مصرية توثق الأكل الشعبي بـ"الصلصال".. هدايا تذكارية
مصرية توثق الأكل الشعبي بالصلصال وتحلم بأن يتوفر كقطع تذكارية في المطارات للسياح، بدون مقابل مادي.. هذه قصتها
تنتهي من أعمال المنزل سريعاً، وتطمئن أن طفلتيها قد خلدتا للنوم، وتخبر نفسها بأنها الآن فقط تستطيع أخذ قسط من الراحة، فإذا بها تفكر في ممارسة هوايتها، وهي صنع مجسمات للأكلات الشعبية -بحجم العملة- باستخدام الصلصال الحراري كنوع من التوثيق لثقافة بلادها.
قالت الفتاة المصرية عزة عاطف لـ"العين الإخبارية": "تخرجت في كلية التجارة، وكانت أمنية حياتي الالتحاق بكلية فنون جميلة، كنت وما زلت أحب الفنون بكافة أشكالها، لم أفكر بأن الصلصال الحراري سيكون من بينها يوما".
اكتشاف الشغف بمجسمات الأكل.. صدفة
تروي عزة تفاصيل الصدفة كما تسميها: "الصدفة قادتني إلى شراء صلصال حراري عبر أحد المواقع التسويقية، ووجدت شغفي حينما كنت أستخدمه وأقوم بعمل أشكال منه وبيعها، حتى قادتني الصدفة مجددا عندما طلب مني أحد العملاء تصميم هدية لزوجته".
وأضافت: "بينما نحن نبحث عن الشكل المناسب لميدالية تصلح هدية لها، سألته عن أكلتها المفضلة أخبرني أنها المكرونة البشاميل وجدتني أمسك بالصلصال وألعب به حتى نفذت أول أكلة بحجم العملة".
تفسر الفتاة الثلاثينية اختيارها لهذا الحجم الصغير، القريب من حجم عملة الجنيه المصري، بقولها: "دقة فن (Miniature food) في أن يكون صغيرا للغاية، كلما كنت متمكنا استطعت تصغير المجسم.. فنجد اليابانيين برعوا في هذا الفن ووثقوا السوشي مثلا".
ترى عزة أن هناك أكلات شعبية مصرية تستحق التوثيق، خاصة أنها أكلات شهيرة ويسأل عنها السياح فور قدومهم إلى مصر، مثل الفول والفلافل، والكشري، ودقية البامية، والملوخية وغيرها.
قطع تذكارية ليست للبيع
تتذكر نقطة التحول بداخلها، فتقول: "بعد أول أكلة، تولد لدي شعور بأن هناك المزيد من الأكلات الشعبية التي أرغب في تجسيمها، والغريب أن هذه المرة لم يكن هدفي الربح بل على العكس فكرت بأن هذه الأكلات يمكن أن تكون توثيقا لثقافة بلدي".
لا تعرف عزة بالضبط ما الذي يمكن أن تفعله بمجسمات الأكل التي نفذتها خاصة أنها لا تفكر في الربح من ورائها: "فكرت لماذا لا أُعرف السياح بالأكل المصري، وتخيلت لو توفرت تلك المجسمات في المطارات كقطع تذكارية من مصر يهديها السياح للأهل والأصدقاء عند العودة".
وأضافت: "المشكلة أن فكرة الربح لا تستهويني، أشعر أن جميع الأكلات مثل أولادي، لا يمكنني بيعها أو تحمل فكرة أن يتحول الأمر لتجارة، خاصة أن الأكلة التي أنفذها لا أكررها".
ونفذت عزة ما يقرب من ٢٠ أكلة مصرية شعبية تنوعت بين المحشي والفتة، وطاجن البامية باللحمة الضاني والباذنجان المخلل، والفطير المشلتت والجبنة القديمة، والكشري، والفول والفلافل وأخرى.
الأم وبناتها.. عائلة فنية
وبشيء من الحماسة تقول عزة: "وجدت شغفي في هذه القطع الصغيرة.. عندما تنام بنتاي ألعب بالصلصال وأجدني أقوم بعمل أكلة جديدة وبمرور الوقت أصبحتا تشاركاني تلك الهواية".
تقول والدة صبا (٥ سنوات) وتيا (٣ سنوات): "أصبحنا نقضي أنا وبناتي وقتاً أطول معا، أتابعهما كيف تحاولان تقليدي بصلصال الأطفال، حتى إننا في أحيان كثيرة نتشارك عمل القطعة الواحدة".
تسعى عزة عاطف إلى أن تنقل كل ما تعلمته لبناتها، وتقول عن ذلك: "أعلمهما كل شيء عن الصلصال وأستمتع كثيرا عندما تسألان عن شيء جديد تريدان تنفيذه في مجسماتهم الصغيرة".
تكشف عزة أنها تنوي نقل خبرتها لفتيات أخريات على نطاق أوسع من خلال ورش عمل، لأنها بحسب وصفها عانت كثيرا حتى تتعلم، فكان هناك من يبخل بالمعلومة وهناك من يحاول مساعدتها ودعمها بكل ما يعرفه.
وأضافت: "كنت أسأل أحدهم عن المادة المستخدمة في تلميع قطعة فنية مثلا فتتهرب في الإجابة، وقتها تمنيت أن أعرف كل شيء وأعلمه لمن هم مثلي".
صعوبات ما قبل الإنجاز
تنهي عزة مجسم الأكلة الواحدة في يومين، لأنها تحب أن تتأنى قبل خروج القطعة الفنية للنور، فتقول "آخذ وقتي في تطرية الصلصال قبل تشكيله وإدخاله الفرن، أفكر في كل التفاصيل الخاصة بالأكلة سواء كانت بصوص أو لا، أو كانت بلمعة كاملة أو بدون".
وتبتسم وتقول: "برام البامية مثلا أفكر في الصوص وأستخدم صلصالا شفافا ثم أقوم بتلوينه، المخبوزات أفكر قبل تنفيذها هل ستكون بلمعة كاملة أم نصف لمعة، كلها تفاصيل ترسم الشكل النهائي للأكلة".
ورغم تكلفة المواد المستخدمة في عمل المجسمات مثل الصلصال نفسه سواء كان "ألوان" أو "شفاف"، والورنيش المستخدم للتلميع وغيره من الأدوات لكن عزة تصر "ستبقى أكلاتي للتوثيق وليس للبيع".