي هو العمود الفقري للطب الوقائي في نقاط الدخول والمنافذ لأي بلد، وبالتالي تقع علينا مسؤولية كبيرة".
ويرسم مصطفى طبيعة عمله طوال تلك السنوات قائلا: "مهمتي متابعة كل ما يخص الطائرات؛ معرفة مواعيدها ومعرفة الأمراض التي سيتم التعامل معها بعد وصول الرحلة، أتابع تعقيم الطائرات حال وجود إعدام نفايات أو طعام، خاصة لو الطائرة قادمة من بلاد تنتشر بها أوبئة مثل الكوليرا".
أول حالة كورونا.. ترقب وانتظار
وبفخر، قال مصطفى: "لا أزال أتذكر كيف تعاملت مع أول خبر عن ظهور حالة كورونا في الصين، أخذت الخبر ووضعته على مجموعة (واتساب) مخصصة لفريق المراقبين بالمطار، ومنذ ذلك الحين ونحن نقيس درجة الحرارة لكل القادمين من الصين قبل أن يصلنا أي منشور رسمي بالتعليمات، وقبل أن يتم تصنيف الفيروس كوباء".
إلى جانب الإجراءات الاحترازية، كان يشدد مصطفى وهو كبير المراقبين على فريقه، بضرورة ارتداء الزي الوقائي كاملا، مذكرا إياهم بانهم ليسوا مسؤولين عن أنفسهم فحسب.
يتابع بشيء من الأسى: "البعض لم يقدر حجم الكارثة لكن خبرتنا جعلتنا نترقب أن شيئا سيحدث وفعلا كنا نتابع الأرقام يوما بعد يوم حتى وصلتنا نشرات رسمية بدأنا بعدها نشدد في الإجراءات وكنت أشرف حينها على جميع نوبات العمل وأباشر العمل بنفسي داخل الطائرات القادمة من الصين".
يقول: "كنا نرى الصورة من بعيد لكن كنا متأكدين بل متيقنين أن فيروس كورونا سيأتي لا محال لأنه وباء ينتقل عبر الاتصال المباشر فسرعة انتشاره ستكون أكبر بعكس الأمراض الأخرى التي تنتقل بالدم".
كان مصطفى واحدا ضمن بعثة طبية توجهت إلى مدينة ووهان بالصين، لإجلاء 302 مواطنا، وعزلهم بالحجر الصحي بمحافظة مطروح الساحلية (شمال)، لمدة 14 يوما.
سر نجاة الأسرة من كورونا
وكأنه كان ينتظر سيرتهم، فيقول مصطفى عن زوجته وطفلته ذات العامين: "هم أول من فكرت فيهم وحمدت الله أنني لم أذهب لمنزلي على مدار ٢٠ يوما.. فهم بذلك ليسوا مخالطين ولم تنتقل لهم العدوى".
وبصوت متقطع وخافت: "فكرت في أمي كثيرا.. خاصة أنها مريضة.. خفت عليها.. طلبت من أخي عدم إخبارها لكن دعوات زملائي لي ونشر ما حدث معي سرعان ما جعل الخبر ينتشر.
يشرح إحساس والدته بعد علمها بالخبر: "بكت بشدة وبكى القريبون مني، وجدت نفسي أحاول طمأنة الجميع.. لا أعرف كيف أفعل ذلك خاصة أن إصابتي هزتني لكني صابرا".
يصف مصطفى شعوره بالامتنان قائلا: "تصلني رسائل ومكالمات كثيرة يوميا، وتسعدني دعوات الناس لي، ما يسعدني أكثر أن الجميع يعرف الآن طبيعة عملنا وكيف أننا خط الدفاع الأول لأي وباء".
لا يبدي الزوج مصطفى قلقه حيال تعامل أسرته في ظل أزمة تفشي فيروس كورونا: "زوجتي طبيبة وتتعامل بحرص شديد من قبل ظهور هذا الفيروس.. الوقاية بالنسبة لها أسلوب حياة وهذا ما يطمأني".
العزل.. معايشة من الداخل
وداخل غرفة منقسمة لجزئين، ليس بها سوى تلفاز ومنضدتين، واحدة للأدوية والأخرى للطعام، ونافذة تطل على حديقة واسعة، يقضي مصطفى أيام العزل قائلا: "اليوم يمر هنا ثقيلا.. لا أحد يخرج من غرفته، لا مجال للتعرف على أحد، حتى ذلك الباب (يقسم الغرفة الى نصفين) غير مسموح بفتحه".
يضيف: "أنام مرتديا الكمامة، أغسل يدي بالكحول باستمرار، ويمر علي فريق التمريض ٣ مرات لإعطائي الأدوية اللازمة، وجميععم يرتدون زيهم الوقائي الكامل مثلما كنت أطلب دائما من فريق عملي بالمطار".
يعترف مصطفى بأن فترة إقامته بالعزل الصحي جعلته يعايش ما كان يشعر به الآخرون حينما كان مراقبا صحيا ومهتمه توصيلهم للعزل بعد اكتشاف إصابتهم: "شعرت أنه أصبح لزاما علي طمأنتهم بشكل أفضل ودعمهم بصورة أكبر.. الآن أشعر بما كانوا يشعرون به".
ويكمل: "أن تكون محبوسا أمر صعب.. الآن أستشعر أهمية الحرية والصحة.. أقضي ساعات يومي بين الصلاة والاطلاع على أشياء جديدة تفيدني في مجالي فيما بعد".
يرى مصطفى أنه يتحسن، بفضل مناعته ومتابعة العلاج: "سخنت يوم واحد فقط لكن الحمدلله الأعراض بدأت تقل جدا عندي مع الأدوية، وأنتظر تكرار تحليل بي سي آر وأتمنى أن النتيجة سلبية".
رسالة للجميع
وجه مصطفى رسالة لجميع من يقرأ قصته: "الفيروس ليس بعيدا عن أحد.. من فضلكم ابقوا في منازلكم لا داعي للاختلاط بأي صورة.. اتركوا المصافحة والعناق جانبا، عودوا أنفسكم على غسل الأيدي بالماء والصابون بصورة مستمرة، اشربوا سوائل كثيرة اهتموا بالأكل الصحي".
يقول: "طالما لا يوجد علاج لفيروس كورونا حتى الآن فهو مرض مناعي، ومناعتك الشيء الوحيد الذي سيمكنك من محاربته وبالتالي لا يجب أن تنتظر حتى تكون مكاني".
ودعا الجميع لدعم مستشفيات العزل على كل المستويات سواء معنويا أو لوجيستيا خاصة فيما يتعلق بتوفير الأجهزة التنفسية اللازمة وغيرها، خاصة مع تفشي الفيروس المستجد.