الجمّيز.. شجرة ألهمت المصري القديم في الحياة وبعد الموت
واحدة من أهم الأشجار والنباتات المقدسة عند المصريين القدماء كما تدلنا النقوش والرسوم الموجودة على جدران المعابد المصرية القديمة.
شجرة الجمّيز.. أهم الأشجار والنباتات المقدسة عند المصريين القدماء، وهي شجرة نوبية الأصل انتقلت إلى فلسطين والشام، ويبلغ متوسط عمرها 400 عام، كما تدلنا النقوش والرسوم الموجودة على جدران المعابد المصرية القديمة.
ارتبطت تلك الشجرة بالفكر المصري القديم الخاص بنشأة الكون، واعتبرها "الأم السماوية" للإنسان، كما صنع منها التوابيت مثل تابوت الإله أوزيريس، كما عرف المصري القديم قدرتها على الشفاء واحتواءها على فوائد طبية وصحية جمة.
ثمار
يقول سليم حسن، في موسوعة مصر القديمة الجزء الأول، إن "تابوت الإله "أوزير" صنع من خشب شجرة الجمّيز، وكانت تظلله بفيئها من اليوم الـ24 من شهر كيهك إلى نهايته، وهذه المدة هي عيد الإله "أوزير"، وكان خشب الجميز يستعمل عادة لصنع التماثيل والتوابيت والأثاث، أما ثماره كانت تؤكل وتقدم قرابين".
وجاءت الجميزة في قصته "سنوحي" أو "سانهت" والذي يعني "ابن الجميزة" الذي اغترب عن مصر لسنوات كثيرة عانى فيها العديد من المشاكل والجوع والعطش حتى الموت، بالإضافة إلى أن المصري القديم كان يعتقد أن أرواح الموتى تأتى على هيئة طيور تحتمي في شجرة الجميزة؛ حيث تجد حاجتها من الطعام، وما زال المصري حتى اليوم ينظر إلى شجرة الجميز نظرة احترام على أنها رمز للخير.
خضراء
تتميز شجرة الجمّيز بأنها شجرة دائمة الخضرة، وتتسم أخشابها بالقوة، خاصة عند غمسها في الماء، وتبدأ شجرة الجميز بإعطاء الثمار بعد نحو 5 سنوات من تاريخ نموها، وقد ذكرها العديد من المؤرخين القدماء في كتاباتهم عن مصر؛ فعندما زار "هيرودوت" مصر في القرن الخامس قبل الميلاد؛ وصفها بأنها غابة من الجميز؛ دلالة على انتشارها في جميع أنحاء وربوع مصر.
وقد ذكر الجميز في أدبيات الطب القديم؛ فيقول "ابن سينا" عن فوائدها الصحية: "الجميز في لبنه قوة ملينة محللة للدم جدا وقيل إن لبن هذه الشجرة ملزقة وملحمة للجراحات العسيرة، وكذلك يحلل الأورام العسرة".
أما "ابن البيطار" فقال عنها: "يستخرج في أيام الربيع من هذه الشجرة لبنا قبل أن تثمر ويجفف ويقرص ويخزن في إناء من خزف، ويستخدم كمليّن ولازق للجروح ومحلل للأورام العسرة، وقد يشرب ويمسح به لنهش الهوام ووجع الطحال ووجع المعدة والاقشعرار، إذا طبخت ثمرته نفع لمن كان محرورا، ونافعا من السعال المزمن، ورقه إذا سحق وشرب منه على الريق نفع في الإسهال الذي عجز عنه المعالجون".
أما داود الانطاكي فقال: "ينفع من أوجاع الصدر والسعال ويصلح الكلى ويذهب الوسواس، يقطع الإسهال ويسقط الجنين ويدر الطمث وورقه يقطع الإسهال، يمنع القروح الساعية والآكلة، رماد حطبه يمنع القروح ذرورا، إذا رضت أوراقه وأطرافه الغضة وثمرته الناضجة وطبخ الكل حتى ينهري وصفي وأضيف له السكر وأخذ لعوقا كان جيدا لا مثل له لعلاج السعال المزمن وعسر النفس والربو ويصفي الصوت".
تحت الجميزة!
كما يؤكد الطب الحديث قدرة ثمار الجميز في علاج النزلات المعوية وانتفاخات البطن والإمساك بتناول المريض كوبا من عصير الثمار صباحا على الريق ومضغ ثمار الجميز لأطول فترة ممكنة في الفم، أو استعمال عصيرها كمضمضة لعلاج التهابات وترهلات اللثة، كما يساعد في علاج مرض الصدفية وبعض الأمراض الجلدية الأخرى على شكل دهان موضعي، حيث إن لبن الجميز يحتوي على المضادات الحيوية القادرة على إبادة الجراثيم ومواد أخرى تساعد على التئام الجروح.
ومن المعروف أن للأشجار عموما قدرة كبيرة على استقطاب الطاقة الحيوية وتكثيفها وإعادة بثها في محيطها، ولشجرة الجميز خاصة تعطى السكينة مع الطاقة الحيوية، وما زال المصري حتى الآن يقول كدلالة على الاسترخاء والسكينة: "إنت فاكر نفسك قاعد تحت الجميزة"، فلا غرابة في ذلك؛ فقد أطلق المصري القديم على "حتحور" ربة الحب والموسيقى والغناء والرقص "سيدة الجميز"، وهي التي علمت المصريين القدماء الرقص والغناء.