التجربة المصرية في مواجهة الإرهاب.. العملية الشاملة سيناء 2018 نموذجا
العملية الشاملة سيناء 2018 إنجاز أمني غير مسبوق نجح في تفكيك التنظيمات المتطرفة من خلال مواجهة شاملة وممتدة ونوعية
تتمتع التجربة المصرية في مواجهة الإرهاب بالخبرة الممتدة قبل 30 عاماً عندما نشطت جماعات الإرهاب في التسعينيات من القرن الماضي وواجهتها أجهزة الأمن بنجاح، وهو ما أهلها للمواجهة الثانية للإرهاب، فضلاً عن وجود قادة قيادات جماعات متطرفة في مصر لعل أبرزها تنظيم الإخوان الإرهابي.
- 11 شهرا من الحرب على الإرهاب.. حصاد العملية الشاملة "سيناء 2018"
- إنفوجراف.. مصر تدشن منطقة حرة جنوب سيناء باستثمارات ملياري دولار
نجحت مصر في مواجهة الإرهاب على مدار أكثر من 5 سنوات، خاصة عندما نشطت جماعات الإرهاب بعد ثورة 30 يونيو 2013، في محاولة من تنظيم الإخوان وأذنابه للعودة إلى سدة الحكم بعد ثورة المصريين عليهم.
كما نجحت الدولة المصرية في المواجهة عندما حاولت التيارات الإرهابية الولوج للسلطة عن طريق العنف والإرهاب تارة وعن طريق التآمر على مفهوم الدولة الوطنية تارة أخرى، وعندما أرغموا على ترك السلطة بثورة شعبية واجهوا المحتجين بالعنف.
لم تكن المؤسسات المصرية ولا الأجهزة الأمنية في البلاد بعيدة عن حجم المؤامرة التي كانت تُحاك للمنطقة بأكملها وليست مصر، ولذلك واجهت الدولة خطر التنظيمات المتطرفة منذ بداية تحركها في الشارع، وقد ارتدت في بدايتها أثواباً مصطنعة من الكذب، في محاولة للوصول إلى أجندتها الخاصة.
انتبهت المؤسسات الوطنية للمواجهة المحتملة مع تيار الإرهاب منذ وقت مبكر، فكانت المواجهة للتنظيمات المتطرفة داخل وخارج الحدود، عملاً بضرورة قطع رأس التنظيم، حيث تقول الحكمة "إذا أردت مواجهة حيوان غادر فعليك برأسه قبل ذيله."
انتبهت مصر لمواجهة جماعات العنف والتطرف داخل الحدود قبل خارجها، كما انتبهت إلى تمويل هذه التنظيمات وضرورة تجفيف منابع التمويل والدعم السرية قبل العلانية كمحاولة أخرى لفصل الرأس عن الجسد، خاصة أن دعم التنظيمات المتطرفة كان وما زال يتم من أطراف ودول في المحيط الإقليمي، والتي لم تنقطع منذ بداية مؤامرة تسيّد التيارات المتطرفة السلطة في مصر عقب أحداث الفوضى التي شهدتها المنطقة بداية من 2010.
أطلقت الدولة في مصر عدة حملات وعمليات أمنية وعسكرية لضرب التنظيمات المتطرفة، سواء في المحافظة الحدودية شمال سيناء أو باقي محافظات الدلتا، فنجحت الدولة مع نهاية عام 2018 في إضعاف القوى التي تتخذ من الدين ستاراً لها.
وتراجع مؤشر الإرهاب في مصر بنسبة 80% مقارنة بوتيرة الإرهاب والتفجيرات التي حدثت في عام 2017 وبدايات عام 2018 وما قبلهما، ولعل ذلك يعود بالأساس إلى قدرة أجهزة الأمن في تفكيك عشرات الخلايا المتطرفة، وقدرة أجهزة المعلومات في مصر في رصد تحركات هذه التنظيمات.
وغالباً ما تكون النجاحات مختصرة على المواجهة الأمنية والعسكرية دون سواها على صعيد تفكيك الأفكار المتطرفة، وهو دور المؤسسة الدينية والتعليمية والثقافية، ومن ثم نحتاج الدولة المصرية إلى عملية أكثر شمولا بمساندة منظمات المجتمع المدني والمؤسسات المعنية، شرط أن نستفيد من العملية الشاملة سيناء 2018 ولكن في إطارها الفكري.
العملية الشاملة .. إنجاز أمني غير مسبوق
العملية الشاملة سيناء 2018 إنجاز أمني غير مسبوق نجح في تفكيك التنظيمات المتطرفة من خلال مواجهة شاملة وممتدة ونوعية لعدة أسباب، يمكن أن نذكرها في سياق نجاح العملية مع نهاية عام 2018 في تقليم أظافر الإرهاب، وتحجيم خطره الممتد داخل وخارج الحدود المصرية:
1- نجحت العملية الشاملة في إضعاف قوى الإرهاب والتطرف في كل محافظات الحدود مثال محافظة شمال سيناء، كما ظهرت أثر العملية على محافظات الدلتا، فما عدنا نسمع عن عمليات إرهابية داخل محافظات الدلتا ولا بهروب قيادات نشطة في سيناء إلى محافظات الدلتا.
2- العملية الشاملة لم تستهدف الإرهابيين فقط، وإنما استهدفت المتعاونين والمتعاطفين وكل من يقدم للإرهابيين عوناً حتى ولو كانوا من الجنائيين الصادر بحقهم أحكاماً قضائية ويتخذون من الجبال سكناً لهم، وهو ما أثر على جماعات التطرف في مصر وباتوا أضعف قولاً وفعلاً.
3- حققت العملية العسكرية أول مواجهة شاملة للتنظيمات الارهابية (براً وبحراً وجواً) في توقيت واحد، كما واجهت التنظيمات الإرهابية داخل الحدود وخارجها من خلال التنسيق مع الجهود الدولية الرامية للقضاء على الإرهاب في المنطقة، وفي الوقت نفسه لم تستعن مصر في مواجهة الإرهاب بأي تدخل أجنبي قد يفسر بتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.
4- مما يحسب للعملية الشاملة أنها قضت على ظاهرة المقاتلين الأجانب الذين جاءوا إلى سيناء بعد سقوط دولة «داعش» في 9 ديسمبر عام 2017، خاصة أن ظاهرة المقاتلين الأجانب ما زالت تؤرق أوروبا دون أن تجد لها حلاً، وفشلت أجهزة الأمن والمراقبة في تتبع هؤلاء الإرهابيين والتعامل معهم بما يليق.
5- نجحت العملية الشاملة في تحقيق أهدافها فور إطلاقها لأسباب تتعلق بجهوزية السلطات الأمنية والعمل على تحقيق الأهداف في استكمال النجاحات السابقة التي حققتها القوات الأمنية، مثل عملية "حق الشهيد" الأولى والثانية والثالثة، ومن قبلها العملية "نسر"، وغيرها من العمليات الأمنية التي استهدفت الإرهاب.
6- أهمية العملية الشاملة سيناء 2018 في كونها عملية شاملة وممتدة ونوعية وذات مهام محددة، على الرغم من أنه لم يحدد وقتاً لانتهائها حتى كتابة هذه السطور، رغم إطلاقها بتكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسي في 9 فبراير من عام 2018، وهنا دلالتان يمكن قراءتهما، وهما خطورة المواجهة ونتائجها، وهو ما دفع سلطات الأمن إلى إطالة أمد المعركة، خاصة أن الهدف هو القضاء على التنظيمات المتطرفة وليس مجرد الحد من قدراتها.
7- ما أعلنته القوات المسلحة عبر 30 بياناً صدرت حتى الآن بخصوص ما تم تحقيقه من نجاحات في العملية الشاملة سيناء 2018 يعكس القدرات الفائقة لأجهزة الأمن المصرية في مواجهة الإرهاب، خاصة أنها سبق أن خاضت معركة مع تيارات الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي، ونجحت في العامل معه أمنيًا وفكريًا، وهو ما يُسلط الضوء على التجربة في محاولة لاستنساخها.
8- نجحت العملية الشاملة على مدار 10 شهور منذ انطلاقها في فبراير من العام 2018 في تدمير مخازن العبوات الناسفة، مع تدمير العديد من الأهداف التي تستخدمها العناصر التكفيرية في الاختباء، والانطلاق نحو الهدف النهائي المتمثل في التطهير الشامل من الإرهاب وضبط الحدود الممتدة مع ليبيا، التي تشهد هي الأخرى صراعًا ونفوذًا لجماعات العنف والتطرف، وتصل هذه الحدود الممتدة مع ليبيا إلى مساحة أكثر من 1300 كيلو متر، وقد نجح الإرهابيون في الدخول والخروج إلى مصر عبر هذه الحدود وتهديد أمنها القومي.
9-إطلاق العملية الشاملة سيناء 2018 هدفه الأساسي القضاء على تدفق المقاتلين الأجانب، مع مواجهة نوعية للإرهاب في محافظة شمال سيناء، فالدولة تُدرك أنها إذا كانت أقدر على مواجهة الإرهاب في سيناء، فإنها أقدر على مواجهة الإرهابيين في باقي المحافظات المصرية، وهو ما حدث بالفعل منذ انطلاق العملية الشاملة سيناء 2018.
10-العملية الشاملة سيناء 2018 تمثل طرحا جديدا في أشكال مواجهة الإرهاب داخل الحدود، يختلف عن كل صور المواجهة السابقة ليس في مصر فقط وإنما في الدول الأوروبية، وهو ما يحتاج لاستنساخ التجربة والاستفادة من التصورات المصرية في تفكيك التنظيمات المتطرفة في فترة وجيزة مقارنة بقوتهم التي استمدوها من دعمهم، ووقوف أجهزة مخابرات دول على خلفية هذا الدعم.
ثمرات المواجهة الشاملة للإرهاب في 2018
من أهم ثمرات نجاح العملية الشاملة سيناء 2018 أنها أثرت على المشهد الأمني في مصر بأكمله، رغم أن مسمى العملية يشي للوهلة الأولى أن فكرة مواجهة الإرهاب في سيناء فقط، وتحديد زمان المواجهة تنفيذ العملية عام 2018، فالعملية نجحت في تفكيك خلايا الإرهابيين بعد اصطيادهم من الكهوف والمغارات في الجبال قبل تنفيذ العمليات الإرهابية.
كما نجحت العملية الشاملة 2018 في هزيمة مشروع التيارات المتطرفة بشكل أمني بعد هزيمته سياسيًا حتى لم يبق لأصحاب هذا المشروع سوى التغني بحقوق الإنسان أمام منظمات حقوق الإنسان التابعة لأجهزة استخبارات دولية، والهدف الضغط على الدولة ومحاولة ابتزازها، غير أنها تواصل المسير في فكرة المواجهة الشاملة دون انقطاع.
اهتز مشروع الجماعات الإرهابية في المنطقة بأكملها بعد تجربة وصول جماعة الإخوان الإرهابية على رأس السلطة في مصر، وعدد من العواصم العربية، العملية الشاملة سيناء 2018 وغيرها من العمليات العسكرية لم تكن مجرد رد على الإرهاب في سيناء، وإنما يمكن تدريس هذه المواجهة ومحاولة الاستفادة منها.
في النهاية، نستطيع البوح بأن العملية الشاملة سيناء 2018 نجحت في القضاء على قرابة 85% إلى 90% من الإرهابيين في سيناء، وأكثر من 90% من الإرهابيين الموجودين في محافظات الدلتا حتى تكون نتيجة المواجهة العامة الشاملة للإرهاب لا تقل عن 95% نجاحا سواء بتفكيك الخلايا المتطرفة أو تصفية المتطرفين قبل تنفيذ إرهابهم، وهي نتيجة تدفعنا لإعادة قراءة التجربة المصرية في مواجهة الإرهاب.
من أهم ثمرات المواجهة الشاملة للإرهاب في مصر غياب تنظيمات إرهابية بعضها نشأ في العام 2013، ومن قبلها واختفت تمامًا، مثل جماعة أجناد مصر وأنصار الشريعة وغيرهما كثيرًا من التنظيمات المتطرفة، وهذا إن دل فإنما يدل على قوة الرادار المصري.
في النهاية، لا يمكن التنبؤ بحجم المخاطر إزاء احتضان التنظيمات المتطرفة، ولكن يمكن قراءة الجهود الأمنية المصرية في التعامل مع جماعات العنف والتطرف، ولعل العملية الشاملة سيناء 2018 خير دليل على مواجهة كنا وما زلنا نحتاج إليها.