مسؤولان لـ"العين الإخبارية": استراتيجية جديدة لحماية دلتا مصر من الغرق
في الوقت الذي يخشى فيه العالم من ظاهرة التغييرات المناخية المفاجئة، تكثف الحكومة المصرية جهودها لمجابهة تلك المخاطر بهذه الاستراتيجية
تسعى الحكومة المصرية بشتى السبل لمجابهة مخاطر وتحديات فرضتها التغيرات المناخية على العالم بصفة عامة والقارة الأفريقية بصفة خاصة، وذلك من خلال استراتيجية جديدة، تهدف لصد أي تغييرات مناخية قد تتسبب في غرق دلتا مصر.
وعلى الرغم من أن الجهود الحكومية لم تكن وليدة اليوم، حيث تمتد إلى السنوات الثلاث الأخيرة مع أزمات السيول المتكررة، فإن الحكومة المصرية تطور من استراتيجيتها بصفة دورية لا سيما أن مصر هي ثاني دولة عالميا مهددة بخطر غرق أجزاء من أراضيها، بحسب ما أكدته مسؤولة حكومية لـ"العين الإخبارية".
إيمان سيد، رئيس قطاع التخطيط بوزارة الري، قالت إن بلادها تسعى جاهدة لتقليص حدة الآثار السلبية الناجمة عن التغيرات المناخية التي تهدد مصر، من خلال مجموعة من الإجراءات الاحترازية، التي بدأت تنفيذ بعض عناصرها، فيما تسعى لاستكمالها خلال السنوات القليلة المقبلة.
والتغييرات المناخية هي اختلال فى الظروف المناخية المعتادة كالحرارة وأنماط الرياح والمتساقطات، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب في أضرار هائلة على الأنظمة الحيوية الطبيعية.
وتعرضت مصر خلال السنوت الثلاث الأخيرة إلى عدة تغيرات مناخية متطرفة، من بينها موجة أمطار غزيرة في محافظة الإسكندرية شمالي البلاد نهاية 2015، وأزمة سيول في مدينة رأس غارب بمحافظة البحر الأحمر، أودت كل من الأزمتين بحياة العشرات من المواطنين، وأثرت على حركة الموانئ والسير.
فيما شهدت البلاد موجة من الأمطار الغزيرة والسيول معاً في أبريل/نيسان الماضي، أدت إلى غرق العديد من المنازل والسيارات والشوارع في عدد من المحافظات، الأمر الذي أدى إلى توقف انقطاع التيار الكهربائي وتدمير عدد من المنشآت والممتلكات الخاصة.
مخاطر محقة
تقول المسؤولة بوزارة الري إيمان سيد لـ"العين الإخبارية" إن "ظاهرة التغيرات المناخية وهي ظاهرة عالمية، خطر محق تواجهه الدولة المصرية، خاصة مع تصاعد حدة الآثار الناتجة عن تلك التغيرات منذ 3 سنوات تقريباً، مثل الارتفاع الشديد في درجات الحرارة في فصل الصيف، ما يؤثر على الاحتياجات المناخية من الاستخدامات المنزلية والزراعية من جهة، ويهدد بغرق المناطق المنخفضة من جهة أخرى مثل دلتا مصر".
"ومن بين التغيرات المناخية أيضاً التي تواجهها مصر، حدة العواصف والظواهر المناخية المتطرفة مثل نوات الأمطار الشديدة، والتي لا تستطيع الحكومة الاستفادة منها بسبب هطولها في وقت قصير بصورة مركزة، إلى جانب ارتفاع منسوب سطح البحر، وهو ما يؤدي إلى ازدياد شديد في الموجات، ما يجعل سيناريو الغرق أيضاً ممكناً لعدم وجود سدود وخزانات تتحمل هذه الزيادة".
ووفق ما أوضحته رئيسة قطاع التخطيط بوزارة الري المصرية، فإن "مصر تخشى من الآثار المستقبلية للتغيرات المناخية رغم أن انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحرارى المسببة للتغير المناخي لا تمثل سوى 0.57% من إجمإلى انبعاثات العالم"، موضحة أن "بلادها تعد ثاني أكثر الدول المهددة بالغرق خاصة أنها دولة مصب، ولديها دلتا سطحها منخفض، لهذا تتضاعف خطورة التهديدات التي تواجهها".
استراتيجية احترازية
وأوضحت إيمان سيد، مسؤولة الري، أن "الوزارة لديها استراتيجية بدأت وضعها مع عام 2011، قبل أن يتم تطويرها، لتحديد الآثار السلبية للتغيرات المناخية وكيفية مواجهة كل القطاعات لهذا الخطر، يأتي في مقدمتها برنامج موسع لإنشاء سدود حماية في المناطق المعرضة لخطر السيول، حيث يتم استخدام مياه الأمطار في سيناء شمالي البلاد والمناطق الجبلية".
ثاني عناصر المواجهة برنامج آخر للإنذار المبكر، يهدف إلى إصدار بيانات وخرائط كل 3 أيام قبل حدوث أي نوة لتنبيه المحافظات والوحدات المحلية والوزارات الأخرى للتعامل الفوري.
أما ثالث إجراء هو تخفيض تدفقات السد العالي والترع، وتحضير المعدات ووحدات الطوارئ على السدود مع إلغاء الإجازات لكل العاملين في القطاع والعمل على مدار الـ24 ساعة. كما تعمل الوزارة على تعطيش الأراضي الزراعية حتى تستفيد من مياه الأمطار بشكل كلي، إلى جانب التأكد من خلو الترع والمصارف من المياه، لتكون لديها قدرة استيعابية على تخزين الأمطار.
الإجراء الرابع هو العمل وفق برنامج قومي للتوسع في إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، من خلال مشروعات قومية، لمواجهة سد العجز المائي الناتج عن التغييرات المناخية.
ورغم أن الإجراء الخامس والآخير يتعلق بحماية الشواطئ من خلال وضع حوائط بحرية، لكن مسؤولاً مصرياً آخر رأى أن هذا الإجراء هو الأهم على الإطلاق لا سيما في مواجهة الخطر الأشد، وهو ارتفاع منسوب سطح البحر، ما قد يؤدي إلى غرق دلتا مصر، حسب قوله.
ارتفاع منسوب سطح البحر.. الخطر الأكبر
ويقول علاء النهري، نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء في الأمم المتحدة لـ"العين الإخبارية"، إن "الخطر الأكبر في التغييرات المناخية هو ارتفاع منسوب سطح البحر في السواحل الشمالية في مصر من 30 لـ35 سم، مما أدى إلى غرق بعض المناطق في دلتا النيل مثل رأس رشيد (غرق 5 كيلومترات في الفترة من عام 1984 إلى عام 2000)".
وحاولت الحكومة المصرية، آنذاك، التعامل مع الأزمة لدرء الخطر على منطقة رأس رشد، لكن الأمواج تحولت إلى مناطق أخرى، فوصلت إلى جزء من مصب نهر النيل، وهو ما أوضحته الصور الفضائية، وفق النهري.
وعلى الرغم من التفاؤل الحكومي باتباع الاستراتيجية الاحترازية لمواجهة التغييرات المناخية خلال السنوات المقبلة، فإن النهري أوضح أن الخطورة ستكون بعد نحو 90 عاماً في حال استمرار ارتفاع درجة الحرارة مع زيادة ذوبان الجليد للمحيطين، ما سيؤدي إلى غرق جميع المناطق ذات المنسوب المنخفض على مستوى العالم.
وكشف النهري عن دراسة أعدها بمساعدة خبراء ألمان حول 3 سيناريوهات لارتفاع منسوب سطح البحر، إما يكون الارتفاع أقل من متر فيكون الغرق لنحو 6 آلاف كيلو متر مربع، وإما أن يصل إلى متر ونصف فيؤدي إلى غرق 8 آلاف كيلومتر مربع من الدلتا، أو أخيراً قد يصل الارتفاع إلى مترين فتغرق نصف دلتا النيل بالكامل.
وموضحاً الحل لتفادي هذه السيناريوهات، قال النهري "يجب عمل حائط بحري بمواصفات فنية ضخمة مثلما حدث في اليابان، خاصة أن لدينا مناطق في الدلتا منسوبها أقل من نصف متر، وهذا ما فعلناه من قبل في رأس رشيد، لكن نحتاج إلى عمله مجدداً بصورة موسعة".
المعضلة، بحسب المسؤولة المصرية بوزارة الري والنهري الذي يمثل مصر في لجنة الاستخدام السلمي للفضاء في الأمم المتحدة، تتعلق بـ"توفبر الإمكانيات المادية العالية"، حيث قالت رئيسة قطاع التخطيط إن "تنفيذ استراتيجية الدولة الاحترازية بما في ذلك إنشاء حوائط بحرية، يستغرق سنوات، حتى تتمكن الدولة من عمل المشروعات الكافية التي تستطيع من خلالها مواكبة التغييرات المناخية، وهي مشروعات تحتاج إلى مبالغ باهظة".
من جانبه كشف النهري عن مطالبة بلاده، من خلال منبر الأمم المتحدة، للدول الصناعية الكبرى والمتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض (من 1 إلى 2 درجة مئوية) بضرورة التحلي بالمبادئ الأخلاقية والإنسانية تجاه الدول النامية المتضررة ومنها مصر، وبالفعل حدث تجاوب ومطالبة لمصر بتقديم تقرير يوضح حقيقة الأوضاع، وهو ما سيتم تقديمه خلال الاجتماعات المقبلة.