الجيش المصري.. تاريخ من القوة والأخلاق سجلته جدران المعابد
تأسيس أول جيش نظامي في العالم يرجع إلى 5200 عام، وذلك بعدما قام الملك مينا بتوحيد مصر بإقليميها الشمالي والجنوبي عام 3200 ق.م
يرجع تأسيس أول جيش نظامي في العالم إلى 5200 عام، وذلك بعدما قام الملك مينا بتوحيد مصر بإقليمها الشمالي والجنوبي عام 3200 ق.م، فأصبح لمصر جيش موحد تحت إمرة ملك مصر، وبات أقوى جيوش العالم القديم، وبفضله أنشأت مصر أول إمبراطورية في العالم في عصر الدولة الحديثة، امتدت من تركيا شمالًا إلى الصومال جنوبًا، ومن العراق شرقًا حتى ليبيا غربًا.
الجيش خلال العصور التاريخية المصرية
في عصر الدولة القديمة "2686- 2181 ق.م"، ابتداءً من عصر بناء الأهرامات، كان المصريون مجندين إجباريًا في بناء وتشييد المباني موسميًا أيام الفيضان، والأغنياء كانوا يدفعون البدلية لإعفائهم.
وكان تسليح الجنود في المملكة القديمة بدائيًا، وهو عبارة عن الهراوات والعصي التي في أعلاها مثبت بها حجرة، والخناجر والحراب من النحاس.
وفي بداية الدولة الوسطى 2055- 1985، تمتع حكام الأقاليم بنوع من الاستقلال، لذلك كان لكل إقليم قوات تشبه الجيش فى الإعداد والنظام والأسلحة، بالإضافة للفرق الخاصة بحماية الملك ذاته، وهذه الفرق كانت تكلف بمهام أخرى منها حماية البعثات التجارية، لكن نجح الملك "سنوسرت الثالث" في القضاء على نفوذ حكام الأقاليم، وبدأ فى تكوين أول جيش قومي نظامي ثابت.
أما في عصر الدولة الحديثة، تغيرت العقيدة القتالية المصرية من الدفاع إلى الهجوم والغزو، وذلك لخلق عمق استراتيجي لمصر في الدول المجاورة، وتأمين حدود مصر من خلال مهاجمة الدول الطامعة في احتلالها، فأصبح لمصر جيش نظامي محترف ومدرب ومتطور، جعله يقيم أول إمبراطورية في العالم.
ويقول د. محمد رأفت عباس في كتابه "المجد العسكري المصري من الفرات إلى الجندل"، أن "الأمن القومي لمصر لم يكن له أن يتحقق في منطقة الشرق الأدنى القديم دون بناء إمبراطورية مصرية في سوريا وكنعان (فلسطين)؛ لتحقيق السيطرة السياسية والعسكرية لمصر في تلك المناطق، ليس بغرض الاستعمار وإنما لنشر السلام المصري في هذه البقاع، وتأمين الحدود المصرية من أي موجة غزو جديدة قد تحل بالمنطقة، وقد بلغت حدود الإمبراطورية المصرية أقصى امتداد لها خلال عهد الفرعون المحارب العظيم تحتمس الثالث، وامتد النفوذ السياسي والعسكري المصري من أطراف نهر الفرات شمالا في سوريا إلى الجندل الرابع ببلاد النوبة جنوبًا".
وواجهت مصر خلال عصر الدولة الحديثة خطر شعوب البحر في عهد الملك رمسيس الثالث، وفي الجزء الثاني من كتابه "الجيش في مصر القديمة عصر الدولة الحديثة 1550 ـ 1069 ق.م"، قال د. محمد رأفت عباس: "كانت هجرات وغزوات شعوب البحر فى مناطق سوريا وفلسطين والأناضول وشمال أفريقيا خلال العصر البرونزي المتأخر، كالطوفان المدمر الذي أتى على الأخضر واليابس، وأسقط في طريقه المدن والممالك والإمبراطوريات بلا رحمة.. ولولا تصدي مصر وجيشها لهم لضاعت حضارة الشرق الأدنى القديم إلى الأبد، وسادته شريعة الغاب والتخلف لقرون".
كما برز نضال المصريين العسكري والتاريخي في حرب التحرير ضد الهكسوس بقيادة الملكين العظيمين "سقنن رع تاعو الثاني" و"كامس"، فقد استطاع المصريون بقيادة "كامس" تحرير مصر الوسطى من نفوذ الهكسوس، وقد رأى بعض المؤرخين أنه قد وصل بالقوات المصرية إلى أسوار عاصمتهم أواريس في شرق الدلتا، وقد واصل أحمس الأول زحف التحرير المقدس بعد وفاة أخيه كامس".
ويضيف "عباس"، في كتابه: إن الملك أحمس الأول أخذ فى مطاردة الهكسوس حتى لبنان، ويعني ذلك إجلاءهم عن المناطق التي سكنوها أو لجأوا إليها، وأنه لم يطهر مصر منهم فحسب، بل طهر كذلك فلسطين وسوريا حتى يغدو بمأمن من غدرهم ومعاودتهم العدوان، ولقد سعى الملك أحمس الأول من وراء انتصاراته العسكرية في آسيا إلى فتح الطريق أمام القوات العسكرية البرية والبحرية المصرية لتأسيس أول قاعدة عسكرية مصرية في بلاد "جاهى"، لتكون بمثابة نقطة دفاع متقدمة إذا ما فكر الهكسوس في إعادة تنظيم أنفسهم، وحاولوا غزو أو مجرد الإغارة على الحدود المصرية مرة أخرى.
طوال التاريخ المصري القديم ظلت العقيدة القتالية للجيش المصري قائمة على الحفاظ على أخلاقياته أثناء الحروب في الحفاظ على أرواح المدنيين، وعدم الاعتداء على ممتلكات الشعوب الأخرى أثناء الحروب، كما سجلت لنا جدران مقبرة الملك "بيبي الأول" 2323–2283 ق م، في عصر الأسرة السادسة، الحملة العسكرية على فلسطين التي قادها القائد العسكري "وني" الذي تفاخر بأنه "لم يشاجر أحد منهم غيره، ولم ينهب أحد منهم عجينة للخبز من متجول، ولم يأخذ أحد منهم خبز أي مدينة، ولم يتسول أحد منهم من أي شخص".
aXA6IDMuMTM5LjIzOS4xNTcg جزيرة ام اند امز