سوهاج.. مدينة مصرية توثق تاريخ 3 حضارات
الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة الآثار المصرية، يحكي لـ"العين الإخبارية"، قصة بناء سوهاج وأهميتها التاريخية والأثرية.
عُرفت مدينة سوهاج، الواقعة في صعيد مصر، بتاريخها العظيم كونها واحدة من أقدم مدن العالم، وتحتوي على آثار تعود للحضارات الفرعونية والقبطية والإسلامية، وتعود بدايتها إلى عصر الدولة الفرعونية القديمة.
وأعادت وزارة الآثار المصرية ترميم وتشييد تمثال الملك رمسيس الثاني، بمكان عرضه الأصلي بجانب تمثال الملكة ميريت آمون، بمبعدها بمنطقة آثار أخميم في سوهاج، جنوب مصر.
وتمثال رمسيس الثاني الذي أعيد ترميمه عبارة عن 70 قطعة، ويزن نحو 45 طنا من الحجر الجيري، وارتفاعه 12 مترا، بحسب بيان وزارة الآثار المصرية.
وحكى الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة الآثار المصرية، لـ"العين الإخبارية"، قصة بناء سوهاج وأهميتها التاريخية والأثرية لمصر والعالم.
شاهدة على التاريخ
يقول شاكر: "أرض سوهاج شهدت أحداثا تاريخية مهمة، بداية من عصور ما قبل التاريخ، إذ استوطن فيها المصري القديم، وأسس فيها حضارة في منطقة (أم العقاب) بمقابر للأسرتين الأولى والثانية، إضافة لمركز عبادة أوزيريس (إله البعث والحساب عند المصريين القدماء) في أبيدوس، وأصبحت مركزا للحج لقدسيتها واحتوائها على قبر أوزيريس، وكونها عاصمة لمصر بعد توحيد مينا القطرين".
على الجانب الشرقي من النيل تقع أخميم، أهم مدن سوهاج التي عاش فيها الملكان يويا وتويا والدا الملكة "تي"، زوجة الملك العظيم أمنحتب الثالث ووالدة إخناتون.
ويسرد شاكر: "أخميم كانت عاصمة للإقليم الـ9 بمصر القديمة وحتى نهاية العصر الروماني، وعرفت في النصوص الفرعونية باسم (خنتي مين) ويعني (مقر من)، وفي العصر القبطي عرفت باسمين (شمين) و(خمين)، بينما في العربية باسم أخميم، وأطلق اليونانيون عليها (بانوبوليس)".
ويضيف: "تحتوي أخميم على بقايا معبد أبيو المشهور، إضافة لمقابر بالجانب الشمالي الشرقي بها، وتعود أهميتها لوجود مدينة أثرية كاملة تحت المدينة الحديثة، واحتمالية احتوائها على معبد فرعوني يوازي أهمية معبد الكرنك بالأقصر".
وتزايدت أهمية أخميم، عقب الكشف الأثري عن تمثال الملك رمسيس الثاني أحد ملوك الأسرة الـ19، وفي عام 1982 عُثر على بقايا معبد لرمسيس الثاني وتمثال ضخم لميريت آمون ابنته، وبقايا مهشمة لتماثيل رمسيس الثاني، وقطع أثرية من العصر اليوناني والروماني، حسب شاكر.
العرابة المدفونة
أطلق على أبيدوس أسماء عدة، العرابة المدفونة، وأيجو، وآبدو، وصولا لاسمها الحالي أبيدوس، وكانت المركز الرئيسي لعبادة أوزيريس، إذ دفن فيها رأسه، وفقا للأسطورة الفرعونية، وضمت عددا من مقابر الأسرتين الأولى والثانية على شكل مصطبة بها أوانٍ وأدوات فخارية.
وتحتوي المدينة، التي تبعد عن النيل بنحو 12 كم، على معبدي سيتي الأول ورمسيس الثاني، وتحتوي على الكثير من الآثار؛ بينها أقدم القوارب في التاريخ المصري القديم، وخلال فترة زمنية قريبة أعيد اكتشاف الكثير من الآثار المدفونة بأبيدوس، ما أطلق عليها اسم "العرابة المدفونة"، وفقا لتصريحات كبير الأثريين.
ويوضح شاكر أن أهم المعابد داخل أبيدوس، معبد سيتي الأول ومعبد لاريب ومعبد جنائزي شيّده الملك سيتي الأول، والد الملك رمسيس الثاني، ويتميز بالنقوش المزخرفة على الأعمدة والجدران التي توثق معارك رمسيس الثاني وانتصاراته في آسيا، واستكمل رمسيس الثاني تشييد المعبد.
ويصف معبد سيتي الأول بـ"كتاب" تسرد صفحاته الإبداع المعماري والفني والعقائدي في مصر القديمة، ويوضح أهمية المعبد للتخطيط المعماري الفريد في شكل حرف "L" في اللغة الإنجليزية، إضافة لاحتوائه على 7 مقاصير رئيسية للآلهة: "أوزيريس وإيزيس وآمون رع ورع حور وأختي وبتاح" والملك سيتي الأول.
ويتابع: "أبيدوس ضمت أيضا، الأوزيريين، ومقبرة أوزيريس التي بُنيت خلف معبد سيتي الأول على عمق 18 مترا تحت الأرض، إضافة لمعبد رمسيس الثاني شمال معبد سيتي الأول، وشونة الزبيب الحصن المبني على ارتفاع 12 مترا، وبقايا هرم السنكي أورخ بالأسرة الـ4، ومقابر تنتمي للأسرتين الـ4 والـ5".
الدير الأبيض والجامع العتيق
سوهاج مدينة مليئة بالأسرار، فليست شاهدة على حضارة الفراعنة فقط، بل وثّقت آثار الحضارتين القبطية والإسلامية، إذ تضم دير الأنبا شنودة (أحد القديسين المسيحيين ويعرف برئيس المتوحدين بين 348- 466م)، هرم العمارة المسيحية بالمحافظة، ويسمى "الدير الأبيض" الأثري الواقع على مسافة 12كم بالجبل الغربي، ويرجع تاريخيه للقرن الـ5 ميلاديا، مصمم على الطراز البازيليكي.
ويقول شاكر: "بمنطقة الهجارسة واتربيس شيدت عدة أديرة وكنائس صغيرة مثل أخمي وأبوسفين، تعبد فيها نحو 4 آلاف راهب وراهبة بعد انتشار الرهبانة المنقطعة في مصر، وغرب سوهاج يوجد الدير الأحمر التابع للأنبا بيشوي، ودير السبع، المتوفر فيه عين ماء تستخرج منها نبات وعصارة حمراء اللون تستخدم في حرفة صباغة الحرير".
بينما شهدت المدينة المصرية، العصر الفاطمي، الذي ترك الجامع العتيق المعروف باسم "مسجد الشيخ العارف" بالقرن الـ8 هجريا، وجامع الفرشوطي نسبة لأحد الحكام الذين تولوا مدينة فرشوط بسوهاج، وقبر "مراد بك" أحد أمراء المماليك الذين حكموا صعيد مصر.